قبل عصر الإنترنت كانت الفتاوى بعيدًا عن دار الإفتاء الرسمية يتحكم فيها سلفيون ما بين محمد حسين يعقوب، محمد حسان، أبوإسحاق الحوينى، ياسر بُرهامى، محمد إسماعيل المُقدم، ومسعد أنور، وأيمن صيدح، وفتحى الغريب، وغيرهم من مشايخ السلفيين. وكان تناول الفتوى يتم إما عبر شرائط الكاسيت أو الدروس فى المساجد، وبعد ذلك دخلت عصر الأسطوانات والأقراص المُدمجة، ومؤخرًا بدأ عصر السوشيال ميديا والذى تناوله أقارب وأحفاد هؤلاء المشايخ، فتغيرت الوسائل، لكن ظلت الفتاوى تحمل من التطرف ما تنوء عن حمله الجبال. رغم وجود صفحة رسمية لدار الإفتاء المصرية على «فيس بوك» والتى تضم ما يقرب من 7 ملايين شخص سجلوا إعجابهم بها وتحتوى على فتاوى معتمدة من الأزهر ودار الإفتاء، فإن كثيرًا من رواد الشبكة العنكبوتية مازالوا يفضلون اللجوء إلى صفحات الفتاوى السلفية. الحوينى وَرَّث ابنه الفتوى على المنهج السلفى، والذى أغرق الأسماع والأنظار بفتاواه وذلك عبر منافذ جديدة ما بين حسابه الرسمى وصفحتيه على فيس بوك و«ask fm» وتويتر. السلفيون مختلفون فلكل منهم طريقته، فسلفية الحوينى وأبنائه تختلف عن سلفية محمد سعيد رسلان وصالح فوزان، ولذلك اختار السلفيون المداخلة - نسبة إلى شيخهم ربيع المُدخلى- منهجًا آخر فى الفتوى، لكن بنفس الوسيلة وهى «فيس بوك»، لكن لا تحمل اسم شخص واسمها «تبصير العوام بما لدى دعاة الفتن من الطوام»، وترد الصفحة على التساؤلات، وتميل إلى النصح بعدم الأخذ عن الكثير من المشايخ، وكأنها تتخصص فى علم التجريح والأنساب -علم تصنيف العلماء وتحديد مذاهبهم- فتحذر دائمًا من كل المشايخ غير المداخلة». حاتم نجل أبى إسحاق الحوينى، يُفتى عبر حسابه الرسمى وصفحته الشخصية ولديه 3 صفحات على فيس بوك وصفحة على تويتر كلها باسم «أجوبة حاتم الحوينى على أسئلة ask fm». سجل 315 ألف شخص إعجابهم بصفحة «أجوبة حاتم بن إسحاق الحوينى على «ask fm» وحسابه الشخصى تجاوز 5 آلاف صديق، وهناك مثلهم متابعون، ولديه صفحة باسمه سجل 55 ألف شخص إعجابه بها. يستخدم ابن الحوينى كل حساباته فى الدفاع عن أصدقاء أبيه من حسين يعقوب وحسان وغيرهما، وفى الوقت ذاته يُفتى فى شئون العامة والخاصة، مُنصّبًا نفسه مفتيًا لدار الإفتاء السلفية الفيس بوكية. فى أمور العامة يقدم «حاتم» نفسه مفتيًا لجميع المسلمين، فعندما وُجه له سؤال عن القانون الذى أقرته تونس قال: «لا ولاية للكافر على مسلمة بإجماع أهل العلم، ومن أرادت الخروج عن عبودية ربها ودين الإسلام من أجل الأهواء والشهوات ودعاوى الإنسانية والتحديث والإصلاح والمصالح السياسية، فهى وما أرادت، فلن يهلك على الله إلا هالك». كتب «حاتم» على صفحته يترحم على حادث شهداء قطار الإسكندرية الأخير، قائلاً: «رحم الله من مات فى قطار الإسكندرية»، فرد عليه صديق له معاتبًا وقال له: «لا يجوز أن تكتب هذا، فقد يكون بينهم نصارى، والنصارى لا يجوز الترحم عليهم»، فكتب حاتم منشورًا يقول فيه: إنه لا يجوز الترحم على النصارى نهائيًا وعدل ما كتب ليصبح «رحم الله من مات من المسلمين فى قطار الإسكندرية». سأله البعض عن الهجوم الذى يتعرض له محمد حسين يعقوب فقال: «فتنة التطاول على الشيخ يعقوب تعدت كل أصول الأدب فى الرد على الشيخ وإن أخطأ فى أمر لا نمحو تاريخه بهذا الذى نرى من الظلم وقلة الأدب». وُجه له سؤال عن أحداث بورما فكان الرد: إلى الله المُشتكى من حكام العرب، ونشر صورة لمسيرة مناهضة الإرهاب لرؤساء العالم والتى كانت فى باريس، لكنه كان حريصًا على تغطية وجه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حتى لا تكون مدعاة للفتنة، وعلق على الأمر أيضًا فى حسابه على تويتر قائلاً: «لا خير ولا نصرة ولا كرامة لأمة مشغولة بسفاسف الأمور (كرة القدم)، خاصة أن إخواننا فى سوريا والعراق وليبيا، أراكان يقتلون، لكنه فى الوقت ذاته كان حريصًا على نشر هاشتاج «مونديال 2018». وجه له سؤال آخر عن ارتداء الممثلة المعتزلة حلا شيحة للنقاب فاتخذ من السؤال مسلكًا للهجوم على العلمانيين وسماهم قوم لوط الجدد، وقال عنهم، «العلمانيون يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم وهم يكذبون دائمًا»، واستشهد فى ذلك بموقف البعض من عدم اعتبار نقاب حلا شيحة حرية شخصية، وقال: «العلمانيون لم يتحملوا رؤية حلا شيحة بالنقاب وأزعجهم انتشار الصورة، ووصف العلمانيين ب«الكذابين»، وأنهم لا يتحملون رؤية أهل الإيمان. سألته سيدة عن حكم الزوجة التى يضربها زوجها فإذا به يصف ضرب الزوج لزوجته بأنه ذكورية وعدم تحضر، وكأنه رجل فيمنيست قديم، أو نموذج جديد من «قاسم أمين» مُحرر المرأة، ونصح الزوجة بالصبر والدعاء لزوجها، لكن نفس الحساب الذى استخدم فيه مصطلح الذكورية ضد من يضرب زوجته، ساوى فيه بين المرأة والبهائم فقال: خلق الله ذيولاً للأنعام لستر عورتها، فما بالك بالنساء التى تكشف عورتها؟ أرسلت سيدة تستشيره فى أمر زواجها من موظف فى بنك فقال لها: ابتعدى عن هذا النوع من الزواج لأن الله لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. موقع صوت السلف الذى يُشرف عليه «ياسر بُرهامى نائب رئيس الدعوة السلفية»، له أرشيف فى الفتوى مقسم لأقسام منها فتاوى المأكل والملبس والمشرب والحياة العامة والحياة الخاصة. ومن فتاواه سؤال حول هل يجوز أكل لحوم من رسم بيديه على الحائط «خمسة وخميسة»، والجواب أنه لو فعلها دفعًا للحسد فلا يجوز أما لو فعلها وليس قاصدًا بها شيئًا فيجوز. أيضًا على أرشيف الموقع سؤال حول جواز أكل اللحوم والدجاج المستورد والرد: «الدجاج المذبوح فى بلادنا حلال أكله»، ولو مع جهلنا بحصول التسمية عليه»؛ لأن الأصل فى المسلم السلامة؛ فنسمى نحن ونأكل. وأما الدجاج المستورد مِن الخارج؛ فأنا أشك فى حصول التذكية أصلاً، والمجازر الآلية المسماة بالإسلامية فى الخارج تشغِّل شريطًا مسجلاً عليه التسمية، وهو لا يحقق المقصود مِن التسمية؛ لأن المقصود هو أن يُسمِّى الذابح نفسه وليس جهازًا بمنزلة «الببغاء». وأما اللحوم المستوردة: فالأبقار لا تذبح آليًّا، إنما تذبح يدويًّا ثم تجهز آليًّا؛ فلا حرج فيها إذا كان الذبح قد تم «تحت إشراف هيئة إسلامية». فى صفحة «تبصير العوام بما لدى الفتنة من الطوام»، والتى يديرها مجموعة من أتباع السلفية المُدخلية ولا يعلنون عن أنفسهم، يبدو الأمر مختلفًا، فالصفحة لا تحيد من المنهج المُدخلى وتبرز آراءه، وتقول فى صورة غلاف الصفحة: «كل البلاء الذى أصاب الأمة من أهل البدع»، وتهاجم كل ما لا يتفق مع شيخها، فمثلاً تقول عن نشيد طلع البدر علينا خرافة. وتقدم إلى الصفحة سؤال الفتوى ومن الأسئلة التى وُجهت لها: «هل يجوز التهنئة بالعام الهجرى الجديد؟، والرد أنه يجوز الرد على المُهنئين، لكن لا يمكن الابتداء بالتهنئة، «أى أنه لا يجوز تقديم التهنئة والمُبادرة بها، بمعنى اللى يهنيك متكسفوش»، لكن أنت متهنيش». وتفرد الصفحة مجالاً للرد على التساؤلات ووُجه لها سؤال عن حديث الصداع الموجود فى «البُخارى»، وتقول: استنادًا إلى ابن رجب أن الصُداع من علامات أهل الإيمان والجنة، استنادًا إلى حديث رواه البُخارى يقول إن الرسول دخل عليه أعرابى فسأله هل وجدت صداعًا فسأله ما هو فرد عليه النبى: «عروق تصرب الرأس، فقال ما وجدت هذا فكان رد النبى: من أراد أن ينظر لرجل من أهل النار فينظر إلى هذا الأعرابى». وجه للصفحة سؤال حول بُردة «البوصيرى» لمدح النبى، وهل سماعها مقبول؟ فنهت الصفحة عن سماعها قائلة: إن بها شركًا فى التوجه إلى غير الله، وكفرت عموم الصوفية. تميل الصفحة إلى التجريح فى الأشخاص فكل من هم خارج المداخلة لا يجوز الأخذ عنهم، ويصل الأمر بها إلى حد التكفير وإخراج الناس من الملة، وعندما وجه لها سؤال عن الداعية اليمنى الحبيب على الجفرى، قالت: إنه من ولاة اليهود وممن أعمى الله بصيرته ووصفته بداعية الشرك والخرافات. أيضًا لم يسلم الدكتور على جمعة مُفتى الجمهورية السابق منهم ووصفوه بداعية الشرك لمجرد أنه لا يُكفر الصوفية. وجه للصفحة سؤال عن كثرة التكفير ورغم أنها أكثر من يُكفر الناس فى كل الاتجاهات، إلا أنها ساقت قولًا لابن عثيمين تقول فيه: لا يجوز إطلاق الشرك أو الكُفر أو اللعن على مسلم، وكتبت بخط أصغر «حتى تقام عليه الحُجة». سأل أحد متابعى الصفحة عن الحكم الفقهى فى إعصار فلوريدا فكان الرد: «أثاروا الفتن فى بلدان المسلمين باسم الربيع العربى وشرّدوا الناس واضطرّوهم لأن يتركوا أوطانهم.. اليوم يبتلون بخراب مدنهم وتشريد أهاليهم.. إن الله يُمهل ولا يُهمل، لكنها بعد ذلك حذرت من الشماتة فى البلاء». أيضًا لم تغب الصفحة عن أسئلة الأمور الشخصية فسأل شخص عن حُكم الاشتراك فى المسابقات التى تعلنها شركات الاتصالات فكان الرد: إن تصادف الأمر مع شراء الكارت فلا مانع أو شراء الكارت من أجل المسابقة فهو نوع من «اليانصيب» المُحرمة. أفتت الصفحة بأنه حرام على الأبوين أن يعلما ابنهما أن يقول حينما تقع سنة من أسنانه «يا شمس يا شموسه خدى سنة الجموسة وهاتى سنة العروسة»، ووصل الأمر إلى حد الكُفر واستندت فى ذلك إلى أن الأمر فيه سؤال لغير الله، كما حذرت الصفحة من خروج الصبيان وقت المغرب استنادًا إلى حديث: (إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ». ويأخذ عن هذه الصفحة ما يقرب من 60 ألف شخص سجلوا إعجابهم بها.