لم يدخل مزاج أهل مصر كاتب دراما مثلما فعل أسامة أنور عكاشة، الذى بدأ حياته كاتبا قصصيا ثم سرعان ما اتجه إلى التليفزيون لنكتشف أننا أمام موهبة فى الكتابة التليفزيونية لا تقل عن موهبة نجيب محفوظ فى القصة والرواية وقد شغل أسامة أنور عكاشة المصريين والعرب على السواء بأعماله، وخصوصا مسلسل «الشهد والدموع»، والذى أسفر فيه أسامة أنور عكاسة عن المصرى الأصيل للموهبة التى تسكنه وللمرة الأولى يتحول الكاتب والمؤلف إلى النجم الأول للعمل بدأ هذا الأمر واضحاً للجميع عندما تصدى أسامة أنور عكاشة لمسلسل «ليالى الحلمية».. وهو العمل الذى أثبت للأخوة العرب أن مصر ليست فقط أرضاً خصبة للمواهب النادرة، ولكنها أيضاً المكان الأنسب والأرحب للأفكار لكى تتصارع وفى هذا العمل الملحمى الذى شرح الحياة فى وجه مصر وغاص فى أعماق المجتمع المصرى كما لم يحدث من قبل واستعرض التغيرات الرهيبة التى طرأت على طبقاته والاهتزازات التى تعرضت لها والفئات التى طفت على سطحه كل ذلك تناوله أسامة أنور عكاشة على مدار خمسة أجزاء أثبتت أن البطل الحقيقى للعمل هو بالفعل الرجل صاحب الورق، وهو أساس أى عمل فنى ويأتى بعد ذلك دور المخرج الذى ارتفعت قامته إلى عنان السماء بعد الارتباط بأسامة فأصبح العم إسماعيل عبدالحافظ هو الألفة على أبناء الجيل بأكمله وترك بصماته واضحة جلية على أوراق أسامة واستطاع أن يرتفع بالقيمة الدرامية إلى أقصى مدى ممكن وبات بعد ذلك على الممثلين أن يترجموا ذلك الجهاد المكتمل إلى نجاح مدوى، وكان الفرسان الثلاثة للعمل يحيى الفخرانى وصلاح السعدنى وصفية العمرى هم نجوم العرب الكبار الذين اجتمعت حولهم الأمة خلال شهر رمضان من كل عام وارتفع الأداء التمثيلى إلى مستوى لم نعهده من قبل على طول تاريخ الدراما المصرية وعظمتها وبحاسته التى لا تخيب أدرك سمير خفاجى أن هذا النجاح الذى تحقق بشكل أسطورى يمكن استثماره مسرحياً ولذلك لجأ إلى أسامة أنور عكاشة ليكتب للمسرح الخاص «البحر بيضحك ليه» بنفس أبطال العمل الفخرانى والسعدنى وصفية العمرى وفى الإسكندرية تحقق لفرقة الفنانين المتحدين ربح ربما لم يتحقق من قبل إلا من خلال مسرحيات عادل إمام وسجل أسامة اسمه بأحرف من نور فى سجلات المسرح المصرى عندما قدم «الناس اللى فى الثالث» والذى اعتبره البعض ارتدادا عن نهجه الذى سبق أن التزم به وهو الخط الناصرى، ولكن أسهم أسامة لم تتأثر بهذه الاتهامات ولا بذلك التراجع من الفكر الناصرى ومضى كاتبا أوحد للدراما المصرية لا منافس له ولا نظير لموهبته ولذلك كان أجره هو الأعلى واسمه هو الأرفع كعلامة ضامنة للجودة والرقى والنجاح، وفى السينما استطاع أسامة أن يصنع نجاحا فنيا رفيع المستوى عندما قدم فيلم «الهجامة» الذى تعرض لتلك الطبقة التى طفت فجأة على سطح المجتمع المصرى بعد مرحلة الانفتاح لتثبت أن البيض الفاسد وحده هو الذى يطفو فوق الماء.. ولم يكن هذا الفكر بالتأكيد جاذبا لمنتجى السينما بل العكس هو الصحيح فقد ابتعدت المسافات بين أسامة ومنتجى السينما، الذين بحثوا عن المكسب السريع قبل نوعية الأعمال التى يقدمونها ولذلك عاد أسامة أنور عكاشة ليقدم «أرابيسك» و«الثعلب فات» و«ضمير أبلة حكمت» و«امرأة من زمن الحب»، و«فضة المعداوى». وواصل سلسلة العطاء المنير وترك لنا تراثا دراميا تتباهى به الأمم وياعم أسامة لقد أسعدت على مر سنوات العطاء لا أقول كل المصريين، ولكن كل العرب.. العرب الذين ما اجتمعوا أبداً على الباطل.. اجتمعوا حول فنك وموهبتك وقدراتك العظيمة على الإبداع نسأل الله أن يرحمك رحمة واسعة وأن يكون مثواك جنة الخلود جزاء لك على السعادة والفرح والجو الذى أدخلته على قلوب العرب من المحيط إلى الخليج!!