لم يجد التنظيم النقابى المصرى اهتمامًا خلال العام الماضى الذى وضعت مصر فيه على القائمة السوداء قصيرة الأجل نتيجة عدم احترامها للاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها خاصة اتفاقيتى 78 و89 المتعلقة بالحريات النقابية وحق العمال فى تنظيم أنفسهم بحرية فى نقابات عمالية مستقلة وديمقراطية. تمثل القائمة السوداء قصيرة الأجل لمنظمة العمل الدولية نوعًا من التحذير المؤقت للدولة التى توضع بها أنها لم تنفذ اتفاقياتها الدولية الموقعة مع المنظمة، وأنه فى حالة عدم تنفيذ هذه الاتفاقيات ستضطر المنظمة لوضع اسم هذه الدولة المخالفة فى القائمة طويلة الأجل، مما يترتب عليه آثار سلبية اقتصادية وسياسية واجتماعية، وهذا ما سنجنى ثماره لاحقًا بانتقال اسم مصر من القائمة القصيرة إلى القائمة السوداء طويلة الأجل وما سيترتب عليه من تأثيرات سلبية على الوضع الحالى لمصر فى مختلف المجالات ونحن فى مرحلة انتقالية فى أمس الحاجة لكل التأييد والدعم الدولى لإنعاش السوق الاقتصادية بجلب استثمارات كبيرة للنهوض بالاقتصاد المصرى.
ولو عدنا للخلف قليلا سنرى أن مصر كانت مدرجة فى قائمة الحالات الفردية لمنظمة العمل الدولية منذ عام 2007 وخلال عامى 2008 و2010 نتيجة انتهاكاتها المتكررة للحقوق العمالية، وكانت منظمة العمل الدولية قد رفعت مصر من القائمة السوداء فى أعقاب ثورة 25 يناير نتيجة التعهدات التى أخذتها على نفسها حكومات ما بعد الثورة وقدمتها للمنظمة، من بينها التشريع الذى قدمه الدكتور أحمد البرعى وزير القوى العاملة والهجرة المصرى الأسبق، خلال توليه المنصب، والذى كان يضمن الحريات النقابية، غير أنه لم يتم إقرار المشروع قبل خروجه من المنصب، وتم التراجع عنه عن طريق مقاومة حكم القضاء بحل اتحاد عمال مصر ومد أمده أكثر من أربع مرات بالتجديد لمجالس الإدارات الحالية للنقابات العامة، ثم بتعديل قانون 35 لسنة 1976م الذى كان الهدف منه إبعاد قيادات الاتحادات القديمة لصالح قيادات تابعة للنظام الحالى بعيدة عن العمل النقابى، وخارج الجمعيات العمومية مثلما حدث فى النقابة العامة للبترول، ثم بالإصرار على عدم إصدار قانون الحريات النقابية الذى توافق عليه الجميع إبان وزارة البرعى، وصياغة قانون بنفس المسمى مفرغ من مكاسب الحريات النقابية، ومفرغ من المحتوى الحقيقى له.
جدير بالذكر أن مصر مستمرة بالعمل بقانون رقم 35 لسنة 1976 قانون النقابات، الذى يوصف ب«سيئ السمعة»، حيث إن مواده تحظر على العمال تنظيم أنفسهم بحرية فى نقابات مستقلة، وتجبر العمال على الاشتراك فى اتحاد عمال وحيد هو الاتحاد العام لنقابات عمال مصر مع خصم الاشتراك إجباريا من الرواتب، وهو ما يتناقض مع الاتفاقيتين الدوليتين الموقعة عليهما مصر أرقام 87 و98 إضافة إلى بعض مواد قانون العمل التى تحظر حق العمال فى الإضراب السلمى.
فى حين أن المطالب مستمرة من خلال البيانات الصحفية التى نشرت خلال العام الماضى من النقابات العمالية فى كل محافظات مصر والحملات المجتمعية التى تكونت للمطالبة والضغط لإصدار القانون ومنها «الحملة الشعبية للمطالبة بقانون الحريات النقابية» والذى شارك فيها أكثر من 130 منظمة نقابية و25 منظمة مجتمع مدنى بالإضافة إلى الشخصيات العامة والقيادية وتم جمع توقيعات للمطالبة بإصدار القانون وتم تنفيذ عدد من المؤتمرات الجماهيرية التى توضح أهمية القانون وتطالب بإصداره فى محافظاتالقاهرة والدقهلية ودمياط والإسكندرية وغيرها. هذا كله يشير إلى عدم وجود إرادة سياسية لإصدار قانون ينظم الحياة النقابية فى مصر خلال الحكومات التى جاءت من بعد ثورة يناير 2011 حتى اليوم.
وبذلك تنتظر شهرين حتى يتم انعقاد مؤتمر منظمة العمل بجنيف رقم 103 ليقر بذلك أن مصر ستنتقل من القائمة السوداء قصيرة الأجل إلى القائمة السوداء طويلة الأجل.