يبدو أن لحظات التوافق والتحالف بين الإخوان والسلفيين والتى بدأت فى استفتاء مارس 2011 ومرورا بالانتخابات البرلمانية قد انتهت، وذلك بعد تصاعد الخلافات بينهم فى الآونة الأخيرة.. فلأول مرة يخرج النواب السلفيون عن النص، حيث أعلنوا رفضهم قرار الكتاتنى بتعليق الجلسات البرلمانية لإجبار العسكرى على تغيير الحكومة، ولم يتوقف الأمر عند الرفض فقط بل اعتصم مجموعة منهم بجانب بعض النواب الليبراليين اعتراضا على القرار.. وفى موقف آخر أدهش الجميع أعلنت الجماعة السلفية تأييدها لأبوالفتوح ورفض تأييد مرشح الإخوان محمد مرسى مما زاد الأمر تعقيداً بين الفصيلين.. حول هذا الخلاف ومستقبله وتداعياته رصدنا آراء بعض المفكرين والخبراء السياسيين. الكاتب والمفكر الكبير صلاح عيسى يرى أن ما يحدث الآن بين السلفيين والإخوان من خلافات سياسية مجرد صراع على المناصب.. فالسلفيون كما ذكر بدأوا يدركون أنهم الشريك الأصغر للإخوان وهذا ما رفضوه تماما لأنهم مدركون جيدا الآن لاحتياج الإخوان الشديد لهم، وأكمل عيسى تحليله للأمر قائلا: الإخوان بدون النور الذى يمثل السلفيين يتحول من أغلبية إلى أكثرية.. والنور بدأ يعرف أهميته جيدا فى تحالفه مع الإخوان ورفض أن يلعب دور الشريك الأصغر والتابع.. فالنور أمامه فرصة للتحالف مع القوى الأخرى داخل البرلمان فيشكل أغلبية تقف أمام أكثرية الإخوان. وحول طبيعة الخلاف بينهم فيما يخص تأييد السلفيين لأبوالفتوح يقول عيسى: الخلاف واضح.. وتأييد السلفيين لأبوالفتوح عملية بالغة الحساسية بالنسبة للإخوان وهو نوع من شد الأذن بشكل قاس للإخوان وذلك لأن الإخوان أصروا على معاملة السلفيين كشريك صغير ملحق بهم وليس كشريك له حقوق عليهم.. والنور يريد أن يلعب دورا أكبر فى الحياة السياسية والبرلمانية ويعتبر الإخوان منافسه الحقيقى.. لأنهم يلعبون فى نفس الملعب وعلى نفس الجماهير وبنفس الأدوات.
فالإخوان لديهم مشكلة فى تحالفهم.. فهم يقودون ولا يقادون - على حد قوله - ويتعاملون مع ما يعطونه من مكاسب أو مقاعد للمتحالفين معهم بمنطق الزكاة من فضل الإخوان.. وهذا ما حدث مع الأحزاب التى تحالفت معهم فى التحالف الديمقراطى قبل الانتخابات وتعاملوا بهذا المنطق مع الجميع فرفض الوفد هذا الوضع.. وهذه الطريقة لا يمكن التعامل بها مع حزب النور، وعندما شعروا أنهم فى موقع التابع لقائد يأخذون منه أوامره بدأ الخلاف والخصام، وأعتقد - يكمل عيسى - أن عزوف الإخوان عن دعم أبوإسماعيل كان بداية الخلاف.
وأخيرا علق عيسى على الأمر قائلا: «الإخوان قفزوا مرة واحدة من المشاركة للمغالبة، وهذا سبب لهم مشاكل مع السلفيين والمجلس العسكرى كما كان سببا فى زيادة مخاوف القوى المدنية منهم.. ومن الناحية السياسية كان أفضل للإخوان أن يتحالفوا مع القوى الليبرالية لتنقح أفكارهم وتطورهم لكن تحالفهم مع السلفيين دفعهم للخلف وكنت أتوقع من البداية أن التحالف لن يستمر طويلا وأن يتحول لتناقض فى أقرب فرصة».
أما دكتور « عمرو هاشم ربيع » الخبير بوحدة النظم السياسية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فقال : الخلاف بين الإخوان والسلفيين ليس جديدا لأنهما لم يكونوا على وفاق منذ البداية، ولكن الخلاف زاد بعد اتجاه الإخوان للسيطرة على اللجنة التأسيسية للدستور وتجاهل السلفيين فيها، ومع أول صدام للإخوان مع المجلس العسكرى قرر السلفيون التخلى عن الإخوان، مشيرا إلى أن السلفيين لا يريدون أى صدام مع المجلس العسكرى ولذلك لم يدافعوا عن مرشحهم للرئاسة حازم صلاح أبو إسماعيل الذى خرج من السباق الرئاسى مبكرا، فقرروا دعم دكتور عبدالمنعم أبو الفتوح الذى انشق عن جماعة الإخوان ليؤكدوا أنهم لا يسيرون وراء الإخوان ولا يتبعونهم ولذلك كان قرارهم بدعم المرشح الرئاسى مخالفا لرأى الإخوان المسلمين. وأضاف أن السلفيين رفضوا التبعية للإخوان خاصة أن الإخوان هم من يعتمدون على السلفيين، وليس العكس كما يعتقد البعض، ولذلك رفض السلفيون الموافقة على قرار الإخوان فى مجلس الشعب بسحب الثقة من حكومة الجنزورى، وبالتالى رفضوا تعليق جلسات مجلس الشعب، وبدأ السلفيون يعبرون عن رفضهم لسياسة الإخوان داخل البرلمان والاستئثار بالقرارات بجمع التوقيعات من النواب الرافضين لرفع جلسات مجلس الشعب.
الكاتب الصحفى سعد هجرس رئيس تحرير مجلة العالم اليوم قال إن أسباب الخلاف بين جماعة الإخوان والسلفيين متعددة أهمها الأسباب التنظيمية والفكرية والسياسية وكلها اسباب متعلقة بالتحالفات، خاصة أن الجماعة السلفية ليست كتلة صماء ولكن فى داخلها أجنحة مختلفة منها الجناح المغلق والمتطرف والمتشدد والجناح المعتدل، ولكن الاختلاف بين الإخوان المسلمين والجماعة السلفية يرجع لاختلاف الرؤى. وأضاف إن دعم السلفيين لعبدالمنعم أبوالفتوح يرجع إلى اتجاه أبو الفتوح إلى الجانب الأكثر عصرية فى جماعة الإخوان، وهو ما جعله يكتسب أصوات الشباب فى الجماعة، لأن هذا الجانب يتسم بالمرونة فى كل الاتجاهات، ولكن لابد ألا نعتقد أن أبوالفتوح خارج جماعة الإخوان المسلمين لأن خلافه مع الجماعة ما هو إلا خلاف تنظيمى فقط وليس خلافا فكريا، مشيرا إلى أن السلفيين لم يدعموا دكتور محمد مرسى لأنه ينتمى إلى الجانب القطبى فى الجماعة نسبة إلى سيد قطب وهو الجانب الأكثر تشددا.
ولفت إلى أن قرار الأغلبية البرلمانية بتعليق جلسات مجلس الشعب يرجع إلى أن الجماعة السلفية تربت فى حضن النظام الحاكم ولم يكن لديهم تاريخ فى الصراع مع أى حاكم، وكان عدم الخروج على الحاكم هو منهجهم فى التعامل معه، ولكن تاريخ الإخوان المسلمين صدامى مع الحكام، وذلك لأن حسبة الإخوان أكثر تعقيدا من حسابات السلفيين، خاصة أن الإخوان يشعرون أنهم قريبون جدا من السلطة وامتلاك زمام الأمور، وبالتالى فالحسابات بين الجانبين السلفى والإخوانى أصبحت مختلفة وهذه الأمور تفجرت من هجوم الإخوان على المجلس العسكرى والمطالبة باستقالة الحكومة، وهو ما رفضه السلفيون لأنهم لم يعتادوا الصدام مع الحكومة والحكام الذين يتولون زمام الأمور، متوقعا عودة المياه إلى مجاريها إذا لم يتمسك الإخوان بالهجوم على الحكومة والحكام لأن الخلاف بينهم فقط فى الرؤى وتدارك الأمور.
نبيل عبدالفتاح الباحث بمركز دراسات الأهرام الاستراتيجى يعتقد أن الخلاف سببه أن كلا الطرفين يريد أن يكون له الدور الأكبر فى تحديد التركيبة السياسية المصرية التى سيتم صياغتها لمستقبل العلاقات مع المجلس العسكرى ومؤسسات الدولة:
ويضيف: الإخوان يفرضون هيمنتهم ويحاولون احتكار جميع السلطات والمؤسسات بالإضافة للإعلام والأزهر ورغبتهم فى الوصول إلى تحديد طبيعة لجنة تأسيس الدستور ومحاولة تشكيل الحكومة التى ستدير المعركة الانتخابية الرئاسية.. كل هذه الأشياء كانت سببا للخلاف، وأيضا موقف الإخوان من حكومة الجنزورى التى أيدوها فى البداية مع خارطة الطريق التى وضعوها مع المجلس العسكرى خلافا للقوى الثورية ثم رفضهم لها الآن.
الطرفان توافقا فى البداية على منهج التعديل الجزئى فى دستور 71 والانتخابات البرلمانية.. وبعد أن تم الكشف عن النوايا ومحاولة سيطرة الإخوان على السلطات المختلفة دون مشاركة للنور بدأ الخلاف بينهم، ونحن أمام أزمة «لى أذرع» بين كلا الطرفين الرئيسيين فى البرلمان الذى يعتمد على شريعة الانتخاب.
وتأييد السلفيين لأبوالفتوح جاء كمحاولة منهم لوضع الجماعة فى حدودها وتوصيل رسالة للإخوان مفادها أنكم لاتستطيعون السيطرة على جميع المقاليد فى البلاد وألا تفرض جماعة الإخوان المرشح الذى تريده فى ضوء قرارات منفردة من قبل الجماعة تطرح رأيا ثم تغيره.
وحول مستقبل الخلاف يقول عبدالفتاح: «سيستمر الخلاف وسيتفاقم بسبب الشرخ.. الموجود داخل الجماعة، فهناك مجموعة تسيطر على مكتب الإرشاد تفرض نفسها ماليا وتنظيميا وتتحكم فى قرارات الجماعة مثل خيرت الشاطر الذى يتسم سلوكه بالاستحواذ على السلطة واستبعاد من يخالفه الرأى».
من جانبها أكدت فريدة النقاش رئيس تحرير جريدة الأهالى أن السلفيين اكتشفوا اتجاه الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة للهيمنة والاستحواذ على كل شىء وهو ما أزعج الكثيرين من الأحزاب والقوى السياسية وعلى رأسهم السلفيون الذين كانوا دائما مع الإخوان فى قراراتهم، مشيرة إلى أن محاولة الإخوان الاستحواذ على كل المواقع والمناصب القيادية من نقابات واتحادات وأخيرا اختيار دكتور سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب ليكون رئيس الجمعية التأسيسية للدستور فى تشكيلها الأول، وهو ما أكد للسلفيين أن الإخوان يريدون جميع المفاتيح فى أيديهم ولايريدون التحالف مع أحد وهو ما يعرف عن الإخوان منذ زمن لأن التجارب أثبتت أنهم إذا دخلوا فى تحالف يسعون للاستحواذ عليه ويصبح الباقون تابعين لهم، وإذا لم ينجحوا فى ذلك يخرجون من هذا التحالف وهذا ما حدث بالفعل فى التحالف الديمقراطى الذى تأسس فى شهر يونيو من العام الماضى ثم انسحب حزب الحرية والعدالة منه رغم أنه كان من الأحزاب الداعية لتأسيسه.
وأضافت: دعم السلفيين للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح المرشح الرئاسى يرجع إلى بحث السلفيين عن مرشح إسلامى بعد استبعاد مرشحهم حازم أبوإسماعيل من السباق الرئاسى، وخروج أبوالفتوح من جماعة الإخوان المسلمين رفع أسهمه لديهم لأنهم لا يمكن أن يدعموا دكتور محمد مرسى مرشح الإخوان المباشر، فهم يبحثون عن مرشح غير إخوانى ولو من حيث الشكل.
وأوضحت أن قرار دكتور الكتاتنى والأغلبية الإخوانية فى البرلمان بمنع جلسات مجلس الشعب يمثل شكلاً من أشكال التسلط والهيمنة من خلال الأغلبية فى اتخاذ القرار وكأنهم يقولون طظ للآخرين مثلما قال مهدى عاكف المرشد العام للإخوان سابقا عندما قال طظ فى مصر، وهذه الجملة تعبر عن منطق الإخوان الذى يسيرون عليه وهو ما ينعكس على سلوكهم وتعاملهم مع الأمور.
إسلام لطفى رئيس حزب التيار المصرى قال: السلفيون أصبحوا أكثر وعيا من الإخوان فى المتغيرات السياسية، لكن الأغلبية فى الشارع مع الجماعة والسبب الرئيسى فى انتهاء شهر العسل هو بحث السلفيين عن دور متميز فى الحياة السياسية.
وأضاف: السلفيون عكس الإخوان، فميزتهم أنهم يرتكبون أخطاء كثيرة لقلة ممارستهم السياسة لكن يعتذرون عنها وهو ما نشاهده من خروج مستمر لنادر بكار المتحدث باسم حزب النور السلفى للاعتذار عن المواقف الخطأ، لكن الإخوان عندما خونوا الشعب وطالبهم بالاعتذار رفضوا ولعبوا منفردين وهى نقطة خلاف بينهم. وحول التفاف السلفيين حول المرشح الرئاسى عبدالمنعم أبوالفتوح ورفضهم للدكتور محمد مرسى مرشح الإخوان قال: الإخوان تعاملوا فى الانتخابات بمبدأ «العنجهية»، فالسلفيون رحبوا بالمهندس خيرت الشاطر لمميزاته، لكن بعد خروجه من السباق رشحت الجماعة من هو أكثر ولاء لها خاصة أن مرسى وجه ليس مقبولاً من السلفيين ومن الشارع المصرى ولو كان هناك مرشح آخر من الجماعة قد يختلف الأمر.
عبدالله السناوى، الكاتب الصحفى أشار إلى أن شهر العسل بينهم انتهى لكن الحياة الزوجية مستمرة، مدللا على ذلك بأن تأييد السلفيين للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح جاء مشروطاً بتطبيق الشريعة الإسلامية وأن يتعهد أبوالفتوح فى حالة وصوله لكرسى الرئاسة بتكليف حزب الأغلبية الحرية والعدالة بتشكيل الحكومة.
وأوضح السناوى أن هناك مشاعر سلبية تولدت لدى السلفيين بسبب تعامل الإخوان معهم باستعلاء وأنهم الأكثر خبرة وتنظيماً، مما دفع السلفيين لاتخاذ مواقف فردية، لكن فى المقابل هم حريصون على إبقاء قنوات الاتصال مع الإخوان، فهى ليست قطيعة تامة.
محمد عباس ممثل شباب الإخوان المسلمين فى ائتلاف الثورة أكد أن هناك اختلافاً فكرياً بين الإخوان والسلفيين، لكن الإخوان كانوا يراهنون على التكتل الإسلامى لكنهم أخطأوا فى اتخاذ الخطوات، فبعد عام من سعى المهندس خيرت الشاطر فى هذا المشروع لم يحققوا شيئاً.
وأوضح أن الشرخ الكبير فى العلاقة بينهما حدث عندما اكتشفت التيارات الإسلامية أن الإخوان يتعاملون لمصالحهم وليس لصالح التكتل الإسلامى، موضحاً أن هناك الكثير من القوانين والاقتراحات تقدم بها السلفيون لم يتطرق لها الإخوان بالمناقشة مثل اللجنة التأسيسية.