الشوارع يوم الجمعة مساء تتحول، وتتبدل الأوضاع، المرور يزدحم، تستشعر وكأن الطرق تدب فيها الحياة أكثر، المتاجر والمطاعم والمقاهى، يصبح لها طعم آخر. «الويك إند».. عطلة نهاية الأسبوع التى ينتظرها المواطن الأمريكى العامل بمنتهى الصبر، وكما يقولون.. «لن نسمح لأجفاننا أن تغمض أو ترتخى قبل منتصف الليل». هكذا يشعر المواطن بعد قضاء خمسة أيام فى عمله، يتفرغ له تماماً، يقضى يومه منذ الصباح وحتى مغيب الشمس فى العمل، يشعر أن من حقه أن يقضى أجازته بمنتهى الانطلاق. هناك أماكن ومزارات تؤكد لك أن عطلة نهاية الأسبوع لا يقضيها فرد فى بيته.. من هذه الأماكن «ديزنى لاند». كان قد سبق لى زيارة ديزنى لاند بفرنسا منذ عدة أعوام، وهذه هى المرة الأولى لزيارتها فى بلدها الأم ومنشأها الحقيقى. The Walt Disney Company هى كبرى الشركات الأمريكية وأشهرها عالميا فى مجال التسلية وإنتاج الرسوم المتحركة وقد أسسها فى 16/10/1923 والت ديزنى Walt Disney عاش فى الفترة مابين عام (1901م - 1966م)، مما يعنى أنه أسسها وعمره لا يتجاوز الثانية والعشرين من عمره وقد مات قبل أن يبلغ عامه الخامس والستين. ولهذا سميت على اسمه.. ويقع مقر الشركة الرئيسى فى مدينة بربانك فى ولاية كاليفورنيا وانتشرت مدن ملاهى والت ديزنى فى ثلاث قارات: اثنتان منها فى أمريكا الشمالية (بالولايات المتحدةالأمريكية) الأولى : فى ولاية كاليفورنيا وتم افتتاحها عام 1955 والثانية فى ولاية فلوريدا وتم تأسيسها عام1971 ثم توالى إنشاء هذه الملاهى فى بعض دول العالم مثل، فرنسا والصين واليابان. زيارة هذه الملاهى ليست متعة عادية لركوب الألعاب الرائعة أو متعة للأطفال لمشاهدة شخصيات عالم ديزنى ولكن المتعة الحقيقية - فى رأيى - هى مشاهدة وتأمل الناس من جميع الأجناس والبلاد، حالة من الإصرار على الاستمتاع قدر الإمكان، وربما يكون الحظ قد خدمنى فى التوقيت، حيث إننى كنت هناك فى فترة الاحتفالات بالهالوين، وهذا الاحتفال الرسمى الذى ينتظره الأمريكيون فى آخر أيام شهر أكتوبر، يتم الإعداد له قبل شهور من بدايته، حيث تجد البيوت قد وضعت «الشعار الرسمى» للهالوين وهو القرع العسلى على مداخل البيوت وبعض المحال، كذلك «يتفنن» كل شخص فى تزيين بيته سواء بالعرائس المخيفة، أو «بالهيكل العظمى» أو بأى رمز لطرد الأرواح الشريرة، ولهذا كانت ديزنى لاند تعقد احتفالاً يومياً على مدار شهر أكتوبر بمناسبة الهالوين، وتخصيص برنامج يومى للألعاب النارية المذهلة، وفجأة تحول هذا المكان الممتع واكتسب متعة إضافية لمراقبة الناس والزوار الذين ألبسوا أطفالهم وهم شخصياً قاموا بارتداء الأزياء التنكرية، حيث تحولت ديزنى لاند وكأنها حفل تنكرى يضم عشرات الألوف من البشر من مختلف الدول، يعيشون حالة التقمص بكل معانيها، وهو الأمر الذى يستحق الرصد بالفعل، كيف أن هؤلاء البشر استطاعوا أن يفلتوا من همومهم ومن تفاصيل حياتهم وتورطهم مثل سائر «البنى آدمين» ويصبحون أكثر انطلاقاً، يعرفون جيداً كيف يعيشون اللحظ ة بمنتهى الاتقان والبراعة وهى مهارة لا تقل عن مهارتهم وسلوكياتهم فى إتقات العمل، شىء يستحق الاحترام والتعلم هو إتقان المتعة وإجادة الاستمتاع بالحق فى الحياة. أكثر ما أعجبنى أنهم يعرفون كيف يسوقون البهجة فى بيزنس وهم يجيدون صناعتها ويجيدون تسويقها، بالفعل يحصل الناس عليها بمنتهى السهولة ويدفعون لأجلها بمنتهى طيب الخاطر، وأعتقد أن هناك فروقا فى إجادة تسويقنا للمتعة فى بلادنا وتسويقها بشكل أكثر احترافية هناك، والفرق أنك تشعر أن من يقدم لك الخدمة أو بمعنى أدق يبيعها لك، إنما هو يشاركك المتعة وسعيد بأنه فى وظيفته تلك لخدمتك، لا أعرف ماذا أسميه: هل هو ذكاء فطرى فى التعامل بحيث يشعرك أنك زبونه المميز الوحيد والأوحد، والأغرب أنه فى أغلب الحالات تشعر أنها معاملة حقيقية من القلب وليست «لزوم التسويق»، فالعامل البسيط الذى يبيع لك لعبة من ألعاب ديزنى، ويتمنى لك يوما سعيداً، تشعر أنه يعنيها بالفعل، ولا يحاول استمالة مشاعرك للحصول على «بقشيش» لأن البقشيش ليس ثقافة سائدة على الإطلاق وهناك من يتعجب إذا أعطيته مالاً مقابل خدمته التى يتقاضى هو بالفعل عليها أجراً. المذهل والذى كاد يبكينى هو حالة النظافة الإجبارية التى يفرضها كل فرد تقريباً على نفسه، مكان يستوعب عشرات الألوف من «خلق الله»، يأكلون ويشربون ويتناولون كل ما هو كاف لتحويل المكان إلى مقلب زبالة دولى، ولكن مع ذلك فإن المكان بكل اتساعه لا تلحظ فيه اتساخاً أو مهملات، حتى بعض العرض اليومى الذى تسير فيه كل شخصيات «ديزنى» وينتظره الألوف من الزوار على جانبى الطريق وينبهرون به، وبعد إحداث الفرقعات الورقية التى تغطى المكان بالورق الملون الصغير وبعد انتهاء حالة البهجة بدقائق تجد كتيبة من عمال النظافة الذين سادوا المكان وقاموا بتنظيفه وتحويل الأرض إلى مرآة لامعة من جديد. وفى كل مرة أتساءل: هل يوجد أكثر من دورات المياه لفضح مستوى النظافة، فعلى الرغم من كل هذه الألوف إلا أن «دورة المياه نظيفة وآدمية ولا يوجد فيها من يقايضك للحصول على ورقة مناديل إضافية». وكالعادة، أسأل وأتساءل ما الذى ينقصنا لكى نصل إلى هذه الحالة من الجودة والإتقان حتى وإن كانت جودة المتعة والتسلية، ولكن كيف ونحن مازلنا غير قادرين على إجادتنا للحد الأدنى من بديهيات الحياة، أن نتقن عملنا، نتقن تعليمنا، نتقن التعامل اليومى الإنسانى الذى يستحقه المواطن. ورجوعاً إلى عالم ديزنى لاند حيث الشخصيات المبهرة، ميكى وبطوط وسندريلا وسنووايت والأقزام السبعة والجميلة والوحش ومئات الشخصيات التى يجسدها شباب رائعون فى عرضهم الفنى المبهر بالأزياء الساحرة والماكياج الرائع، تلك الحالة من التوحد التى تشعر فيها أنك أصبحت جزءا من هذا العالم، والحقيقة أن جزءا من هذا التوحد لن يحدث لك إلا إذا قررت التخلى عن عمرك الحقيقى، إلا إذا خرجت قليلاً خارج نفسك وحاولت الاستمتاع مثل طفلك الذى لا يشعر بالخجل من أنه يقفز ويصفق ويهلل عندما يشاهد هذه الرسوم ويرقص معهم ويغنى معهم، أن تتحلى بفضول الأطفال ومدى تركيزهم فى اللعب والمتعة هى الحالة الوحيدة الحقيقية التى ستشعرك بروعة ما تعيشه حتى وإن كان ما تعيشه ليس مبهراً. بعد خروجى من هذا المكان المبهر تأكدت أن الروعة الحقيقية لا تكمن فى الإمكانات فحسب ولكن فيك أنت شخصيا.. فقط كل ما عليك إلا أن تقرر ما إذا كنت تريد المتعة بصدق أم لا.. إن كنت تريدها.. إذاً عليك بإتقانها ثم تترك نفسك بفضول طفل مرح للغوص فيها.. أليست المتعة حق لكل مواطن مصرى أيضاً.