قبل كل عيد «تنقح» على ذكريات الطفولة، وأستعيد أيام الكحك والبسكويت والغريبة، وأشياء أخرى، أتذكر بيتنا فى البلد، وجدتى وأمى وعشرات النسوة، من الأقارب والجيران يأتين للمساعدة.. فى مولد كحك العيد. كنا نخبز عشرات الصاجات فى الفرن البلدى الكبير الموجود فى بيتنا، وتستمر لمة الكعك ثلاثة أيام على الأقل.. ثم تطورنا بعد ذلك وأصبحنا نضع الصاجات على سيارة نصف نقل ونذهب بها إلى الفرن لنخبزها هناك بدلا من الفرن البلدى، والقش والحطب، والولعة، والحرائق التى كانت تندلع فى بعض البيوت. وحين ينتهى مولد صناعة الكحك نبدأ عملية تفريقه على الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء، زمان كنا نشترى صفائح السمن الكبيرة، فى عبوة تسع عشرين كيلو، وتظل جدتى طوال العام تحتفظ بالصفائح الفارغة لزوم توزيع الكحك والغريبة والبسكويت. منذ سنوات وحينما تزوجت وأصبح لى أسرتى الصغيرة، لم نعد نخبز الكحك، فقط نشتريه، ليس لأن الدنيا أصبحت نار، وإعداد كميات كبيرة من كحك العيد يحتاج إلى ثروة لم أعد أتحملها، وإنما لأننا نعيش أيضا فى شقق صغيرة، ليست بمساحة البيت الكبير، ولا يوجد بها فرن بلدى مثل زمان. سألت زوجتى ذات مرة لماذا لا تصنعين الكحك فى البيت كما كانت تفعل أمى وأمك؟.. فردت دون أن تنظر إلى «والنبى خليك على جنب».. كحك إيه اللى هعمله فى البيت.. مش كفاية شغل البيت وأزمة الشغالات عايزنى كمان أعمل كحك! هكذا انتهى حوار الكحك قبل سنوات ولم أجرؤ على إعادته، أو الاقتراب منه، عيبه إيه الكحك الجاهز، ثم إن الأولاد لم يعيشوا أيام كان الكحك يصنع فى البيوت، ولم تعد السيدات يتباهين بالكحك صنعة إيديا وحياة عينيا، ولم يعد الحديث عن الصنعة والنفس، والسر وأشياء أخرى متداولا فى البيوت وبين النساء. هذا العام طلبت منى زوجتى زيادة الكمية التى نشتريها، لم أسألها عن السبب، ذهبت إلى نفس الحلوانى الذى أشترى منه كل عام، وطلبت كمية مضاعفة.. بعد يومين عدت للبيت فوجدت جارتنا عندنا وهى تتغزل فى الكحك الذى أهدته إليها زوجتى. بعد أن انصرفت جارتنا سألت زوجتى: هى الزيادة كانت لجارتنا؟ ردت: طبعا.. هى منذ عامين ترسل لنا بعض ما تصنعه من الكحك.. لذلك أرسلت لها هذا العام بعض ما اشتريته على أنه صناعة منزلية. طلبت طبق كحك وكوب شاى ساخنًا وجلست على السرير أتابع مسلسلات رمضان.. بعد قليل دخلت على زوجتى وسألتنى: إيه رأيك فى الكحك؟ قلت دون تفكير: تسلم إيديكِ!