«دليفرى الصيدليات» أصبح أزمة جديدة تواجه المواطنين ونقابة الصيادلة، بعيدًا عن ارتفاع أسعار الدواء ومعارك وزارة الصحة ونقابة الأطباء وأزمات السوفالدى والسلاسل وغيرها، والسر أنه إذا كان طلب «الأوردر» بالخطأ من المطاعم يمكن أن يمر مرور الكرام، فإن الأمر نفسه قد يؤدى إلى كارثة تصل إلى حد وفاة المريض، إذا حدث تغيير فى الدواء المطلوب أو إذا نطق المشترى اسم المستحضر بطريقة غير صحيحة. ولهذا السبب، يرى صيادلة أن الدليفرى فى الصيدليات مخالف لقانون مزاولة المهنة، لعدة اعتبارات، إذ ينص قانون الصيدلة على أن يكون هناك 100 متر فاصل بين كل صيدليتين، وهو ما أقرته المحكمة الدستورية، وسبق الطعن على القرار إلا أن المحكمة الدستورية أقرت بصحته، ورفضت طعنًا قُدم ضد المادة 30 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة، وقالت المحكمة فى حكمها إن قيد المسافة الذى ألزم المشرع بمراعاته، أخذ فى اعتباره طبيعة عمل الصيدليات، وكونها مراكز للخدمة العامة تؤدى خدمات متنوعة فى إسعاف المرضى وتوفير الدواء اللازم لهم، فعمل على انتشارها انتشارًا يتناسب مع توزيع الكثافة السكانية، بما يكفل تأدية هذه الخدمات الضرورية، ويقربها من طالبيها دون إرهاق يحول دون تجمعها كلها أو بعضها فى مكان واحد، إذا لم يشترط هذا القيد. ويرى الرافضون للدليفرى فى الصيدليات، أن وجود تلك الخدمة يمنع المريض من حقه القانونى فى لقاء الصيدلى وجهًا لوجه، والاستفسار منه عن الدواء وفاعليته كما يفعل مع الطبيب، إضافة إلى أنه يجعل من يبيع الدواء ليس طبيبًا صيدلانيًا، بل من الممكن أن يكون غير متعلم من الأساس، وبالتالى من الوارد حدوث الخطأ بنسبة كبيرة، وهناك مخالفة أخرى فى أن إبلاغ الدواء عبر الهاتف، من الممكن أن يقرأه طالب الدواء بطريقه خاطئة، ومن الممكن أيضا ألا يسمع الصيدلى اسم الدواء صحيحًا. أحمد العزبى رئيس غرفة صناعة الدواء، وصاحب مجموعة صيدليات، دافع عن الدليفرى واعتبره لمصلحة المريض قبل كل شيء، وأن تقديمه لهذه الخدمة كان «إلهامًا من الله له، ورسالة بعثها الله له»، مشيرا إلى أن الخدمة الليلية جنت له الخسارة فى بداية تقديمها، حين لم يكن حجم البيع على القدر المطلوب، وقد اتخذ قرارًا بوقفها إلا أنه تراجع بعدما قابل أحد المواطنين فى صلاة الفجر وقال له: «شكرا يا دكتور أنت بتنقذنى بالليل»، ومن هنا قرر التراجع عن إلغاء الخدمة. لكن محيى عبيد نقيب الصيادلة، أكد أن توزيع الدواء دليفرى مخالف لقانون مزاولة المهنة، وأن النقابة لا تعترف بهذه الخدمة السيئة التى لا تقدمها أى دولة فى العالم كله سوى مصر، واعتبرها كارثة لأنها تسمح بتداول الدواء خارج الصيدليات. الدكتور حسام حريرة رئيس لجنة التشريعات بنقابة الصيادلة، قال بدوره إن هناك اتجاها لتجريم ظاهرة الدليفرى فى الصيدليات، وسيتم مخاطبة التفتيش الصيدلى ومباحث التموين لإلغاء هذه المخالفة، وفى حالة التقاعس سيتم شكوى التفتيش الصيدلى بالرقابة الإدارية، بتهمة التقاعس فى حماية المواطنين وضبط المخالفات. أما الدكتور مصطفى الوكيل، وكيل نقابة الصيادلة، فأكد أن النقابة بدأت فى اتخاذ عدة خطوات لمواجهة خدمة الدليفرى المخالفة للقانون، ومن قبلها صيدليات السلاسل، باعتبار أنها هى التى تقدم تلك الخدمة المخالفة، إلى جانب مخالفة كونها «سلاسل» أصلا. الوكيل أضاف أيضا أن هذه الخدمة لا يمكن أن تستمر بوضعها الحالى لأنها تضر بصالح الصيدلى، والمريض الذى تهدر حقه فى التعامل المباشر مع صيدلى يستطيع سؤاله عن جدوى الدواء وفاعليته. ويؤكد الدكتور على عبد الله مدير المركز المصرى للدراسات الدوائية والإحصاء، أن الدليفرى مُجرم بقرار من الجمعية العمومية للصيادلة، وأن من يخالف ذلك يجب أن يُحال لمجلس تأديب على الفور، موضحا أن تجريم تلك الخدمة يرجع إلى أنها تجعل من يتعامل فى الدواء غير مختص، باعتبار أنه من الممكن ألا يكون صيدلانيًا ويحرم المريض من حقه فى لقاء الصيدلى، ومن يريد تقديم هذه الخدمة فيجب أن تقتصر على تقديم خدمات لكبار السن، من نحو قياس السكر والضغط، وليس صرف أدوية وطلبها عبر الهاتف. ويرى أسامة رستم نائب رئيس غرفة صناعة الدواء، أن الدليفرى ظاهرة ناتجة عن المنافسة التى تدخل فيها بعض الأساليب غير القانونية، مثلها مثل ظاهرة الخصم التى يقدمها الصيدلى للمواطن لجذب المرضى إليه، ويعتبر أن الأزمة الأكبر أن مصر لا تحتاج تلك الخدمة، باعتبار أن بها أكبر نسبة صيدليات فى العالم، إذ تتجاوز ال64 ألف صيدلية، وهناك منافسة خارج المساحة المحددة لكل صيدلية، ومن هنا بدأت خدمة الدليفرى فى الظهور. محمد سعودى وكيل نقابة الصيادلة السابق، أكد بدوره أن الدليفرى فى الصيدليات شيء مرفوض، ومخالف لأدبيات وأخلاقيات المهنة، كما أنه يضر بالصيدليات، باعتبار أن كل صيدلية تحتاج أعدادا كبيرة من العاملين لتقديم الخدمة، حتى تصل إلى معدلات ربحية تضمن لها الاستمرار، ومن ثم تغلق الصيدليات أبوابها ويكثر دخلاء المهنة، باعتبار أن هناك من سيقابل الخسارة ببيع اسمه لدخيل على المهنة. ويوضح سعودى أن تلك الخدمة مجرمة قانوناً، لأن قانون الصيادلة يمنع الإعلانات والدعاية، والدليفرى يحتاج إلى دعاية، كما أنه إحدى أدوات المنافسة غير الشريفة.