سعر الذهب يرتفع مع منتصف تعاملات اليوم الجمعة    مصر وقطر تبحثان سبل تعزيز التعاون في مجال الزراعة والأمن الغذائي    الجنائية الدولية تدعو لوقف محاولات تخويف مسؤوليها    "استحق وعلاقة حب وتآخ".. الأهلي يهنئ الاتحاد السكندري بالفوز بكأس مصر لكرة السلة    التفاصيل الكاملة ل حريق ملاعب جامعة القاهرة    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    بعد تصدرها التريند.. التصريحات الكاملة ل نهى عابدين ببرنامج مساء دي إم سي    طوارئ في الجيزة استعدادا لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    المنتدى الاقتصادي يُروج لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    أقباط الإسكندرية في الكنائس لحضور صلوات «الجمعة الحزينة» والجدران تكسوها الستائر السوداء    وزارة الدفاع الروسية: خسائر أوكرانيا تجاوزت 111 ألف قتيل في 2024    وزير الأوقاف يفتتح مسجد فريد خميس بالعاشر من رمضان ويؤكد: «دورنا عمارة الدنيا بالدين» (صور)    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية المُوحدة خلال أبريل الماضي    مشيرة خطاب تشيد بقرار النائب العام بإنشاء مكتب لحماية المسنين    «التعليم» تحدد مواصفات امتحان اللغة العربية للثانوية العامة 2024.. تفاصيل    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بمنتصف التعاملات (آخر تحديث)    عن حفلاته في صيف 2024.. محمد رمضان: لبنان راح تولع والفرح راح يعود قريبًا    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    التعليم العالي: إطلاق النسخة الثالثة لمسابقة لتمكين الشباب ودعم الابتكار وريادة الأعمال    وحدات سكنية وهمية.. ضبط سيدة استولت على أموال المواطنين ببني سويف    ب«تفعيل الطوارئ».. «الصحة» بالقليوبية: عيادات متنقلة بمحيط الكنائس خلال احتفالات عيد القيامة    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    الأهلي يهنئ الاتحاد بكأس السلة ويؤكد: "علاقتنا أكبر من أي بطولة"    متسابقون من 13 دولة.. وزير الرياضة يطلق شارة بدء ماراثون دهب الرياضي للجري    تعرف على إيرادات فيلم السرب في السينمات خلال 24 ساعة    شاهد.. جدار تعريفى بالمحطات الرئيسة للحج بمعرض أبو ظبى للكتاب    في الذكري السنوية.. قصة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة    الإسكان تطرح أراضى للتخصيص الفوري بالصعيد، تفاصيل    دعاء الهداية للصلاة والثبات.. ردده الآن تهزم شيطانك ولن تتركها أبداً    صور الأمانة في المجتمع المسلم.. خطيب الأوقاف يكشفها    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    الصحة: تقديم 10 آلاف و628 جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية الحرب    أستاذ أمراض القلب: الاكتشاف المبكر لضعف عضلة القلب يسهل العلاج    وزير الصحة: تقديم 10.6 آلاف جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية أحداث غزة    فرص عمل في 55 شركة.. شروط شغل الوظائف في القطاع الخاص براتب 6000 جنيه    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    التضامن تكرم إياد نصار عن مسلسل صلة رحم    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    تركيا: تعليق التجارة مع الاحتلال حتى وقف إطلاق نار دائم في غزة    عاجل - المواد الداجنة: سعر الفراخ البيضاء والحمراء اليوم الجمعة "تراجع كبير".. لدينا اكتفاء ذاتي    رئيس البرلمان العربي: الصحافة لعبت دورا مهما في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي    قصور الثقافة: إقبال كبير على فيلم السرب في سينما الشعب.. ونشكر «المتحدة»    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    أيمن سلامة ل«الشاهد»: مرافعة مصر أمام العدل الدولية دحضت كافة الأكاذيب الإسرائيلية    مصر أكتوبر: اتحاد القبائل العربية يعمل على تعزيز أمن واستقرار سيناء    وزير التنمية المحلية يهنئ محافظ الإسماعيلية بعيد القيامة المجيد    رغم المقاطعة.. كوكاكولا ترفع أسعار شويبس جولد (صورة)    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذين كذبوا علي الناس وصدقوا أنفسهم


عبدالله كمال 16 أكتوبر 2010 3:00 م

اي وسيلة إعلام: (قناة تليفزيونية، محطة إذاعية، أو جريدة، أو حتي مجرد برنامج)، لابد أن تكون لديها مجموعة من العناصر التي تكون معادلاتها.. وتشكل طبيعة وجودها في المجتمع. علي أساس هذه العناصر وتركيبة تلك المعادلة يتقرر عمر هذه الوسيلة.. ومستقبلها.. ناهيك عن تأثيرها.
لنقل أننا نتكلم عن جريدة، أي جريدة، لابد أن يكون لها إطار قانوني.. خارجي وداخلي.. الأول هو الذي صدرت بموجبه.. وحصلت به علي الترخيص حتي تكون بين يدي الناس كل صباح.. هذه الوضعية القانونية هي التي تجعلها مطبوعة شرعية وليست منشورا سريا.
القانون هو قاعدة التفاعل في المجتمع بين أطرافه ومؤسساته ومواطنيه.. والقانون هو الذي يشكل النظام.. ومن ثم يكون غريبا ومناقضا لطبائع الأمور أن تصدر صحيفة صادرة بتصريح من النظام وقانونه لكي تقول في كل يوم (يسقط النظام). عمليا تكون هي وقتها تنادي بسقوط نفسها قبل النظام.
للتفرقة لابد أن نشير، مجددا، إلي التباين الجوهري بين معني النظام ومعني الإدارة أو الحكومة.. الإدارة بموجب النقاش الديمقراطي وحرية التعبير يمكن أن تمتدح ويمكن أن تنتقد.. بل تهاجم.. وتطالب صحف بأن تذهب ويأتي غيرها. هذا منطقي. لكن غير المفهوم أن يكون الهدف هو المطالبة بسقوط النظام.. هذه تكون ثورة.
وفي السنوات الأخيرة، عرفت الساحة الصحفية في مصر جرائد لم تطالب فقط بسقوط النظام الذي تنتمي إلي شرعيته.. بل بشرت بذلك.. وحاولت إذكاء الفوضي.. وتمجيدها.. والدعوة إليها.. وتقريب أذهان الناس من احتمال حدوثها.. بقصد تقبلها وإمكانية التعايش معها والرضا بها.
العنصر الداخلي في الإطار القانوني لأي وسيلة إعلام، هو أنه لابد أن تقوم علي قواعد، تحدد طبيعة أدوار الأطراف فيها، حتي لا ترتبط بفرد، ولا تختل التفاعلات فيما بين العاملين فيها.. هذه القواعد هي التي تنبني عليها (المؤسسية).. فإذا لم تكن موجودة.. فإن الوسيلة الإعلامية مهما كانت شهرتها وصخبها لا تتخطي مرحلة كونها (دكان).. وتكون بالتالي في مهب الريح.. من داخلها.. فالدكاكين لايمكن أن تصمد في عالم الإعلام.. مضي زمان «الكشكول».
في بقية المعادلة، لابد أن يكون لأي وسيلة إعلام.. لنقل (مجددا) أنها جريدة.. فضاء سياسي تتحرك فيه.. يتيح لها أن تضرب بجذورها في عمق التربة.. وكلما امتدت الجذور أسفل.. أدي هذا إلي اتساع نطاق الظلال التي تغطي الجريدة فوق الأرض.. ولهذا فإن بعض الصحف تذبل لأنها بلا جذور.. أو لا تنمو وتبقي في حالة «قزمية» لأنها أصرت علي أن تمد جذورها في تربة صخرية أو ليست خصبة.. تماما كما لو أنها تخبط رأسها في الحائط.
الجذور السياسية لأي مطبوعة تختلف تماما عن علاقاتها السياسية أو عن كونها لديها سند سياسي.. شبكة العلاقات مهما اتسعت لا تدل علي أن هناك جذورا.. وبعض الصحف الخاصة في مصر ظنت لبعض الوقت أنها يمكن أن تعبث في المساحات الرمادية بين السياسيين في المجتمع.. إن هذا يسمي في عرف القانون (تسلل).. ومهما تكررت مرات التسلل فإن «صافرة ضبط المتسلل» سوف تنطلق في لحظة ما ولن يتمكن أبدا المتسلل من تسجيل هدف.. ولو فعل فإن الهدف لن يحتسب وسيكون مسروقا.
الجذور السياسية، أيضا، ليس لها علاقة بكون الصحيفة تعبر عن اتجاه سياسي أو لا تعبر عن اتجاه ما.. ويفترض في كل صحيفة أن تكون لديها رسالة سياسية.. وبعض الصحف تعبر عما تؤمن به.. في هذه الحالة يكون لها موقف.. وصحف أخري تعبر عما لا يشترط أن تؤمن به.. في هذا الوقت تكون (أداة للإيجار).. «شقة مفروشة» ومن ثم فإنها حين ينتهي دورها لاتجد أن من عبرت عنهم حاولوا الدفاع عنها.. بل إنهم يبحثون عن غيرها.. ليستأجروه.. ويمكن أن نضرب مثلا بجريدة الدستور التي قدمت نفسها أداة تعبير عن جماعة الإخوان المحظورة.. استؤجرت ولما انقضي الإيجار لسبب ما لم تنشغل جماعة الإخوان بالشقة التي كانت.
كما أنه يفترض في كل وسيلة إعلام أن تكون معبرة عن فئة اجتماعية.. أن تكون «صوت مصالح» في البلد.. كلمة المصالح ليست سيئة.. لكل جماعة مصالحها.. ولكل طبقة ما ينبغي أن تدافع عنه.. الصحف لابد أن تدافع عن فئة وأن تمثلها.. وإلا فإنها تكون بلا قيمة.. ولا تتحول إلي رقم أبدا في معادلات المجتمع.. ولذا إذا ما اختفت هذه الصحف لا يعيرها أحد اهتماما.. وإن أثارت صخبا أثناء الاختفاء.
هنا تكمن فروق جوهرية بين الصحف القومية والصحف الخاصة. القومية لها بناء مؤسسي وفيها خصائص المدارس الصحفية.. لها مواصفات وفيها تراكم خبرة وتوالي أجيال وعندها إطار قانوني داخلي.. الصحف الخاصة مجرد دكاكين ولو كانت لها واجهات براقة.. البوتيك هو في نهاية الأمر دكان وإن ناديناه بالكلمة الفرنسية: «بوتيك». والأهم أن الصحف القومية تعبر عن فئات مجتمعية عريضة.. تخدمها.. وتكون صوتا لها.. في حين أن الصحف الخاصة صدرت لأن مالكيها فقط يريدون ذلك ولم يحددوا هويتهم الاجتماعية أو الفئوية أو الطبقية.. فأصبحت كما لو أنها ورقة طائرة في الهواء الطلق.
---
لقد استطال هذا الاستهلال، غير أنه ضروري للغاية ونحن ننظر إلي المتغيرات التي تجري في ساحة الصحافة والإعلام، تلك التي فسرت علي أنها (حملة لتكميم الأفواه).. وتلجيم الأصوات الناقدة في المجتمع.. وهو تشخيص قالت به الصحف الخاصة التي خشيت أن تؤدي الأنواء إلي اختفائها.. ولاترغب في أن تواجه الحقيقة.. فراحت تقول إن الدولة إنما تجهض الحرية وتكتم الأصوات وتعرقل النقاش الديمقراطي الحر في المجتمع.
مشكلة الصحافة في مصر، والإعلام بإجماليه في القطاع الخاص، أن المهنيين تصوروا أنهم «سياسيون».. ولما لم يراجعهم أحد تحولوا إلي «زعماء».. ولما لم يوقفهم أحد صدقوا ذلك.. وحين تتلاشي المساحة التي لا يجب أن تختفي بين المهنية والسياسة.. فإن هذا يقود إلي مشكلات كبيرة جدا.. غالبا ما تدفع أثمانها مهنة الصحافة ومهن الإعلام.
وفي السنوات الخمس الأخيرة استمرأ بعض الصحفيين والإعلاميين التسلل من ثغرات الحياة الحزبية الضعيفة.. وفقدان القدرة لدي جماعات المعارضة.. فنشأت في مصر ما يمكن أن نسميها (جماعات المعارضة الصحفية).. تلك التي تخيلت أنها يمكن أن تسقط النظام وأن تدعو للفوضي وأن تبشر بعصور مناقضة.. وانهارت في سياق ذلك قيم المهنة ومواثيق الصحافة وأخلاق الإعلام.. وضاعت المسافات بين السياسة والصحافة.
لاشك أن القانون قد سكت خلال الحراك. أو لنقل أنه تأخر في تطبيق قواعده. وأن الحرية أتيحت لها فرصة خلال فترة الصمت لكي تتمدد بدون أن تخضع للضوابط.. وبدلا من أن ينتبه الصحفيون والإعلاميون إلي السعي لأن يكونوا هم الأحرص علي تطبيق القانون.. كان أن تجاوزوه.. وتخطوه.. وانفلت العيار.. وانتشرت العشوائية.. وظهرت عوارض خطيرة لا تتعلق بأشخاص وتوازنات.. وإنما تضرب في صميم استقرار المجتمع.. فقرر المجتمع أن يتدخل لكي يحمي نفسه.. وتحركت مؤسساته.
الموضوع أعمق بكثير من ادعاءات تقول إن هناك حملة لتكميم الأفواه من أجل التستر علي عملية مدبرة لتزوير الانتخابات. الظواهر تخطت الطعن في سمعة الناس.. أو التداخل من قبل الصحافة لفرض عناصر تهدر فرص العدالة في التنافس.. بل وصل الأمر إلي درجة الإخلال بمناخ العدالة.. والتعدي علي القضاء.. وإهانة استقلالية القضاة.. وصولا إلي تعزيز النعرات العرقية في البلد.. وتمجيد الانقلاب علي الدولة (لاحظ صورة نشرتها جريدة المصري اليوم لمواطن بدوي يحمل آر بي جيه كما لو أننا في جنوب لبنان.. تري ما هي الرسالة المقصودة من هذه الصورة؟).. وتفجير الفتنة الطائفية.. وتحويل الصفحات والشاشات إلي منابر لأصوات الفتنة.. إن كانت مسلمة أو مسيحية.
---
لنكن صرحاء تماما: الإعلام الخاص والصحافة الخاصة أهدرا فرصة تاريخية عظيمة لكي يكون بأيدي الإعلاميين والصحفيين أن يسيطروا علي تفاعلات الحرية في السنوات الخمس الماضية.. فتخطوا كل الخطوط الحمراء.. ما أدي إلي أن تتدخل المؤسسات التي تقود هذا المجتمع لكي تعيد التنظيم ولكي تفرض القواعد ولكي تدق نواقيس الخطر بدون أن تهدر الحرية.
الحرية في هذا البلد أوسع نطاقا من بضعة صحفيين وإعلاميين تخطوا القواعد. ولها فائدة مهمة جدا تتجاوز المساعي الشخصية لتكوين الشهرة أو الرغبة في تلبية الاحتياجات النرجسية لعدد من الأقلام والمذيعين.. الحرية مناخ ووسيلة من أجل صالح البلد وليس ضد فوائده.. ويستفيد منها الألوف من ممارسي حرية التعبير والحق في القول، والحق في الانتقاد، والحق في الاعتراض، والحق في التعبير عن معاناة الناس.. هؤلاء جميعا لايمكن اختصارهم في صحفي أو في مذيع أو في منتحل صفة رجل دين علي إحدي قنوات التطرف.
هذا المجتمع شهد أحداثا جسيمة وخطيرة جدا علي المستوي الطائفي في بداية السبعينيات في منطقة الخانكة ما استدعي تكوين لجنة تقصي حقائق شهيرة برئاسة المستشار جمال العطيفي.. ومثلها في نهاية السبعينيات في الزاوية الحمراء.. لكن هذه الأحداث الجسام لم تكن تمثل نفس التهديد الخطير الذي ضخمته عوامل جديدة لأحداث أقل بكثير جدا في السنوات الحالية.. تضخمت بفعل الإعلام وتجاسرت بتأثير الصحافة.. حيث لم يعد هناك عقل حريص علي البلد ولا قلب يمتلئ بالخوف علي مصالح المجتمع.
إن لدينا مشكلات حقيقية في مصر. تحتاج إلي جهود كثيرة للتغلب عليها وتخطيها. ومن واجب الإعلام أن يقترح الحل ومن واجب الصحافة أن تساعد علي توفير العلاج. لكن الذي حدث هو أن الإعلام الخاص تحول إلي مشكلة إضافية والصحافة الدكانية صارت عبئا فوق الأعباء.. ومن ثم من الطبيعي حين تتدخل القواعد لفرض ذاتها ألا يبكي أحد علي التخلص من هذه المشكلات والزوائد.. بغض النظر عن الدعاية التي يروجها الباحثون عن مكاسبهم الذاتية وشهرتهم الشخصية.
---
لا يمكن أن يقود هذا المجتمع مذيعة قررت أنها أقوي ممن يشغلها وأهم من أي سلطة وفوق أي قاعدة.. ولايجوز أن يعتقد مذيع أنه (يجري البلد أمامه كل ليلة).. وأن ما يقرره علي جلسات المقهي هو الذي يحدد أچندة المجتمع.. ولا يمكن أن يعتقد صحفي أنه فوق كل الصحفيين وأنه أهم الناس وأن لديه معركة شخصية لابد أن ينجزها مع البلد كلها بدءا من أكبر رأس فيها.. ولا يمكن لأي صحيفة أن تعتقد أنها تُسير مصر.. وأن محرريها فوق كل الأحزاب وفوق كل القوي.. وأن ما تقوله لابد أن يتحول إلي جدول أعمال يطبق.. وإذا ما اقترب أحد من هذه أو ذاك أو تلك يكون ذلك ضد الحرية!!
هذا مجتمع راسخ. استوعب غزاة. وتخطي نعرات. وتجاوز أزمات. بل ابتلع الإرهاب في معدته العظيمة. وصد الاختراقات. وعبر المحن. ولا أعتقد أنه يمكن أن يقبل صخبا معكرا.. وضجيجا معطلا.. وصراخاً مسائيا يعرقل.. وتخطيات إعلامية لقواعد الحرية تفسد كيمياء الناس.. وشيوخا مزيفين يعتلون محطات متطرفة راحت تنشر الضغينة بين فئات المجتمع وعناصر أديانه.
كانت هناك دولة ولم تزل. كون البعض نسي أنها موجودة أو أقنع نفسه بذلك لايعني أنها لم تكن موجودة. وكان هناك غاضبون من مشكلات أداء الحكومة.. ولكن أيضا كان هناك غاضبون وحانقون ورافضون لأداء إعلامي سقيم ومزعج عبر حدود النقد وقرر أن يمارس العشوائية وأعتقد أنه يمكنه أن يواصل اللعب بطريقة التسلل.. وتخيل أن الحكم حين لايراه.. أن الجمهور لن يراه.. وأن زملاءه لن يروه.. وأن الكل سوف يقبل ذلك ويتوجه بطلا بل يعطيه مزيدا من المال لأنه مارس تخريب قواعد القانون.
إن الأمر بدا كما لو أن هناك إعلاميين حصلوا علي قارب وأطواق نجاة في بحيرة هادئة.. فألقوا بالأطواق في المياه.. وثقبوا المركب.. وقفزوا لكي يستعرضوا القدرة علي السباحة.. والمصيبة أن هناك قوارب أخري لها خصائص مختلفة فضل أصحابها أن يرسوا علي البر خشية أن يدخلوا إلي «الغاطس»!
---
لقد قلت في الأسبوع الماضي أننا لسنا بصدد حملة لتكميم الأفواه. لكننا بالتأكيد بصدد إعادة تقييم أوضاع من قبل المجتمع وقواه ومؤسساته لمحصلة خمس سنوات من العبث واللهو والتجاوزات.. تكاسلت مؤسسات نقابية.. وتراخت كيانات منوط بها أن تفرض القواعد.. وتعدي إعلاميون أفراد علي الأصول.. وبالتالي نشأت في المجتمع قوي راغبة في أن تذكر الجميع بأن المصالح الجماعية أهم من مكسب فرد يريد أن يرفع أجره الشهري ومستوي إعلانات برنامجه علي حساب استقرار البلد.. ولذا فإن المجلس الأعلي للقضاء تحرك.. ونقابة الصحفيين أعلنت عن صوتها.. والمجلس الأعلي للصحافة قرر أن يتخذ خطوات واضحة.. وجهاز تنظيم الاتصالات تدخل.. وسلطة الإعلام أوقفت محطات فضائية مثلت خطرا جسيما علي مصالح البلد ولم تزل لها بقية تفعل ذلك.
هذه ليست حملة قمع. هذه عملية إعادة ترتيب أوراق وضرورات فرض الأصول.. لا أحد يمكن أن يعترض علي الأصول. ولابد أن ندعمها ونساندها إذا كنا راغبين في حماية البلد من الفوضي.. إلا إذا كنا نريد للإعلام أن يكون عشوائيا ورغبنا في أن تكون الصحافة عششا وغرزا وقررنا أن يكون الفتوات هم المسيطرون علي الساحة.
وليس لذلك، وقد قلته من قبل وأكرره، علاقة بأي ترتيبات تتعلق بالانتخابات. ما هي علاقة تلجيم قنوات السلفية المتطرفة التي تدعو النساء ليل نهار إلي النقاب بصناديق التصويت؟! ما هي علاقة وأد منابر الفتنة الطائفية بعملية الاقتراع؟! ما هي علاقة تنظيم عمليات نشر الرسائل النصية علي الموبايلات العامرة بالشائعات والترويجات الزائفة بحرية المرشحين في أن يصلوا إلي الناخبين؟!
في الرسائل النصية كانت تروج عبر الموبايلات معلومات غير دقيقة عن أنفلونزا الخنازير.. وكانت تروج معلومات غير دقيقة عن أحداث لم تقع في المجتمع.. وفي بعض البرامج كان ولم يزل هناك من يظن أنه قادر علي أن يجلس هذا علي مقعده وينزع ذاك من موقعه.. لا تلك مقبولة ولا ذاك يمكن أن يوافق عليه أحد. دور الإعلام في المجتمع هو التنوير والاطلاع وعكس مجريات المجتمع وتقريب الرؤي وكشف الآراء وانتقاد السلبيات.. ليس من دوره علي الإطلاق أن يكون أداة تثوير ووسيلة تهييج أو منبرا لنشر الشائعات أو شاشة للتأثير علي أحكام القضاء أو إدانة قاضٍ أو تفجير فتنة طائفية.
لقد تخلي عدد من وسائل الإعلام عن ضروراته المجتمعية فخسر مساندة المجتمع.. وانقلبت صحف علي شرعية وجودها فانهارت وأهدرت نفسها.. وتحول صحفيون ومذيعون ومذيعات إلي سياسيين فدخلوا معترك السياسة ووجدوا أنفسهم وجها لوجه مع معادلات غير مهنية، ومن ثم كان عليهم أن يحتملوا نتائج ذلك.. خصوصا إذا كان الهدف شخصياً والغرض ذاتيا.. والأمر لا علاقة له سوي باستغلال الحرية من أجل تحقيق المصالح المالية.
إن علينا كإعلاميين وصحفيين أن نصون حريتنا بمزيد من الالتزام بالمهنية.. بأن نطبق القواعد التي نطلب إعمالها علي الجميع.. علي أنفسنا قبل غيرنا.. أن نحمي شرعيتنا القانونية بمزيد من المهنية.. أن ندرك حدود أدوارنا في المجتمع.. فالذين نتعدي علي دورهم لن يقبلوا ذلك.. وحين نكون علي المجتمع وليس من أجله فإنه لن يوافق.. حتي لو صمت بعض الوقت.. وحين يكون بعضنا من رسل الفتنة فإن المواطنين لن يرضوا باستقبال الرسالة.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
أو موقع روزاليوسف:
www.rosaonline.net
أو على المدونة على العنوان التالى:
http//alsiasy.blospot.com
أو على صفحة الكاتب فى موقع الفيس بوك أو للمتابعة على موقع تويتر:
twitter.com/abkamal
البريد الإلكترونى
Email:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.