ليس صدفة أن يتزامن إعلان زعيم التمرد فى اليمن عبدالملك الحوثى انتصار الحوثيين الموالين لإيران، وسيطرتهم على العاصمة اليمينة صنعاء، بعد أن دخلوها يوم الثلاثاء الماضى وهم يرفعون صورا للخومينى، وحسن نصرالله، مع توقيت بدء إعلان الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، فمشاركة إيران (التى تجيد التلاعب بأمريكا) فى الحرب ضمن التحالف الدولى الذى تقوده الولاياتالمتحدة بعد تمنع وتردد وتلكؤ أجبر أمريكا على غض الطرف عما يحدث فى اليمن. جاءت فى إطار صفقة أمريكية إيرانية اعتدنا عليها، وأجزم أن أحدا فى المنطقة ليس بمقدوره أن يفك ألغاز وطلاسم تحالف الشر الاستراتيجى بين أمريكاوإيران، الذى يستهدف إعادة صياغة المنطقة وتفكيكها وتشكيلها وفق التصور الإيرانى الذى يتوافق مع المخططات الأمريكية، هذه الصفقة السرية أطلقت العنان للحوثيين لحصار صنعاء، وإعلان سقوط اليمن الموحد، والتمهيد لقيام دولة حوثية شيعية جنوب السعودية بمقدورها إحكام السيطرة على مضيق باب المندب، والتحكم المطلق فى البحر الأحمر من الجنوب، مما يشكل تهديدا مباشرا على الأمن القومى المصرى، والملاحة فى قناة السويس التى تعول مصر عليها بعد الانتهاء من توسعتها أن تكون قاطرة التنمية للاقتصاد المصرى، وكما يشكل الحوثيون الشيعة تهديدا خطيرا لمصر لا يمكن لها أن تتجاهله فإنهم يهددون بشكل أخطر المملكة العربية السعودية التى أعلنت الأربعاء الماضى نجاح طائراتها فى دك أهداف ل«داعش» داخل الأراضى العراقية والسورية. دولة الحوثيين جنوب السعودية، والهلال الشيعى الذى يمتد من العراق إلى حزب الله فى لبنان سوف يمنح إيران تفوقا لوجيستيا، واستراتيجيا يمكنها من فرض إرادتها على دول المنطقة والتحكم فى مجريات البحر الأحمر بنفس القدر الذى تتحكم به فى الخليج العربى الذى تصر هى والغرب معا على تسميته بالخليج الفارسى رغم أن (6) دول عربية نفطية تمتلك الشاطئ الغربى بكامله، بجانب العراق الذى يمتلك منفذا فى شط العرب على الخليج العربى. بالتأكيد إن الحرب التى يخوضها التحالف الدولى ضد «داعش» سوف تغير حتما من المعادلات السياسية، وترسم خارطة جغرافية جديدة للمنطقة، وتخلق بؤرا مزمنة تقوم على التناحر الطائفى والمذهبى، جميعها يحمل رايات «لا إله إلا الله»، ستحول هذه البقعة من العالم إلى جحيم وحروب دموية بين دول وجماعات لا تنتمى إلى روح وثقافة العصر، تحلم باستنساخ الماضى لتفرضه على واقع لا يعرف إلا المستقبل، الزمن فيه يتجاوز مجريات الحاضر الذى نعيشه، يتخطاه إلى (القادم، والمستقبل)، تلك هى المفردات التى تقود عالم اليوم الذى لا مكان فيه، ولا موضع لطوائف أو نحل، أو أصحاب عمامات يتباهى معتمروها بألوانها، العالم كله يتجه صوب المستقبل، إلا فى هذه المنطقة التى نستوطنها، تغوص وتغرق فى ماضى صنعه أخيارنا، تريد أن تستحضره جماعات تشكلت من أسوأ من فينا، يقودوننا إلى التشرذم والتهلكة، إلى القذف بنا فى غياهب سحيقة لم نخلق لها، متى تؤمن الجماعات التى تخلقها، وترعاها، وتستغلها أمريكا وظيفيا لتحقيق أهدافها فى المنطقة العربية أنه لا يمكننا العيش على هذه الحالة من اجترار الماضى فى ظل عالم يقتلنا بالريموت كنترول، ويتحكم فينا عبر الفضاء، ويقذفنا من أعماق المحيطات؟ الأوضاع فى منطقة الخليج العربى آخذة فى التشكل، وإذا ما استمرت على هذه الحال من الانفلات فلا يمكن لأى قوى السيطرة عليها أو التحكم فى مجرياتها، نعم إن «داعش» يشكل خطرا كبيرا، ويعتنق أيديولوجية دموية يختلف معها معظم المسلمين، والحرب ضدها مشروعة، لكن فى المقابل فالحوثيون لا يقلون عنفاً عن داعش، فقد قتلوا، وخربوا، ودمروا، وعاثوا فى الأرض فسادا بأكثر مما فعل «داعش»، فلماذ الحرب على «داعش» ومنح الحوثيين الضوء الأخضر لإقامة دولة شيعية على أطلال اليمن الموحد؟ السر يكمن فى الصفقة الإيرانيةالأمريكية التى أشرت إليها، والتى ستقود المنطقة إلى كارثة ستكون أكثر خطرا وتدميرا من كل سابقاتها، ونحن العرب الذين سندفع الثمن كل الثمن كما دفعناه مضاعفا فى المرات السابقة، إن من يتفحص التاريخ القريب يجد أن جميع التدخلات العسكرية التى قادتها أمريكا فى المنطقة خلقت دويلات فاشلة، وصنعت كنتونات طائفية دموية تتقاتل مع شعوبها وجيرانها، وباتت ملاذا آمنا للجماعات المتطرفة، وساهمت فى انهيار الدول ومؤسساتها، وليبيا والعراق وسورية دليل لمن أراد أن يستوعب أحد فصول التاريخ ولو لمرة واحدة. دائما وكعادة كل الحروب يتخلف عنها انتصارات وانكسارات، ومن المؤكد أن الحرب على «داعش» التى تقودها أمريكا ومن خلفها 40 دولة منها 11 دولة عربية تباينت مشاركتها فيها واختلفت، إلا أن المستفيدين من هذه الحرب، وبحسابات الأرباح والخسائر وعلوم المنطق والتاريخ والجغرافيا، يأتى فى مقدمتهم إيران التى ستقضى على جماعة سنية كانت ستضج مضاجع آيات قم، وطهران، ومشهد، والنجف وستهدد إيران بشكل أو بآخر، كما أن أمريكا التى تستهدف رسم واقع جديد للمنطقة يتفق مع استراتيجيتها للقرن القادم والتى سبق أن أعلن عنها بوش الأب من حفر الباطن عام 1991 فى احتفالات أعياد الميلاد وسط الجنود الأمريكان، ويأتى الرابح الثالث فى القائمة هو النظام السورى الذى تمد له الحرب على داعش بطوق النجاة، ويبدو أن أمريكا وفى إطار الصفقة مع إيران قد خطت له طريقا آمنا للنجاة، وشرعت له بابا واسعا للاستمرار جاثما على صدر الشعب السورى، كما أن دولا غربية كثيرة سوف تقتسم جزءا من الغنائم بعد أن تلفظها أو حتى تتقيأها أمريكا. السؤال الذى يطرح نفسه عادة هو: من يتكفل بدفع 30 مليار دولار قيمة تكاليف فاتورة الحرب على «داعش» الذى قال عنها باراك أوباما إنها حرب مفتوحة، وستكون على مراحل وتستمر لمدة ثلاث سنوات؟، بالتأكيد وكما جرت العادة فى الحروب السابقة بدءا من حرب تحرير الكويت عام 1991 فإن تكاليف الحرب ستدفعها كل من السعودية، والكويت، والإمارات، والعراق، وهى الدول التى تعرضت لتهديد مباشر وصريح من تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش»، كما ستتحمل الولاياتالمتحدة جزءاً من الأعباء المالية الموجودة ضمن موازنة عام 2014 والمخصصة للمخاطر التى تهدد الأمن القومى الأمريكى وعمليات ما وراء البحار، وفى العادة فإن التكاليف النهائية للحروب التى تخوضها الولاياتالمتحدةالأمريكية فى المنطقة والتى تتكفل دول الخليج بها تفوق التوقعات ويكون مبالغا جدا فى تقديراتها، ما يعنى أن أمريكا تحمل فاتورتها على شركائها العرب الذين يخوضون معها الحرب التى تم تحديد موعدها لتكون قبيل بدء موسم الحج مباشرة خوفا من أن تتسلل جماعات «داعشية» بين الحجاج وتثير الشغب أو تقوم بعمليات من شأنها تعكير صفو موسم الحجاج فى المشاعر المقدسة، خصوصا أنه سبق لأبوتراب المقدسى أحد قادة داعش أن قال فى حسابه على تويتر: إن الناس يتمسحون بأحجار الكعبة، وليس تعبدا لله، لذا وجب الهدم، فإذا ما استتبت الأوضاع ونجح «داعش» فى غزو السعودية بعدما تفرغ من العراق والأردن، فإنه سيقوم بهدم الكعبة لأنها باتت تعبد من دون الله!