متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    «مينفعش نكون بنستورد لحوم ونصدر!».. شعبة القصابين تطالب بوقف التصدير للدول العربية    مفاجأة جديدة في سعر الذهب اليوم الأحد 28 أبريل 2024    30 ألف سيارة خلال عام.. تفاصيل عودة إنتاج «لادا» بالسوق المصرية    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    أول تعليق من شعبة الأسماك بغرفة الصناعات على حملات المقاطعة    حزب الله يعلن استهداف إسرائيل بمسيرات انقضاضية وصواريخ موجهة ردا على قصف منازل مدنية    أهالي الأسرى يُطالبون "نتنياهو" بوقف الحرب على غزة    عاجل.. إسرائيل تشتعل.. غضب شعبي ضد نتنياهو وإطلاق 50 صاروخا من لبنان    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عدة قرى غرب جنين    المجموعة العربية: نعارض اجتياح رفح الفلسطينية ونطالب بوقف فوري لإطلاق النار    مصدر أمني إسرائيلي: تأجيل عملية رفح حال إبرام صفقة تبادل    التتويج يتأجل.. سان جيرمان يسقط في فخ التعادل مع لوهافر بالدوري الفرنسي    حسام غالي: كوبر كان بيقول لنا الأهلي بيكسب بالحكام    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    ملف يلا كورة.. أزمة صلاح وكلوب.. رسالة محمد عبدالمنعم.. واستبعاد شيكابالا    اجتماع مع تذكرتي والسعة الكاملة.. الأهلي يكشف استعدادات مواجهة الترجي بنهائي أفريقيا    وزير الرياضة يهنئ الخماسي الحديث بالنتائج المتميزة بكأس العالم    المندوه: هذا سبب إصابة شيكابالا.. والكل يشعر بأهمية مباراة دريمز    لا نحتفل إلا بالبطولات.. تعليق حسام غالي على تأهل الأهلي للنهائي الأفريقي    مصرع عروسين والمصور في سقوط "سيارة الزفة" بترعة دندرة بقنا    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    بعد جريمة طفل شبرا، بيان عاجل من الأزهر عن جرائم "الدارك ويب" وكيفية حماية النشء    مصرع وإصابة 12 شخصا في تصادم ميكروباص وملاكي بالدقهلية    مصدر أمني يكشف تفاصيل مداخلة هاتفية لأحد الأشخاص ادعى العثور على آثار بأحد المنازل    ضبط 7 متهمين بالاتجار فى المخدرات    ضبط مهندس لإدارته شبكة لتوزيع الإنترنت    تعرف على قصة المنديل الملفوف المقدس بقبر المسيح    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    تملي معاك.. أفضل أغنية في القرن ال21 بشمال أفريقيا والوطن العربي    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    انخفاض يصل ل 36%.. بشرى سارة بشأن أسعار زيوت الطعام والألبان والسمك| فيديو    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    ضبط وتحرير 10 محاضر تموينية خلال حملات مكبرة بالعريش    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    السفير الروسي بالقاهرة يشيد بمستوى العلاقة بين مصر وروسيا في عهد الرئيس السيسي    «الأزهر للفتاوى الإلكترونية»: دخول المواقع المعنية بصناعة الجريمة حرام    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    كيف تختارين النظارات الشمسية هذا الصيف؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    رئيس جامعة أسيوط يشارك اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    شرايين الحياة إلى سيناء    جامعة كفر الشيخ تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



امنحني طفلا ومع السلامة- صفقة فاشلة نتيجتها طفل يتيم نفسيا

خلال الأسبوعين الماضيين كشفت «صباح الخير» عن صفقة جديدة للزواج تحت عنوان «امنحني طفلاً.. ومع السلامة» رفع أصحابها شعار «ضل عيل ولاضل راجل» تعقدها الفتيات مع الشباب سواء كان ذلك بالاتفاق بين الطرفين، أو كان الأمر مجرد نوايا خفية في نفس الفتاة الباحثة عن الإنجاب من أقصر الطرق، وحصولها علي لقب أم.. هذا اللقب الذي لن يستطيع أحد بعد ذلك سحبه منها، حتي الزوج المخدوع أو المشارك في عقد الصفقة.. كان لابد أن نقف لنحلل أسباب تلك الصفقة وكيف يري علماء النفس والإجتماع دوافعها ومستقبل ظهورها.. ورأي علماء الدين تجاهها.
البعض اتهم قوانين الطفل والأسرة الجديدة بأنها قد تكون السبب وراء سهولة عقد هذه الصفقات.
وهنا ترفض الدكتورة فيفيان فؤاد - منسقة لجنة القيم بوزارة الأسرة والسكان - أن تكون القوانين التي وضعت مؤخراً لحماية حقوق الأطفال والنساء هي السبب وراء ظهور هذا النوع من الصفقات، بل ترجع الأمر الي التطور الاجتماعي والثقافي الحادث في المجتمع المصري، والذي أشعر الفتيات العاملات خاصة من الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة باستقلال مادي ونفسي أيضاً، فلم يعد الزواج بالنسبة لهن هدفا لاكتمال الكينونة أو الشخصية أو للحاجة الاقتصادية، بل الأساس هو اختيار زوج تشعر معه بالرضا، وإذا لم يتحقق ذلك يكون قرار الطلاق أسهل وأسرع، لأن طرفي الزواج لا يحتاج أي منهما الي الاستمرار في علاقة لاترضيه.
وتوضح فيفيان أن هؤلاء الفتيات غالبا من العاملات في مجالات التكنولوجيا أو البترول أو الصيدلة وغيرها من المجالات التي يحصل العاملون بها علي رواتب مجزية، ويشعرن بالاستقلالية المادية في وقت مبكر، ويجدن صعوبة في الزواج بسبب خوف الكثير من الشباب من الارتباط بهن خوفاً من أن تكون لهذه الزوجة الشابة اليد العليا في البيت لأن راتبها أعلي من راتب الزوج، ويفشل الكثير من الخطبات لهذا السبب، وإذا تم الزواج فلا تستطيع الزوجة أن تتحمل الأدوار التقليدية للزوجة التي يفرضها عليها المجتمع علي غرار نموذج (سي السيد وأمينة)، وبالتالي تفضل الانفصال، والمشكلة هنا هي أن قيم مؤسسة الزواج الثقافية والقانونية لم تتطور بنفس القدر الذي تطورت به قيم بعض الطبقات، وكان المفروض أن ينعكس التطور الاجتماعي للمجتمع إلي مزيد من المشاركة واحترام قيم الخصوصية وتقسيم العمل بشكل يرضي الطرفين.
وتشير فيفيان أيضاً إلي عامل آخر ساهم في تغيير النظرة إلي وظيفة مؤسسة الزواج، فبعد أن كانت الوظيفة الأساسية للزواج هي تربية الأبناء وتكوين الأسرة، أصبح الإعلام يروج إلي أن الوظيفة الأساسية للزواج هي ممارسة العلاقة الحميمية بين الزوجين، ومن يدفع الثمن هم الاطفال.
وتلفت فيفيان إلي أن مبدأ (الصفقة) في الزواج مبدأ قديم ليس في المجتمعات العربية فقط، بل في المجتمعات الغربية أيضا فحتي القرن التاسع عشر الميلادي كانت الزيجات تتم بناء علي مصالح بين عائلتين، ثم جعل التطور العلمي والثقافي والديمقراطي العاطفة هي الأساس في هذه العلاقة، وفي العالم العربي يتم الكثير من الزيجات تحت مبدأ الصفقة بأشكال مختلفة، ويستهجنها المجتمع إذا كانت الزوجة هي من تدبر للصفقة، في حين لا تستهجن الصفقات التي تعقدها العائلات مثل تزويج الفتاة وهي صغيرة خشية العنوسة، أو تزويجها لثري يكبرها بأعوام كثيرة، أو تزويجها لابن عمها حفاظاً علي الأرض الزراعية، لكن تبقي مشكلة صفقة الزواج من أجل الإنجاب في أنها تنافي مبدأ (الاستدامة) في الزواج الذي تحض عليه كل الأديان، وأن تكون المصلحة الفضلي للطفل هي أن ينشأ في ظل والديه، فاذا لم يتح الواقع هذه العلاقة المثالية فعلي الأقل يرعي الطفل أحد والديه بدلاً من أن ينشأ في ظل صراع دائم بين والدين لايرغبان في الحياة معا، لكن مالا يقبل بالفعل هو أن يتخلي الوالدان معاعن مسئوليتهما تجاه طفلهما .
سباق مع الطبيعة
بينما تقول الأديبة وعضو مؤسسة المرأة الجديدة - بهيجة حسين - مناقشة هذا الموضوع أزال الغطاء عن قضية كنت أتخيل صعوبة مواجهتها، ثم بعد أن قرأت ما نشر في عددين من مجلة صباح الخير أصابني الفزع والأسي معا.
الفزع من أن تكون العلاقات الإنسانية التي يفترض أن تكون مبنية علي الحب والسكينة والمودة والرحمة والاحترام، بهذه الصورة، والأسي لأنها حقيقة يفرضها واقع تأخر سن الزواج بالنسبة للبنات، يعني ضعف فرصة الإنجاب، حتي إننا أصبحنا نسمع عبارات من الفتيات ولا نتوقف عندها كثيرا مثل «عايزة أتجوز وألحق أخلف عيل»، يردن أن يسابقن الزمن والطبيعة ليحققن حلم الأمومة، فالأمر واقعي وحقيقي ولا يمكن إغماض العين عنه، وخاصة أن منظومة القيم التي تحكم الأدوار قد اختلت، فلم تعد الأدوار التقليدية للمرأة هي القائمة الآن، ولم يعد دور الرجل التقليدي موجودا في الكثير من الأحيان، فالمرأة تعمل وتنفق وتعول سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة، والأرقام والإحصائيات الرسمية تؤكد ذلك، وهي لا تريد أن تضيع فرصة الزواج والإنجاب، خاصة مع ظرف اقتصادي طاحن، لم يعد فيه الرجل قادرا علي القيام بدوره التقليدي، فهذا الوقت المحدد للإنجاب يدفعها دفعا للبحث عن «ذكر النحل»، ولا يمنحها فرصة الاختيار الدقيق والحب، والالتقاء الفكري الذي قد تكون انتظرته طويلا ولم يأت، وهي تسعي لتحقيق الانتظار بين «الرجل، والطفل الذي قد لا يأتي إذا فات الوقت».
وتنفي بهيجة حسين علاقة قوانين المرأة والطفل الأخيرة بزواج «امنحني طفلا ومع السلامة»، معللة ذلك بأن المرأة إذا وجدت الرجل الذي تحبه وتسكن إليه ويرعاها ويكون مسئولا عاطفيا وإنسانيا معها وليس «عنها»، فلن تسعي للطلاق منه، بل علي العكس، ستفعل كل ما في وسعها لمواصلة الحياة وإنجاحها، تماما كما حدث في أحداث فيلم «آسفة أرفض الطلاق»، الذي تمنت فيه بطلة الفيلم «مرفت أمين» سن قانون يمنحها الحق في رفض الطلاق لأنها مشبعة من زوجها عاطفيا وإنسانيا في علاقة إنسانية، فإن وجدت هذه العلاقة وتحقق الحلم فلن تسعي المرأة للطلاق.
وتتوقف بهيجة قائلة : إلقاء اللوم علي القوانين استسهال بليد لتفسير هذا السلوك، وانتصار للرأي المجتمعي السائد للبحث عن «شماعة» يحمل فيها أي طرف - الطرف الآخر المسئولية، المهم تبرئة الرجل، أو استنهاز الفرصة للنيل من أي مساحة تنتزعها المرأة حفاظا علي كرامتها وآدميتها، لتصب اللعنات علي القوانين مرة باسم إنها دعوة غربية أو مدنية «أو كافرة»، لإعادة المرأة إلي المربع الظلامي.
صفقة فاشلة
أما الدكتورة سعاد جمعة - الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية - فتري أنها صفقة فاشلة، تتنافي مع مبادئ وأخلاقيات وأعراف المجتمع المصري والعربي، لأن الزواج سكن ومودة ورحمة وتعمير للحياة، وستشعر الزوجة بفشل هذه الصفقة حتي إن تخيلت أنها حققت هدفها «بالإنجاب»، فستطاردها عقدة الذنب لأنها حرمت ابنها من والده، وجعلته ينشأ كاليتيم نفسيا، وقد تتفاقم الأمور إذا علم في يوم ما أنه كان نتاج صفقة بين والدته ووالده، وربما تتفاقم الأمور أكثر إذا استغل هذا الأب نقطة ضعف الأم وأخذ يبتزها ماديا مستغلا «الطفل».
صفقات وليست صفقة
أما عالم الاجتماع النابه بجامعة عين شمس د. محمود عودة فلا يشعر أن هذه الصفقات أصبحت ظاهرة لدي الفتيات المصريات، مؤكداً أن نمط الزواج من أجل الاستقرار هو النمط الذي لايزال مرغوباً لدي الفتاة والأسرة المصرية بشكل عام، والكثير من الأسر لاتزال تحمد الله عن عدم مجيء أطفال إذا كان الطلاق السريع هو نهاية الزيجة، حرصاً علي ألا يظلم طفل بعيشه بعيداً عن أحد والديه أو كليهما إذا تزوج كل طرف، تاركاً مسئولية الطفل للأجداد ولأي شخص آخر، رغم أن الرغبة في الأمومة موجودة لدي جميع الفتيات.
ويميل عودة لتفسير كثرة هذا النوع إلي أن الكثير منه عقد بقصد الاستمرار في الزواج، لكن لأن قدرة الشباب علي تحمل ضغوط الحياة أصبحت محدودة، كما لم يعد للطلاق نفس الهالة الاجتماعية السلبية السابقة، أصبح قرار الانفصال أسهل وليس مع سبق إصرار وترصد في جميع الحالات.
ويتأمل د. عودة هذا النوع من زواج الصفقة باعتباره أحد أشكال صفقات الزواج الاجتماعية والاقتصادية التي يراها أكثر انتشارا، منها صفقات زواج المصالح (المال والسلطة) أو (سطوة المال وذل الفقر) الذي هو نوع من الإتجار في البشر بسبب الطبقية الشديدة التي يعاني منها المجتمع، ولهذا النوع سماسرة وسوق رائجة، وفي كل هذه الصفقات لا يتم الزواج علي أساس من الصفات والقيم الإنسانية للأشخاص، لكن علي أساس مايملكون.
صفقة المال والجمال
وإلي نفس الوجهة ينضم عالم الاجتماع بآداب عين شمس د. ثروت إسحق - مشيراً إلي أن صفقات الزواج التي يعقدها الزوج مع الأب من أجل زيادة فرص نجاح تجارتهما المالية معاً، ونسمع عن الملايين التي تنفق في الاحتفال بهذه الزيجات في الفنادق الكبري، ثم مايلبث أحد الطرفين أو كلاهما أن يكتشف أن الصفقة لم تأت بثمارها المرجوة، فيحدث الطلاق.
وصفقة أخري تلجأ إليها الفتاة أو الشاب لإشبا ع رغبة كل منهما في الآخر بورقة عرفية علي سبيل العلاقة الاحتياطية، وهما يدركان أن كلا منهما يجب أن يتزوج ممن ترشحه العائلة، وتنفض علاقة الزواج المؤقتة تلك بعد عام أو أكثر وبهدوء وبالاتفاق.
وهناك أيضا صفقة الزواج بين المال والجمال، حين يقدم صاحب المال إلي الزواج من جميلة سرا وهو يعرف أنه سيتركها بمجرد أن تعرف عائلته، وهي تدرك أنها صفقة خاسرة.
أما الزواج من أجل الإنجاب فتدبره الفتيات أكثر من الشباب من الذكور، لأن رغبة الأمومة أقوي لدي الفتيات منها لدي الشباب، وهي في هذه الصفقة تضرب عصفورين بحجر واحد، تريد أن تثبت قدرتها علي الإنجاب وقدرتها علي أن تكون أنثي معا، وقد لا تكون في كل الأحوال واعية بأنها تدخل في صفقة مؤقتة، وهي تريد من داخلها أن يكون الطفل ولدا لتفاخر به.
ويلفت د. ثروت إلي أن تحقيق هذه الرغبات لدي الفتاة لايشبع كل رغباتها، فتظل عطشي، وبالتالي قد تلجأ للطلاق، فإذا لم تتمكن من الحصول عليه قد تقع في الخيانة، بل قد تخون زوجها علانية نكاية فيه لأنه لم يمنحها حريتها، وللأسف الضحية في جميع الأحوال هم (أطفال الصفقة) الذين لايبحث الطرفان حقوقهم، مثلما يبحثان عما يشبعهما ويرضيهما.
زواج الصفقة الجنسية
ويؤكد د. شريف عوض - أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة أن الفتيات اللاتي يلجأن إلي الزواج من أجل الإنجاب - هرباً من العنوسة أو لعدم تكافو فرص الزواج المتاحة اجتماعياً أو عقلياً أو عاطفياً - هي تلجأ إلي زواج عبثي، لأن الأصل في الحياة الزوجية (الديمومة) لإشباع حاجات عاطفية واجتماعية وجنسية، فتختزل إلي هدف الإنجاب فقط.
ويقسم د. شريف أزواج هذه الصفقة إلي فريقين، فبعضهم يكون علي علم بها، والبعض الآخر يشعر بها لكنه يتجاهل ما يشعر به والمشكلة في النوع الأول أنه يوافق علي شيء غير مشروع من أجل إشباع حاجته المادية أو الجنسية، فالزواج بالنسبة له عبارة عن صفقة اقتصادية جنسية هدفها فقط إشباع نزواته.
أما النوع الثاني الذي يشعر بما يحدث حوله ويتجاهله، بسبب أنه يشعر بشيء من الدونية أو العيب (كتقدم السن، أو تدني مستواه الاجتماعي أو الاقتصادي)، فيستسلم للفتاة التي تنصب حوله الشباك حتي لايضيع الفرصة (أو الصفقة)، فالمعروف أن غريزة الامومة أقوي من غريزة الأبوة، فالفتاة تتجه للزواج غالباً من أجل الانجاب، أما الشاب فمن أجل إشباع الرغبة الجنسية في المقام الأول، وما دام الرجل من البداية كان علي علم بالصفقة المادية، فلن يشغل باله كثيراً بالطفل الذي إذا أخذه سيتكفل به وبنفقاته لذلك يتركه للأم.
ويري د. شريف أن مثل هذه الصفقات ما هي إلا دعارة مقننة تترتب عليها ضحايا، هم الأطفال الذين يعيشون مع طرف واحد، غالبا هوالأم ويحرمون من الأب فينتج، محذراً من العواقب الوخيمة التي ستعود علي المجتمع من انتشار هذه الانواع من الزواج .
أما د. مدحت الهادي - عالم النفس ومدير المركز المصري للاستشارات الزوجية - فيرصد عددا من حالات زواج الفتيات من أجل الإنجاب، وليس بغرض تكوين حياة أسرية وزوجية مستقرة، موضحاً أن السبب هو التغير الاجتماعي، الذي جعل الكثير من الفتيات أكثر استقلالية واعتماداً علي النفس، فلديها عملها وكيانها وشقتها المستقلة وأيضاً سيارتها، وفي نفس الوقت بدأت تختفي مواصفات الرجل الحقيقي من وجهة نظرها فكما تقول النساء في الجملة الشهيرة التي يتناقلنها (الرجالة ماتوا في1973) بالإضافة إلي أنها عندما تقدم الآن علي علاقة زواج تتحمل نفقات وأعباء مساوية للرجل تماماً، إلي جانب مشاركتها الإنفاق علي الأسرة مع الرجل، ومن هنا أصبح الزواج عندها عبئا مثل عبء الرجل تماماً، مما جعل بعض الفتيات يلجأن إلي الزواج فقط من أجل الأمومة، فتلجأ للرجل فقط حتي تحصل علي الحيوان المنوي الذي يساعدها لتكون أما، وبعد ذلك تترك الرجل الذي أصبح من وجهة نظرها عبئا كبيرا عليها.
ويحذر شريف من انتشار هذه الأنواع من الزواج التي يمكن أن تهدد مؤسسة الزواج، كما حدث في المجتمع الأوروبي الذي ظهرت به أسرة ما يسمي ب (SingleMother) أو الأم الوحيدة، ومعناه أن الأم منبع الحنان ستتحول إلي منبع الحزم لتثبت للمجتمع أنها قادرة علي تربية الطفل بمفردها، وهو شكل من التفكك الأسري الذي يؤدي بدوره إلي تفكك المجتمع. ويقترح شريف أن يعمل الإعلام والجهات الداعمة للأسرة من أجل تصحيح المفاهيم المغلوطة لدي الشباب عن مؤسسة الزواج، من أجل العودة إلي قيم الأسرة، خاصة لدي المقبلين علي الزواج، ومن أجل أن تكون الأسرة هي حضن الطفل ومكان رعايته الأفضل علي الإطلاق.
المتعة والاستبضاع
وكان علينا استطلاع رأي علماء الدين حول هذه الصفقة وكيف تؤثر النوايا علي بطلان هذا الزواج أو اجازته.
زواج الصفقات نوع من أنواع الهوس التي انتشرت في زمان التخبط في العقيدة والسلوك، وهذا ينم عن سخرية بالمعاني التي من أجلها شرع الله الزواج، والتي منها استمرار الحياة الزوجية سواء رزق الأزواج بأولاد أم لم يرزقوا، فما كان لنفس أن تخلق إلا بإذن الله.
هكذا بدأ الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر حديثه، ووصف التي تسعي للحصول علي ولد في أحشائها تخرج به من الدنيا وتطلق عليه شعار «ضل عيل ولا ضل راجل» بالغبية لأنها قد تحصل علي الولد، وكأنها حصلت علي سكين تضرب به صدرها لأن الولد لن يكون له ظل في بعده عن أبيه، وسوف ينشأ ولداً مشوهاً.
وأضاف الدكتور عطية، أنه إذا تم الاتفاق علي الزواج بهذه الشروط وتم إعلانها صريحة، والإعلان المقصود هنا أن يصرح كلاهما للآخر بنية الفراق بعد الزواج والإنجاب، فهذا زواج (متعة)، وهذا باطل بإجماع المسلمين ماعدا الشيعة، والأصل في هذا الزواج أنه كان نوعاً من أنواع الزواج في الجاهلية، فحرمه الإسلام، وليس صحيحاً أن النبي (ص) أجازه، ثم حرمه، فالنبي (ص) لم يجزه، وإنما ترك الناس علي ما تعودوه حتي ينزل خلافه، وهذا ما حدث في زواج المتعة، وذلك لأنه الأساس في عقد الزواج أن يكون للدوام، والطلاق عارض إذا استحالت الحياة بين الطرفين. أما الدكتورة آمنة نصير استاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر فقالت: المرأة بطبيعتها تسعي للأمومة أكثر من الرجل فهو قد يستمتع بحياته دون أن يكون له أبناء، عكس المرأة فهدفها الأسمي أن تصبح أماً، بل إنها تتحمل كثيراً من متاعب الحياة الزوجية من أجل حماية الأبناء.
وأضافت نصير:- أن الأسر المصرية تعامت عن ظروف الشباب، وعقدت الحياة أمامهم بمطالب مغالي فيها ووفرت هذه المطالب مع المهاجرين من دول الخليج، وبدأنا نقلد هذه الدول في شيء من الرفاهية لا تتناسب مع إمكانيات شبابنا، ومن هنا انتشرت العنوسة، وبدأ البحث عن حلول، وأصبحت الفتاة تفكر كيف تصبح أماً فقط، ومعظم أولئك الفتيات يعملن ولديهن مرتب يحقق لهن الحياة الكريمة، ولذا تسعي للحصول علي طفل سواء عن طريق الزواج المؤقت، أو الإخصاب المساعد، وهي مسألة معروفة لدي الأوروبيين، ولكن المتدينين منهم يرفضونها، كما أن القضية هذه ليست جديدة، بل كانت معروفة في الجاهلية، ولكن بصورة أخري كانت تعرف بالاستبضاع، بمعني أن المرأة تختار رجلاً ذا سمات معينة للإنجاب منه فقط، ورفض الإسلام هذه الصورة.
وقالت نصير أن الإسلام فند الزواج إلي نوعين، الأول: إذا حدث الزواج وبشروطه وكان كامل الأهلية، ثم زهدت الزوجة في هذا الزواج وطلبت الطلاق فهذا وارد، أما الزواج إذا جاء لمجرد تحقيق هذه الرغبة فقط، فهذا يدخل في نطاق الزواج المرفوض وهو زواج المتعة.
وتوضع نصير أن قوانين الأسرة الجديدة مثل قانون الطفل، وحق المرأة في الخلع، وحق الحضانة للأم حتي بلوغ الطفل خمسة عشر عاماً وغيرها، هذه الأمور رفعت غبنا كبيرا كان واقعاً علي المرأة لسنوات طويلة، بل كان يستخدم ضد المرأة للتنكيل بها مثل طلبها في بيت الطاعة، أو أخذ الأطفال منها، بل كانت أسرة الزوج تشجع علي ذلك خاصة إذا كان هناك بعض الضغائن ضد الزوجة وليس حرصاً علي الأطفال.
وأضافت نصير أن الزواج بهذه الصيغة إذا تم الاتفاق عليه فهو باطل وإذا تم بدون أن تلقي بالا للطرف الشريك فهذا غدر وحخيانة وتدليس وجميعها يحرمها الإسلام تحريما لا جدال فيه، لقوله (ص) «من غشنا فليس منا»، وللزوج المخدوع أن يطالب بحقه في القضاء لو استطاع أن يثبت سوء النية.
أما الدكتور عبدالمعطي بيومي:- عضو مجمع البحوث الإسلامية فقال:- هذه اتفاقيات غير طبيعية وغير شرعية، فالمقصد الأسمي للزواج التأييد، وتكوين الأسرة، والإشراف عليها، والمعايشة الكاملة بين الرجل والمرأة، فليس المقصد هو الإنجاب، أو شيء جسدي فقط، وأنما الزواج حياة كاملة.
وأضاف بيومي أن نية الزواج ينبغي أن تكون ممهدة للزواج وان كان الإنجاب شيئا مشروعا، ولذا فنية المشروع مشروعة، ولكن التفكير بهذا المنطق يعد خللاً ناجما عن مشكلة في المجتمع وهي عدم تمكين الشباب من الزواج في سن الزواج، والمجتمع يتحمل المسئولية كاملة.
وقال بيومي ان القوانين الحالية ليست سبباً من الأسباب التي تؤدي إلي زواج الصفقات من أي نوع، ولكنه انفتاح المجتمع، والخلاف الدائم حول الماديات، فإذا كانت الزوجة لديها القدرة المادية والاستقلال الذاتي فما المانع من استقلالها حتي في الأطفال وتربيتهم وحمل مسئوليتهم، وهذا ما يدفعها إلي التفكير في الطلاق، فهذه نظرة أنانية من الزوجة والأم لأنها لم تفكر إلا في ذاتها، وهي لا تعي عواقب هذا الانفصال الذي لن ينتهي بسلام وأبسط جرائمه التمزق الواقع علي الطفل والذي لن يشعر به سواه، بل إن الخاسر الوحيد في هذه الصفقة غير المربحة هو الطفل التي تبحث عنه الزوجة، وينبغي وضع قانون لتجريم هذا النوع من الزواج أو الصفقات لأن المشاكل ستوجد بسببه، والمشكلة أنه إذا حدث تصريح بين الزوجين بالرغبة في الانفصال فعقد الزواج باطل ولكن النسب في هذه الحالة صحيح وللطفل جميع الحقوق المترتبة علي ذلك الزواج.
وأضافت الدكتورة عبلة الكحلاوي الأستاذ بجامعة الأزهر أن هذا الزواج يعد إفرازا عشوائيا للحالة الحرجة التي وصلنا إليها، ولذا ينبغي علينا مناهضة مثل هذه الأمور، وعلي الجمعيات والمؤسسات الخيرية أن توحد جهودها لحل مثل هذه القضية، لأنها هي الأقدر علي ذلك، ولا شك أن زواج المرأة من خلال صفقة سواء كانت رابحة فيها أم لا لما في ذلك من إهانة للمرأة، من حق المرأة أن تنجب، ولكن من حق الطفل أن يعيش في كنف أبوين يعملان علي إسعاده وتحقيقه ذاتياً ونفسياً، فالزواج المؤقت لا يجوز لأنه يدمر قوام الأسرة، فإذا كانت المرأة تسعي لتحقيق رغبتها في الأمومة، فهناك طرق شرعية غير الزواج المؤقت، مثل الزواج الثاني، وإن كنت لا أؤيد الزواج الثاني، وعدم المغالاة في المهور، وعدم تضييق الأمور علي الشباب، أو التنازل عن حقها في المبيت.
وقالت الكحلاوي نحن في حاجة إلي مواجهة أمورنا بشكل صحيح، ولكنه قد يكون الحل الأفضل لتحقيق الرغبات الموجودة بداخل المرأة، لكنه لا يصح أن تدخل المرأة في شيء حرام، فالزواج علي التأييد، ولكن لا يحق للمرأة أن يحرم زوجها حقاً من حقوقه كرؤية ابنه.
وقالت الدكتورة عفاف النجار عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر:- الزواج مبني علي ميثاق غليظ من المودة والرحمة والاستمرارية، وذلك بقوله تعالي «وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً»، فهذا الميثاق يتم أمام الله، وليس من حق أحد أن يستهين به، وزواج الصفقات هذا استهانة بميثاق الله، لأن الزوجين هنا متفقان علي الطلاق وهذا قطع لميثاق الله، كما أن هؤلاء أنصاف رجال، وأنصاف نساء، لا يقدرون قيمة هذا الرباط المقدس الذي يربط بينهما دون ظلم، فلو حدث الظلم كان الطلاق، ومن أهم شروط الزواج الاستمرارية فالأمر ليس مهمة يؤديها كل منهما ثم ينفصلان بعد ذلك فهذا مخالف للشرع، ولكن من الأولي أن يحسن كلا الزوجين الاختيار من البداية، فالنبي (ص) يقول «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه»، وعن الأنثي يقول (ص) تنكح المرأة لأربع، ومنها فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وبعد الاختيار تترك المقادير لله، والظروف حتي وإن كانت المرأة لديها القدرة علي توفير حياة كريمة للطفل، فالحياة ليست كلها ماديات، ولكن هناك التربية السليمة، وهي الأهم، ومما لا شك فيه أن الطفل يفقدها إذا اختلت موازين الأسرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.