ترشيح الأساقفة والمطارنة أنفسهم لكرسى إيبارشية الإسكندرية الرسولى فى قانون انتخاب البابا هو تناقض مع نص القانون وكذلك مع تقاليد الرهبنة القبطية. فأولاً الأساقفة والمطارنة بعد تركهم مكان إقامتهم فى الدير كرهبان وسكناهم فى المدينة لم يعودوا رهباناً، فكلمة «الراهب» ليست لافتة أو شهادة يحملها الشخص كل أيام حياته، بل هى حسب وصف آباء الرهبنة، هو مَنْ ترك الحياة فى المدن وسكن الجبال والبرارى والتزم بقوانين الحياة الرهبانية اليومية داخل الدير. من قول مار إسحق السريانى أحد معلمى الرهبنة المشهورين: الراهب هو إنسان قد ترك العالم بالكلية، وكذلك بلده وأقاربه، وانتقل إلى الأديرة أو البرارى، ليجلس فى الهدوء، ويعمل بيديه، ويقيت نفسه، ويعبد الله ليلاً ونهاراً.
وكل راهب لا يمارس كل ذلك فى ذاته، فهو لايزال فى رتبة ومنزلة العلمانيين. طوبى للذين يحفظون ويعملون. لا تفتخر بالاسم بل اجتهد فى الأعمال - كتاب بستان الرهبان المطبوع، جزء 1، ص40.
ومن قول القديس يوحنا السلمى فى كتابه «سلم السماء»:
تنحصر السيرة الرهبانية كلها فى مناهج ثلاثة وهى:
الاعتزال فى جهاد منفرد، أو الإخلاد إلى السكون برفقة شخص أو شخصين آخرين.
أو الإقامة بصبر فى دير ذى معيشة مشتركة.
كتاب السلم الإلهى، منشورات النور - لبنان، 1980 ص.31
لذلك، فإنه يجب القول، بوجوب اشتراط لا مدة الرهبنة فقط، بل مع المداومة والمثابرة على حياة الرهبنة داخل الدير تحت طاعة الأب أو الرئيس أطول مدة ممكنة (ما لا يقل عن سنة). فالحياة داخل أسوار الدير هى الضمان الذى يمكن أن يطمئن الباحثين عن المرشح الكفء لمنصب البابوية، إذ يكون قد اقتنى الحياة الفاضلة والعلم الوفير وحنكة التجربة ما يصلح لهذه الرتبة المقدسة. فإن مجرد حمل اسم الرهبنة دون فعلها لا يضمن هذه الفضائل. فكم من الذين يحملون اسم «راهب» وهم لم يمكثوا فى أديرتهم إلا مدة قليلة، شهوراً أو سنين تُعد على أصابع اليد الواحدة، ثم خرجوا إما انتداباً لخدمة فى المدينة أو لسبب آخر أبعدهم عن حياة الرهبنة، وبالتالى لا يجوز ادعاؤهم أنهم يحوزون مدة رهبنة إلا إذا لبثوا إلى أديرتهم وأكملوا المدة فيها.
فالرهبنة هى حياة داخل الدير، أما خارجه فلا يمكن أن يجنى ثمار الرهبنة من ترك الحياة فيه. إن الظن بأن العيش فى المدن ووسط الناس يمكن أن يعطى المرشح مقومات الحكمة وحسن التدبير ما يصلح لهذا المنصب الخطير هو ظن خاطئ، فإن الحكمة الروحية وحسن التدبير والاستنارة العقلية اللازمة لهذا المنصب المهم صفات للنفس يقتنيها الإنسان نتيجة سكون النفس وطهارة السريرة ونقاوة القلب وكثرة تحديق العقل فى الإلهيات والروحيات، كما علمنا الآباء، وليس بالاستغراق فى الحياة فى المدينة. وهذه الفضائل لا يمكن نوالها بتمامها وسط ضجيج المدن وتشويشات الحياة المدنية وصخب المنازعات والمجادلات والتحزبات التى يستغرق فيها من يعيشون وسط العالم، حتى خدام الكنيسة. (لذلك، فإن حياة التأمل لازمة وعلى الأخص لخدام الله الذين يخدمون فى المدينة، وهذه الحياة لابد أن يسندها فترات خلوة كثيرة وطويلة حتى يمكن للخادم أن يتخلص ولو إلى لحظات من طوفان بحر العالم ويقتنى الحكمة التى من فوق) - عن كتاب «السلطان الروحى والتقليد القانونى الكنسى فى اختيار وإقامة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية».
فأكبر تناقض فى قانون جمال عبد الناصر 1957 أنه يقول فى المادة 2 البند 2: «أن يكون من طغمة الرهبنة المتبتلين» ثم يتبعها بقول متناقض: «سواء كان مطراناً أو أسقفاً أو راهباً».
فالمطران والأسقف ليسا «من طغمة الرهبنة المتبتلين» لأنهما بالرسامة مطراناً أو أسقفاً يكونان قد تركا وخرجا «من طغمة الرهبنة المتبتلين»، لقد كانا كذلك وهما يعيشان داخل ديرهم، ولكنهم فور رسامتهما ورجوعهما إلى المدينة وإقامتهما هناك لم يعودا «من طغمة الرهبنة المتبتلين». هذا هو معنى الرهبنة فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. فالرهبنة ليست شهادة مدرسية أو جامعية أو درجة شرفية بل هى حياة وجهاد وانعزال عن المدينة ولها أسلوبها فى نظام الحياة اليومية والغُربة عن العالم وعن المدن وعن الحياة فى المدن. وهذا خطأ فادح فى نص المادة .2 وليس أوضح من تكملة النص هكذا: «سواء كان مطراناً أو أسقفاً أو راهباً» فهو يميز هنا «الراهب» عن «المطران» و«الأسقف» بوضعه التمييز بين الأسماء الثلاثة باعتبارهم 3 صفات مختلفة بينما يقول فى بداية البند: «أن يكون من طغمة الرهبنة المتبتلين». وهذا يعتبر فى القانون ما يسمى ب: «عوار» قانونى. فيجب حذف هذه الجملة ويكفى أن يُقال: «أن يكون من طغمة الرهبان الساكنين داخل أديرتهم فى البرية بغير انقطاع». وبالتالى أيضاً فالراهب المنتدب خارج ديره للخدمة والإقامة فى المدن لا يُعتبر راهباً لأنه عاد للحياة والإقامة داخل المدن.∎