إلي كل مصري يعيش علي أرضها أو خارجها يؤسفني أن أرسل أول رسالة لكم.. ليست إعجابا بتاريخكم ولا بحضارتكم القديمة التي تفوق أي حضارة في العالم عبر العصور.. ورسالتي ليست إعجابا بآثاركم وكنوزكم الأثرية منذ العصر الفرعوني مرورا باليوناني الروماني والقبطي والإسلامي وحتي الحديث والتي تبهر ملايين البشر في العالم كله.. لكن رسالتي رسالة عتاب لكم جميعا ولم أستثن منكم أحدا مهما كانت أهميته أو قيمته. أعزائي المصريين.. كم كنت سعيدا عندما اشتري رجل مصري محب للفن ومحب لبلده إحدي لوحاتي وهي «زهرة الخشخاش» وأخذها معه لمصر بلد خوفو ورمسيس وإخناتون.. مصر بلد سيد درويش وأم كلثوم ونجيب محفوظ وزويل.. مصر بلد الطيبين والمبدعين.. كم كنت سعيدا أنها سافرت إلي أم الدنيا لتنضم لكنوزها بجانب كنوز توت عنخ آمون وحتشبسوت وأحمس والمعز وصلاح الدين وقلاوون والغوري ومحمد علي والخديوي إسماعيل.. وحمدت ربي وشكرته عندما علمت أن محمد محمود خليل باشا كان رئيس مجلس الشيوخ ووزير الزراعة المصري وأيضا رجلاً محباً للفن والفنانين هو وصديقه يوسف كمال باشا اللذان أطلقا الحركة الفنية في مصر وأنشأ أول مدرسة للفنون الجميلة في عام 1908. وعندما شيد محمود خليل قصره عام 1902 وملأ حجراته بلوحات زملائي وأصدقائي مثل ماتيه وديجا وجوجان وتولوز لوتريك ورنوار الذين قادوا الحركة الفنية في أوروبا وبالذات في فرنسا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر.. خاصة المدرسة التأثيرية.. وكم عانينا من اضطهاد من أصحاب المدرسة الكلاسيكية حتي مات بعضنا من الجوع والفقر، وقاومنا حتي فرضنا مدرستنا وأسلوبنا الجديد في الفن.. ولكن للأسف الناس عرفت قيمة أعمالنا الفنية بعد سنوات طويلة.. وأصبحت لوحاتنا تباع بالملايين، وعلي فكرة.. لوحتي زهرة الخشخاش ليست الأهم ولا الأغلي من اللوحات التي لديكم في مصر فلوحة صديقي جوجان «الحياة والموت» والموجودة في الحجرة المجاورة لحجرة لوحتي المسروقة تقدر بحوالي 80 مليون دولار في حين أنزهرة الخشخاش يقدر ثمنها بحوالي 55 مليون دولار، وللعلم لديكم لوحات كثيرة غيرهما غالية الثمن لفنانين عالميين وفنانين مصريين مثل محمود سعيد ومختار وصبري راغب وسيف وانلي وغيرهم. أعزائي المصريين.. أنا حزين ولكن ليس لسرقة اللوحة ولكن لقلة عدد المصريين الذين شاهدوا لوحاتي أو لوحات زملائي من الفنانين منذ تواجدهم بالقاهرة.. في حين أجد جمهوراً كبيراً في أوروبا وأمريكا يقفون في طوابير طويلة قد تستغرق ساعات من أجل مشاهدة أعمالنا الفنية.. لماذا يحدث منكم هذا؟؟ رغم أنكم بلد الحضارة والفن!! وأجدادكم هم أول من ابتدعوا النحت والرسم والحفر..!! وهم الذين عرفوا العالم بأصول الفنون الجميلة.. والكل بدأ من حيث انتهي المصريون القدماء.. لماذا أصبحت الرحلة المدرسية عندكم للمولات وتركتم متاحفكم بلا زوار رغم أعدادها الكثيرة والمتنوعة؟ فلديكم في كل مدينة متحف أو أكثر من المتاحف الأثرية والقومية والفنية والعلمية.. غير متاحف رموزكم الوطنية والفنية وتتركون كل هذا وتذهبون بأبنائكم إلي المولات والملاهي.. أين التنسيق بين وزاراتكم «التعليم والثقافة والسياحة»؟؟ أعزائي المصريين.. كل يوم تطالعنا الصحف بافتتاح متحف تكلف ملايين الجنيهات أو عمليات تجديد لمتحف. وبعد سنوات قليلة نقرأ أن هذه المتاحف يعاد تجديدها وترميمها مرة أخري كما حدث لمتحف الفن الحديث بالأوبرا وحدث لمتحف محمود خليل الذي افتتح عام 1995، وثبت أنه منذ عشر سنوات يحتاج لعمليات إصلاح وصيانة وتطوير، وأن أجهزة الرقابة والإنذار والكاميرات معطلة.. وهذه الأجهزة لو أن أحدا محبا لبلده من المسئولين كان ذهب لشارع عبدالعزيز وهو شارع مشهور عندكم بالقاهرة كان اشتري الأجهزة ب 50 ألف جنيه!! بدلا من اللوحة التي سرقت ب 155 مليون دولار.. وغير هذا حسب ما ذكرت صحفكم أن المتحف به مقتنيات ب 8 مليارات دولار.. وكان مفترضا يوما ما أن تباع هذه اللوحات والمقتنيات لسداد ديون مصر!! ولكن باعوا بدلا منها شركات ومصانع ومحلات كبري.. ولا اتسددت ديونكم بل زادت!! أعزائي المصريين.. أنا لست حزينا علي سرقة اللوحة لأن ما هو أعز وأغلي اتسرق منكم علي مر الزمان.. وكثير من كنوزكم تملأ متاحف العالم ومازالت هذه الآثار والكنوز تسرق.. هل أحد منكم يستطيع أن يعرف أين ذهب الكثير من القطع الإسلامية «كتب - مقتنيات - تحف - ذخائر الكتب والوثائق المهمة»؟ إلي دول الخليج ليقيموا بها متاحف تنافس متاحفكم بل ويتباهوا بأنها الأفضل.. هل أحد يعرف مصير ال 35 أسورة ذهبية فرعونية التي سرقت من المتحف المصري؟ هل أحد يعرف ما نتائج التحقيقات في سرقة لوحات أسرة محمد علي من قصره بشبرا وغيرها من السرقات التي نقرأ ونسمع عنها يوميا؟!.. ورغم ذلك وقف البعض ضد قانون حماية الآثار وضد تنفيذ عقوبة مشددة علي سارقي الآثار.. حقا إنكم شعب عجيب غريب. أخيرا .. أعزائي المصريين.. أنا آسف جدا لاختفاء لوحتي من عندكم في زمن زاد فيه الإهمال واللامبالاة والتسيب.. زمن انشغل كل منكم بمشروعه الخاص جدا في البحث عن زيادة لدخله بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة.. زمن انتشرت فيه الأنانية والفهلوة والبلطجة والشللية والسلبية. أعزائي المصريين.. «آسف أنا اللي سرقت اللوحة».. ولن أعود بها إلا عندما أري أطفال المدارس وطلاب الجامعات يقفون أمام متاحفكم في طوابير انتظار لزيارتها.. وأري كل الشعب كبارا وصغارا وفقراء وأغنياء يملئون مناطقكم الأثرية وهم يشاهدون ويستمتعون بتاريخهم وحضارتهم وليتعرفوا علي الكثير من الآثار والكنوز التي تركها لهم أجدادهم.. حين ذلك أعود بلوحتي بكل حب وثقة لأن كل مصري سيعرف قيمة كل ما هو علي أرضه.. من كنوز وآثار وتاريخ وحضارة، وهو الذي يكون أول من يحافظ عليها، ويقف أمام كل من يريد سرقة تاريخه وأرضه وبلده.. وقتها لن يحتاج إلي كاميرات ولا أجهزة إنذار ولا شارع عبدالعزيز.. ولكم تحياتي». فينسنت فان جوخ