ما من يوم مجيد في حياة الشعوب أكثر من يوم يستعاد فيه ذكري يوم شهد عزيمة رجال آمنوا بهذا الوطن وحقه في استرداد الكرامة.. صبروا وثابروا واجتهدوا وكانوا طوال الوقت علي استعداد لتقديم حياتهم نفسها ثمنا زهيدا لرد الاعتبار. ربما لا ينتبه هذا الجيل من الشباب وبعد 37 عاما علي انتصار أكتوبر المجيد إلي المعني الحقيقي وراء اختيار يوم 14 أكتوبر 1973 عيدا للقوات الجوية المصرية صاحبة الضربة الحاسمة تحت مظلة الانتصار العظيم في 6 أكتوبر 1973. وفي هذا اليوم المجيد خاضت النسور المصرية تحت قيادة اللواء طيار حسني مبارك معركة جوية فوق سماء مدينة المنصورة شاركت فيها أكثر من 150 طائرة واستمرت 52 دقيقة تجلت فيها مهارات وقدرات الطيارين المصريين ليسقطوا 18 طائرة إسرائيلية. وقد تبدو معركة 14 أكتوبر الجوية لهذا الجيل من الشباب أداء طبيعيا للطيارين المصريين في أن يسيطروا علي سماء معركة بالمناورة والاشتباك والإسقاط لطائرات معادية وإجبار بقيتها علي الفرار بعد أن فشلت خطة الاعتداء.. بالنظر إلي القدرة والكفاءة القتالية والتسليحية التي يتمتع بها الجيش المصري اليوم.. الجيش العصري القادر علي حماية وسلامة حدود وطنه.. درعا منيعا وسيفا قويا. ولكن معركة هذا اليوم المجيد فوق سماء المنصورة لم تكن أبدا مجرد معركة جوية خاضها الطيارون المصريون وإنما لها أبعاد أخري ملهمة لكل شاب باحث عن قدوة.. متطلع إلي مثل أعلي يحتذيه حبا وإصرارا وإخلاصا وإيمانا بهذا الشعب وهذا الوطن العزيز الذي يستحق. ملهما الشباب بأن استحقاق الجدارة وتحقق الكفاءة وإتيان النجاح.. إنما هو نتاج طبيعي للاجتهاد والعمل والتدريب وتنمية المهارات مهما كانت مشقة سنوات العمل ومهما كانت الصعوبات ومهما بلغت التحديات. ففي سياق هزيمة يونيو 67 وصباح يوم 5 يونيو هاجمت الطائرات الإسرائيلية سلاح الجو المصري وألحقت به الخسائر الجسيمة بعد أن تمكنت من تدمير المطارات والطائرات المصرية الرابضة علي الأرض. لتنطلق الآلة الإعلامية الإسرائيلية المهولة لتعظم من قوة سلاحها الجوي الجبار.. وتصنفه ضمن أقوي أسلحة الجو التي تمتلكها جيوش الدول العظمي بما يملكه من طائرات وهي نوعيا وكميا الأحدث والأقوي وطيارين لا يمكن مضاهاة مهارتهم ولا توازي كفاءتهم القتالية. وتستبد خيلاء الغرور بجنرالات الحرب الإسرائيليين ليعلنوا أن سلاحهم الجوي لا يقهر، ويصفونه باليد الطولي التي تستطيع أن تصل إلي ما تريد ومن تريد.. لا يقف في وجهه سد.. ولا يعيقه عائق في سبيل تنفيذ مهامه.. جوا أو بحرا أو برا.. وإنه مغامر من يحاول الصد.. ويائس من يفكر في الرد. وتسري هذه القناعة في العالم أجمع ويقبلها الجميع كواقع حقيقي وأمر مسَلم به.. ولكن هذا الواقع المفترض يصطدم بإرادة الطيار المقاتل حسني مبارك وثقته في أبنائه من نسور الجو حين تولي قيادة الكلية الجوية وعمل علي إعداد وتدريب وتخريج الطيارين علي مستوي عالٍ من الكفاءة.. ثم رئيسا للأركان.. فقائدا للقوات الجوية. ويأتي يوم 14 أكتوبر 1973 وبعد ثمانية أيام من الضربة الجوية المصرية الحاسمة.. لتتجسد سنوات التدريب والإعداد الشاق للطيارين المصريين وتصعد المقاتلات المصرية إلي سماء المنصورة لتخوض معركة تستمر ل 52 دقيقة في أطول المعارك الجوية في التاريخ العسكري.. وجها لوجه.. وطائرة لطائرة بغض النظر عن التباين في النوع والإمكانيات.. ونارا بنار.. ومهارات طيار أمام مهارات طيار. وتتجلي قدرة النسور المصرية وتتضح بصمات ما اكتسبوه من ثقة في النفس وفي مهاراتهم وإصرارهم الحديدي علي إثبات كفاءتهم القتالية.. فتسقط 18 مقاتلة إسرائيلية وتفر البقية قبل أن تتحطم وتسقط بنيران الطيار المصري. لقد تبدد خيلاء غرور جنرالات الحرب الإسرائيليين بعد أن تم قطع اليد الطويلة لسلاح الجو الإسرئيلي في سماء المنصورة وانتهت أسطورته إلي الأبد.. وأصبح يوم 14 أكتوبر.. عيدا للنسور. محمد عبد النور