قبل عودة البنوك.. كم سجل سعر الدولار مقابل الجنيه المصرى اليوم الجمعة 17-5-2024؟    معلومات عن طائرة mq9 الأمريكية بعد سقطت اليوم.. سعرها 30 مليون دولار    قيادي ب«حزب العدل»: بيان قمة البحرين لم يخذل غزة    واشنطن تجلي 17 طبيبا أمريكيا من غزة    تحذير عاجل من «كاف» للأهلي قبل نهائي أفريقيا أمام الترجي    فتحي سند: حظوظ الأهلي كبيرة في الفوز على الترجي التونسي    مذكرة فلسفة ومنطق للصف الثالث الثانوي 2024.. أهم الأسئلة المتوقعة    انتشال جثة شاب غرق فى مياه النيل بقرية الجعافرة في أسوان    شيرين: عادل إمام فنان دقيق للغاية.. تربعه على عرش الفن ليس من فراغ    ما علاقة الزعيم عادل إمام بكرة القدم؟.. أعمال خالدة ولقطات نادرة    بعد 4 شهور.. سارة نخلة تعلن انفصالها عن خطيبها    فيديو.. أحمد السقا: لما مصر تمر بظروف صعبة لازم نستحملها    طريقة عمل البيتزا من المنزل بأقل تكلفة    تطوير محمية ودعم ب15 مليون جنيه.. بروتوكول تعاون بين وزيرة البيئة ومحافظ جنوب سيناء    "مات بعد شهور من وفاة والدته".. نجوم الرياضة ينعون أحمد نوير    الري: الموافقة على 38 طلب بمحافظات البحر الأحمر وجنوب سيناء لتراخيص الشواطئ    انطلاق قوافل دعوية للواعظات بمساجد الإسماعيلية    مصطفى الفقي: غير مقتنع بالفريق القائم على "تكوين" وكلامهم مردود عليه    رسميًا.. إيقاف تشغيل عدد من القطارات في هذه الأيام بسبب ضعف الإقبال    هل يمكن لفتاة مصابة ب"الذبذبة الأذينية" أن تتزوج؟.. حسام موافي يُجيب    تأثير الامتحانات على الطلاب ونصائح للتغذية السليمة    إعلام أمريكي: موقف أوكرانيا أصبح أكثر خطورة    وظائف وزارة الزراعة 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    كوريا الجنوبية تتهم بيونج يانج بزرع الألغام في المنطقة المنزوعة السلاح بين البلدين    «هندسة مايو» يكرم الكاتب الصحفى رفعت فياض    استمرار تراجع العملة النيجيرية رغم تدخل البنك المركزي    طيران الاحتلال يغتال القيادي بحماس في لبنان شرحبيل السيد «أبو عمرو» بقصف مركبة    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    وزير الاتصالات يبحث مع سفير التشيك تعزيز التعاون بمجالات التحول الرقمي    ضمن الخطة الاستثمارية للأوقاف .. افتتاح مسجدين بقرى محافظة المنيا    حريق هائل يلتهم محتويات شقة سكنية في إسنا ب الأقصر    حسام موافي يوضح أعراض الإصابة بانسداد الشريان التاجي    "بسبب سلوكيات تتعارض مع قيم يوفنتوس".. إقالة أليجري من منصبه    عمر الشناوي حفيد النجم الكبير كمال الشناوي في «واحد من الناس».. الأحد المقبل    عمرو يوسف يحتفل بتحقيق «شقو» 70 مليون جنيه    توخيل يؤكد تمسكه بالرحيل عن بايرن ميونخ    علماء الأزهر والأوقاف: أعلى الإسلام من شأن النفع العام    "بموافقة السعودية والإمارات".. فيفا قد يتخذ قرارا بتعليق عضوية إسرائيل    سوليفان يزور السعودية وإسرائيل بعد تعثر مفاوضات الهدنة في غزة    4 وحدات للمحطة متوقع تنفيذها في 12 عاما.. انتهاء تركيب المستوى الأول لوعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل الوحدة الأولى لمحطة الضبعة النووية    تاتيانا بوكان: سعيدة بالتجديد.. وسنقاتل في الموسم المقبل للتتويج بكل البطولات    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان موقع إنشاء مستشفى القوصية المركزي    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    «تقدر في 10 أيام».. موعد مراجعات الثانوية العامة في مطروح    «المستشفيات التعليمية» تكرم المتميزين من فرق التمريض.. صور    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    إحباط تهريب راكب وزوجته مليون و129 ألف ريال سعودي بمطار برج العرب    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطع أرزاق 56 ألف «أويمجى» فى دمياط

إنه الصبر والحرص واليد الماهرة، فمع كل طرقة محسوبة على الخشب، ومع كل شكل جمالى يتشكل، يولد الفن.. وميزة الفن فى تفرده واستثنائيته.
ذاك ملخص فن «الأويما».. وتلك فلسفته التى توارثتها الأجيال من الصناع المهرة فى مدينة دمياط، لكن هذا الفن أصبح مهددًا بالاندثار نظرًا لدخول الميكنة، بعد التوسع فى استيراد آلات تحفر الخشب من تركيا، وبالتوازى استقطاب العمال بعقود مجزية هناك، حتى تنهض تلك الحرفة على أكتاف المصريين.

يقول كبار الصناع إن قطر أيضًا دخلت على الخط وأصبحت تستقطب العمالة المصرية فى حين أن إيطاليا بدورها لم تغير من سياسة «خطف الفنانين المصريين»، خاصة بعدما أصبحوا عاطلين إثر دخول 3500 ماكينة إلى السوق وقطع أرزاق نحو 56 ألف حرفي.
عندما كتب المبدع الراحل أسامة أنور عكاشة شخصية «حسن» فى مسلسله «أرابيسك» لم يجعله مجرد نجار يتولى تنفيذ ما يطلبه منه الزبون، فهو فنان يعيش بكيفه، ويعمل ما يحب، لا يهمه الكسب المادى بقدر ما يهمه أن يؤدى ما يحب.. وقد جسد صلاح السعدنى الشخصية بكل اقتدار ليرسم ملامح خاصة جدًا لنموذج الصانع المصري.
لكن يبدو أن هذا الصانع بصدد الاختفاء بعد غزو الميكنة هذا المجال من الحرف، لتنتج نماذج متشابهة بلا روح ولا مذاق.
ومؤخرًا غزت الآلات الحديثة صناعة الأثاث فى دمياط، وأصبح لاقتصاد السوق وأغراض الربح الكلمة العليا فيه، بحيث أصبح الصناع المهرة يتركون المهنة، ومنهم من بدأ يحزم حقائبه للرحيل إلى تركيا بالتحديد حيث تولى الدولة هناك اهتمامًا كبيرًا بالحرف اليدوية وتقدم لمحترفيها دعمًا من أجل أن تصبح عبارة «صنع فى تركيا» علامة مسجلة فى أسواق أوروبا.
هنا.. وقبل الاستغراق فى نظرية المؤامرة، وبعيدًا عن الطنطنة باستهداف مصر، أن نتساءل: وماذا فعلت الدولة المصرية لوقف تلك الهجرة؟
ببساطة.. تركت كبار المستثمرين يعبثون بالسوق ويجرفون ذلك الفن الأصيل والذى عرفه المصريون منذ آلاف السنين.
يحدث ذلك فى دمياط، قلعة صناعة الأثاث فى مصر التى يقصدها أثرياء العرب وأوروبا للحصول على قطع فنية، كما يقول المعلم «محمد محمود إبراهيم عضو رابطة صناع الأخشاب بدمياط الذى يكشف عن أن نسبة كبيرة من الصناع المهرة هاجروا إلى تركيا وغيرها من البلدان التى مازالت تقدر فنونهم، خاصة بعدما دخلت آلة صناعة «الأويما».
ويقول: إن «الأويما» هى المفردة الدارجة لمجموعة من الفنون الحرفية التى تقوم بها الأيدى الماهرة لتحويل الخشب إلى فنون جميلة نابضة بالحياة، ويعتبر الحفر على الخشب من أقدم الفنون الجميلة فى التاريخ حيث بدأ منذ العصور القديمة وقد زين العثمانيون الأبنية المختلفة بالأجزاء الخشبية سواء كانت حفرا على الخشب أو نقشا عليه أو تلوينه وذلك مثل منابر المساجد والصناديق وحوامل المصاحف وصناديق الملابس، والخزائن، والكراسي.
ويضيف: «مؤخرًا دخلت الآلات التى تمحو هذا الفن اليدوى ذا الذوق الرفيع، لتنتج أشكالا متكررة خالية من الروح والحياة» موضحًا «أن الأمر أشبه ما يكون بالخط العربى الذى ضاع تقريبا مع زيادة الاعتماد على الكمبيوتر وإنتاج خطوط ليست سيئة لكنها ليست أعمالا فنية».
ويكشف عن أن دخول الآلة أسفر عن زيادة الإنتاج لكن هذا الإنتاج بلا قيمة جمالية حقيقية، والمؤسف أن السوق أصبحت طاردًا للأيدى العاملة الماهرة، حيث أصبح أمام محترفى هذه الصناعة أن يختاروا بين ترك المجال كليا أو السفر إلى حيث يجدون تقديرا لفنهم.
ويقف وراء «الأويما» الآلية كبار المستثمرين الذين لا تعنيهم اعتبارات الجمال ولا الفن فالمطلوب هو تعظيم الأرباح ليس إلا.
ويقول: «هناك انخفاض فى الأسعار حاليا، لكنه مؤقت، فأصحاب المصانع ما إن يستحوذوا على السوق، ويخرج منها الحرفيون المهرة سيرفعون الأسعار ما يعنى أن المحصلة ستكون انهيار الحرفة من دون استفادة للمستهلك».
ويؤكد أن الوقوف فى وجه التطور مستحيل، لكن المشكلة فى أن التطور لا ينبغى أن يقضى على الأصيل، ولو كان أصحاب المصانع مصرين على مواصلة إنتاجهم، فعلى الدولة أن توفر لهم أماكن بعيدة عن مدينة دمياط حيث يسترزق الحرفيون من أعمالهم اليدوية، وهكذا يصبح الخيار للمستهلك فإما أن يشترى المفروشات المصنوعة يدويًا ذات الجودة العالية والتى تمثل تحفًا فنية أو أن يشترى إنتاج المصانع، وهذا بسعر وذاك بسعر آخر.
ويضيف «لابد من أن يتم تدشين ذاك الإنتاج فى منطقة بعيدة عن دمياط، بحيث تحتفظ المدينة بأصالتها وتبقى مقصدًَا لعشاق الأصالة والجمال».. محذرا من أن هجرة كبار «الأسطوات» ستؤدى إلى عدم توارث تلك الحرفة فتندثر كغيرها من الحرف المصرية التى اندثرت مؤخرًا.
ويقول أحمد سعيد وهو «أسطى أويمجى» إن الآلات الحديثة دخلت منذ بداية الألفية وانتشرت بصورة لافتة سنة 2012 وأصبح صغار المستثمرين يستخدمونها نظرًا لأنها سريعة وتتسم بالدقة.. لكنها تخلو كليا من الجمال.
ويضيف أن تركيا تصدر هذه الآلة إلى مصر، فى حين تغرى الحرفيين بالسفر للعمل فى أسواقها.. والمعروف أن صناعة الأثاث التركى آخذة فى التطور وتجد فى البلدان الأوروبية أسواقا متعطشة للحرف اليدوية حيث تقدر تلك الشعوب الفن وتحترمه.
ويقول: «كنا نصدر إلى إيطاليا وفرنسا بكثافة أما الآن فقد خسرنا تلك الأسواق، وما كان يميزنا هو أن أيادى الفنانين المصريين «تتلف فى حرير»، قياسا بالمنتجات «الجاهزة» لكن يبدو أن عجلة التكنولوجيا ستدهسنا كما دهست الكثير من الفنون.
ويضيف: «أنا رجل عجوز وأقولها بكل صراحة هذه الآلة تخدم صاحب العمل ومن قبله المستثمرين وتدفن الحرفيين ولن تعود بالفائدة على المشترى الصغير بأى شيء.. ولو تركنا صنعتنا اليدوية وذهبنا للآلة سنفرم فى مفرمة التكنولوجيا لأننا متأخرون جدا عن صانعيها».
ويضيف عم «حمدان محمد» أنه فى بدايات الألفية دخلت للسوق المصرية آلات كثيرة الغرض المعلن منها هو تطوير الصناعات المصرية وكان من ضمن هذه الآلات آلة «التخبيط» أو آلة تكسير الخشب لصناعة الأويما وهو الأمر الذى استهوى صناع الموبيليات فى مصر عموما ودمياط بالأخص لأنها هى قلعة صناعة الموبيليات فى مصر والوطن العربى بأكمله ومن بعدها بدأ بعض أصحاب الورش الكبرى والمصانع باستقدام ماكينات «الأويما» الجاهزة التى تقوم بما يقوم به عاملان فى وقت أقل ومن بعدها دخلت آلة الأربعة رؤوس وهى تقوم بعمل أربعة عمال حتى وصل الأمر عام 2012 لماكينات الثمانية رؤوس وهى التى تقوم بعمل ثمانية عمال، وتطور الأمر اليوم لوجود آلة الستة عشر رأسا، ونتيجة لاستقدام هذه الآلات قل الطلب على الصناع المهرة لهذه المهنة اليدوية المميزة ومن ثم كثرة البطالة.
اليوم محافظة دمياط بها حوالى 3500 ماكينة بعدد ستة عشر رأسًا أجهزت على حوالى ستة وخمسين ألف «56 ألف» صنايعى دمياطى أو قللت فرصهم فى العمل وألقت بهم فريسة لتحكم صاحب العمل أو حيتان الصناعة فى دمياط، وهو الأمر الذى دفع الصناع للاستجابة لبعض العقود التى تأتيهم من دول مثل تركيا وقطر وإيطاليا، ولكن إيطاليا كانت ومازالت من الدول التى تأتى كل فترة للبحث عن المميزين فى الصناعات اليدوية وخاصة الأخشاب.
وينهى «عم حمدان» حديثه متسائلا: وهنا السؤال: لصالح من يتم تهجير أبنائنا من الصناع المهرة إلى تركيا؟ هل عدنا لفترة تهجير الصناع المهرة إلى الأستانة كما كان فى عهد محمد علي؟ وما دخل جماعة الإخوان وتجارهم بتحريض الصناع على السفر وهم أول من أدخل هذه الماكينات فى دمياط فى مركز فارسكور وبالتحديد فى «المركز الهندسى لتصميم الأنتيكات والديكور»؟
ويقول: هناك تاجر إخوانى معروف بدأ يستقطب الصناع للسفر فى تركيا والمؤكد أن هذه الجماعة لا تهتم بالفن ولا يعنيها الجمال، فكل ما يهمها هو أن تحقق الأرباح وتحرم مصر من مصادر تميزها.
إبراهيم الجيوشى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.