أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    «التعليم» تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية «بنين و بنات»    طقس إيداع الخميرة المقدسة للميرون الجديد بدير الأنبا بيشوي |صور    رسالة قرينة الرئيس السيسي للمصريين في عيد شم النسيم    يستفيد منه 4 فئات.. تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس بالجامعات    أسعار سبائك الذهب BTC اليوم الاثنين 6-5-2024 في محافظة قنا    أسعار الجمبري اليوم الاثنين 6-5-2024 في محافظة قنا    تكثيف صيانة المسطحات الخضراء والمتنزهات بالمدن الجديدة بالتزامن مع فصل الربيع    «الري»: حدائق القناطر الخيرية تفتح أبوابها أمام زوار أعياد الربيع وشم النسيم    اقتراح برغبة لإطلاق مبادرة لتعزيز وعي المصريين بالذكاء الاصطناعي    تكثيف صيانة المسطحات الخضراء والمتنزهات بالمدن الجديدة مع عيد شم النسيم    في ظل مخاوف الاجتياح.. الأونروا: لن نغادر مدينة رفح    الرئيس البرازيلي: التغير المناخي سبب رئيس للفيضانات العارمة جنوبي البلاد    رئيسة المفوضية الأوروبية: سنطالب بمنافسة "عادلة" مع الصين    إيران تدرب حزب الله على المسيرات بقاعدة سرية    دقيقتا صمت مع صفارات إنذار.. إسرائيل تحيي ذكرى ضحايا المحرقة    موعد مباراة الأهلي والزمالك في نصف نهائي دوري السوبر لكرة السلة    "أنا حزين جدا".. حكم دولي يعلق على قرار إلغاء هدف الزمالك وما فعله حارس سموحة    "احنا مش بتوع كونفدرالية".. ميدو يفتح النار على جوميز ويطالبه بارتداء قناع السويسري    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    كولر يضع اللمسات النهائية على خطة مواجهة الاتحاد السكندرى    تفاصيل القبض على عصام صاصا مطرب المهرجانات بتهمة دهس شخص والتسبب في وفاته بالطالبية    عيد الأضحى 2024: متى سيحلّ وكم عدد أيام الاحتفال؟    أشجار نادرة وجبلاية على شكل الخياشيم.. استعدادات حديقة الأسماك لشم النسيم    "هزار تحول لخناقة".. شاب يمزق جسد صديقه في سوهاج    توافد المواطنين على حدائق القناطر للاحتفال بشم النسيم .. صور    حمادة هلال: جالي ديسك وأنا بصور المداح الجزء الرابع    نور قدري تكشف عن تعرض نجلها لوعكة صحية    اليوم ذكرى ميلادها.. كيف ابتكرت ماجدة الصباحي «السينما المتنقلة»؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    هل يجوز قراءة القرآن وترديد الأذكار وأنا نائم أو متكئ    نصائح لمرضى الضغط لتناول الأسماك المملحة بأمان    «الرعاية الصحية» تطلق فعاليات المؤتمر العلمي الأول لفرعها في الإسماعيلية    عصير سحري تناوله بعد الفسيخ والرنجة.. تعرف عليه    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    قبل الامتحانات.. ما مصادر التعلم والمراجعة لطلاب الثانوية العامة؟    وزيرة الهجرة: نستعد لإطلاق صندوق الطوارئ للمصريين بالخارج    نيويورك تايمز: المفاوضات بين إسرائيل وحماس وصلت إلى طريق مسدود    البحيرة: رئيس كفر الدوار يتابع الاستعدادات لبدء تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء    "ماتنساش تبعت لحبايبك وصحابك".. عبارات تهنئة عيد الأضحى المبارك 2024 قصيرة للأحباب    مع قرب اجتياحها.. الاحتلال الإسرائيلي ينشر خريطة إخلاء أحياء رفح    في يوم شم النسيم.. رفع درجة الاستعداد في مستشفيات شمال سيناء    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 6 مايو    وسيم السيسي يعلق علي موجة الانتقادات التي تعرض لها "زاهي حواس".. قصة انشقاق البحر لسيدنا موسى "غير صحيحة"    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    أحمد سامي: كنا قادرين على الفوز ضد الزمالك بأكثر من هدف والبنا لم يكن موفق    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية رجلين بلا احترام وامرأتين بلا أخلاق!
نشر في صباح الخير يوم 20 - 04 - 2010

كلما شاهدت رجلا بشنب دوجلاس، أي الشارب الذي يشبه الخط المستقيم تحت أنف الرجل، كلما تذكرت كعب حذاء السيدة لواحظ وهو يدق رأس رجل كان مهما في يوم من الأيام.
أما عن أهمية الرجل فقد كان مسئولا سياسيا أمضي سنوات عمره في خدمة الأجهزة التي يفترض فيها رعاية البشر. وكان يجيد الرضوخ بغير حدود لأي قائد في أي موقع يخدم فيه، وأما عن كعب حذاء السيدة لواحظ فهو يرتفع عن الأرض بمقدار خمسة عشر سنتيمترا ويتيح لها أن تتأرجح ذات اليمين وذات اليسار، فتبدو تفاصيل الجسد وهي تترجرج بعفوية وحيوية ونداء شديد الصخب علي الرغم من أنها لا تدع لكعب الحذاء فرصة الدق علي الأرض.
وأما عن علاقة كعب الحذاء بصاحب الشارب الدوجلاس، فهي تبدأ في ذاكرتي من لحظة أن مدت السيدة «لواحظ» يدها لتخلع الحذاء وتنزل به علي رأس صاحب الشارب الدوجلاس إلي الدرجة التي انبثق فيها الدم من رأسه وهو يصرخ فيها «مش كده ياحبيبتي». وقد دار المشهد أمام محل الكوافير الشهير بشارع الكربة بمصر الجديدة؛ حين كنت أمر في الشارع صدفة، وكان صاحب الشارب الدوجلاس يفتح باب السيارة الأمامي لمضيفة طيران اسم شهرتها «تاتا» واسمها الفعلي عطيات، واشتهرت «تاتا» في تلك الأيام بغواية أصحاب المراكز العالية.
ولم تكن تؤمن إلا بالعطاء بعد الأخذ، اللهم إلا في حالة واحدة هي حالة زواجها من صاحب محل بشارع الشواربي، وكانت تعلن بوضوح أنه الرجل الوحيد الذي يعلم مفاتيح أنوثتها، ولذلك تعطيه دون انتظار الأخذ منه، اللهم إلا إذا أخذ ثمن ما تأتيه به من بضائع، فضلا عن احتفاظها بورقة الزواج العرفي التي تؤكد أن العصمة في يدها إن شاءت أن تطلقه وتذهب إلي حيث تريد، فهو كرجل لن يقبل اغتصاب امرأة لا تحبه، ولن يأخذ إلا ما تعطيه عن رضا، أما هي فقد عرفت أكثر من وسيلة للأخذ، وتركز أخذها من ذلك الرجل في عدة ساعات من العناق المجنون، فضلا عن أثمان البضائع التي تأتي بها مهربة من باريس وبيروت، فهي كمضيفة طيران تعرف جيدا كيف تبتسم لضابط الجمرك، فتخرج بحقائبها دون تفتيش، وكانت الحقائب _ بطبيعة الحال _ تمتلئ بالعديد من زجاجات البرفان والأقمشة الصوفية من ماركة «دورمي»، فضلا عن النظارات الإيطالية، وكذلك ولاعات السجائر الديبون والدانهيل، ثم تذهب بالبضائع إلي شقة «علي الخشخاش» صاحب بوتيك الشواربي في شارع حديقة الحيوان، وهو رجل رفيع ممصوص، ولكن له أعصابا من حديد . ولم يكن الرجل يكف عن لعن هزيمة يونيو 1967، ويذيع شرائط أحد المشايخ، ويدخن الحشيش جهارا نهارا ويردد الحكمة المصرية الغريبة: «إن كان حرام أدي إحنا بنحرقه وإن كان حلال أدي إحنا بنشربه». وطبعا لاداعي أن أذكر للقارئ أن صاحب هذا المحل نجح أكثر من مرة في تهريب كمية لا بأس بها من الحشيش بمعاونة تاجر أخشاب كبير بالإسكندرية، وعندما قاربت الدولة محاصرته، استطاع بشكل ما نقل نشاطه التجاري من الإسكندرية إلي القاهرة ولجأ إلي موقع مهربي تلك الأيام القديمة في شارع الشواربي، وسلك طريقه إلي أكثر من مضيفة جوية، وراح يعمل في بيع البضائع المنتقاة القادمة من باريس أو من بيروت، وكانت سيدة جلب البضائع هي المضيفة تاتا، وطبعا كان معها العديد من المضيفين والمضيفات، وكلهم لهم قبلة واحدة هي شارع الشواربي .وإن كانت «تاتا» وحدها هي التي تملك مفتاح شقة صاحب محل المهربات . ومن المهم أن أذكر أن أغلب البضائع المهربة من باريس كانت تأتي من محل «جاكوب» الذي يبيع للمصريين والعرب بخصم يصل إلي سبعين بالمائة، ولا داعي أن أقول أن جاكوب هذا هو الذي اصطاد الجاسوسة هبة بطلة قصة «الصعود إلي الهاوية»، وهي من تم إعدامها هي وخطيبها الذي أمد إسرائيل بخرائط ومواقع مهمة تسببت في خسائر جسيمة للمقاتلين المصريين وبسبب ذلك تم إعدامها هي وخطيبها، ولايزال الجميع يذكرون كيف كتب الروائي صالح مرسي حادث تجنيدها واختطافها من باريس إلي أن وصلت مطار القاهرة، فقال لها الكلمة التي نرددها كلما أردنا الفخر أو السخرية، حين قال لها «هي دي مصر يا عبلة»، وطبعا تدلت من حبل المشنقة بعد أن اعترفت كيف تم تجنيدها في البداية بقدر من النقود، ثم بإدمانها لممارسة الجنس مع أحد المحترفين، وكانت مصيبة إسرائيل في اختفائها كبيرة، بدليل أن كمية الخسائر التي تلقتها إسرائيل إبان حرب الإستنزاف فاقت خيال القيادة الإسرائيلية في تلك الأيام، وكثيرا ما تردد في أورقة الأجهزة الإسرائيلية آهات الحسرة لافتقاد جاسوسة كانت رخيصة التكاليف بشكل مذهل.
ورغم ذلك لم يتوقف العديد من المصريين سواء أكانوا مضيفات أم من الزوار عن الشراء من «جاكوب».
ومازلت أتذكر كيف همس لي بأدبه البالغ الراحل العذب الخلق السيد أمين هويدي وكان وزيرا للإرشاد القومي، وكنت مسافرا إلي باريس، همس الرجل قائلا: «جاكوب»، فضحكت طالبا منه ألا يكمل تحذيره من عدم الشراء من هذا المحل، فقد سبق أن حكي لي مدير الخدمة السرية في المخابرات العامة أوائل الستينيات صديقي العزيز الذي رحل مؤخرا السيد زغول كامل، حكي لي عن دعم إسرائيل لهذا المحل تحديدا، رغم ذلك لا يمتنع المصريون والعرب عن الشراء منه لأن أسعاره أرخص من السوق. وكان زغول كامل عبر رحلة العمر يعلم أني أحب أصواف المحلة وكتان الشركة الشرقية، وقماش لينوه شركة البيضاء السكندرية والملابس الداخلية من إنتاج جيل، وأني لا أشتري من الخارج إلا الكتب وكرفتاتين كل عام، ولا مانع إن مررت علي إيطاليا أن أشتري حذاء أو اثنين، لسبب بسيط هو عجز المصريين عن صناعة حذاء مريح أو كرافتة لا يتم استهلاكها بعد مرتين من الاستخدام.
ومازلت حتي أيامنا هذه ألعن أبو الخصخصة التي سرقت مني أصواف المحلة، وسرقت من منطقة الشرق الأوسط كلها كتان الشركة التي تم بيعها لهذا المستثمر الذي لم يحترم العقد الذي وقعه ولم يصن حقوق العمال، ولذلك أغلقت الشركة أبوابها . ولا عزاء لمحبي ارتداء الكتان في الصيف، تماما كما أنه لا عزاء لمن يبحثون عن أصواف المحلة في الشتاء فلا يجدونها بأذواقها القديمة الراقية التي كانت تنافس أصواف إنجلترا وفرنسا وكل دول الشمال الأوروبي، فقد شاءت الحكومات المتتابعة أن توقف تطور شركات القطاع العام إرضاءً للخواجة ساكن صندوق النقد . وظن البعض أن السلام مع إسرائيل يعني أن نهمل تطوير الصناعات التي ساعدتنا وقت الحرب؛ فعشنا السنوات الفاصلة بين هزيمة يونيو 1967 ونصر أكتوبر الجليل؛ عشنا تلك الأيام بكرامة تفوق الخيال ونحن نغزل ثوب النصر في أكتوبر 1973 . وهي الحرب المنتصرة التي علا من بعدها أحاسيس رغبتنا في هزيمة أنفسنا، فارتفع في المجتمع سلوكا أخذ من الغرب التقليد دون إتقان الأداء . وأخذنا من شرقنا تقاليد طقسية تحتفل بالنقاب وجلباب الرجل القصير، ثم لا مانع من سرقة عموم المصريين عبر شركات توظيف الأموال . ولن أنسي أبدا أنا كاتب هذا مشهد رجلا مسطولا بفعل إبر المخدرات وهو يجلس مع واحد من أبطال مظاهرات الإحتجاج علي أحكام المحاكم التي لم تعدم أي واحد بسبب هزيمة 1967 ، ثم ارتقي هذا الطالب في سلم العمل السياسي إلي أن صار مسئولا كبيرا يجالس صاحب شركة توظيف الأموال ويشاهدان معا شرائط خطب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وهو يخطب عن العزة والكرامة، بينما يستأجر الاثنان أستاذا جامعيا له دراسات دينية هائلة، فراح هذا الأستاذ يخطب في مودعي شركات توظيف الأموال التي يملكها المسطول إياه، وكان الأستاذ الجامعي يكذب مدعيا بأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد زاره في المنام وقال له أن صاحب شركة توظيف الأموال قادر علي سداد كل ديونه . وأن عليهم أن يتركوا أموالهم لديه. وعن طريق مثل الألاعيب تجمعت عبر السنوات ثروات هائلة فيك أيدي أفرادا يقال عنهم «رجال الأعمال» وتاريخ كل منهم لا يختلف كثيرا عن تاريخ «علي الخشخاش» صاحب محل الولاعات في شارع الشواربي الذي يدخن الحشيش جهارا نهارا، فإن كان حراما فهو يحرقه، وإن كان حلالا فهو يشربه . وهو من استطاع الزواج العرفي بالمضيفة «تاتا» التي لا تعطي قبل أن تأخذ، وهي من عرض عليها الزواج الرسمي فقالت جادة وساخرة في نفس الوقت «إنت راجل علي مزاجي، وما أقدرش أتجوز رسمي إلا واحد من الكبار» . وكان الكبير الذي تحكي عنه هو صاحب الشنب الدوجلاس الذي وفر لها ترقيات بغير حدود شركة الطيران، حتي بدت وكأنها الإمبراطورة المتوجة . وكانت تفرض عليه أن يعمل في خدمتها ويؤدي التافه من الأمور، بدعوي أنها تحتاج إلي الإحساس بحماية رجل، حتي ولو كان التافه من الأمور هو توصيلها بسيارته لمحل الكوافير ثم اصطحابها من محل الكوافير بعد تصفيف شعرها .
وحدث ذات مرة أثناء خروجها من محل الكوافير أن دارت بعينيها في المكان بحثا عنه، والتفتت لتجده أمامها واقفا ليفتح لها باب سيارته . وعلي طريقة الأفلام المصرية شاءت الظروف أن تدلف إلي محل الكوافير في تلك اللحظة السيدة لواحظ الأرملة المتزوجة عرفيا من هذا الرجل، فما كان من لواحظ سوي أن تسحب حذاءها ذا الكعب العالي المصنوع من الألومنيوم، وتنزل به علي رأس صاحبنا.
وهي تصرخ «يا ابن ال.. طلبت منك أكثر من مرة أن تعلن زواجنا رسميا، ولكنك كنت تقول لي: «أنك خائف علي صحة أمك».
ومن عجائب الظروف أني كنت أمر لحظتها أمام محل الكوافير، لأري صاحب الشنب الدوجلاس وهو يتلقي عقابه علي العبث العاطفي بامرأتين كل منهما قادرة علي أن تلعب بعشرة رجال من أمثاله . علي الرغم من نجاحه الشخصي باللعب بعشرات المئات من أصحاب المصالح والذين يأخذ منهم المعلوم والمجهول لينهي أعمالهم . وعن طريق تخليص حق السيدة لواحظ في استرداد قطعة أرض ورثتها عن زوجها الراحل تعرف عليها صاحب الشنب الدوجلاس، وقد فعل ذلك عبر معرفته بخفايا الاتحاد الاشتراكي أو الأحزاب التي تلته من بعد ذلك، وهي من راودته كي يتزوج منها عرفيا فتحتفظ بمعاش الزوج والعديد من المزايا الأخري التي يضمنها لها وضعها كأرملة .
وكانت تقبل منه حجته في عدم الزواج الرسمي منها بحكم خوفه علي صحة أمه الساكنة في أطراف حلوان . وهي الأم التي لا تكف عن الإلحاح عليه كي يتزوج من أي واحدة من قريباته، وكان يتهرب دائما من تلك الزيجات المدبرة وكان يرهب أمه بشكل غريب، فهي كناظرة مدرسة سابقة عرفت تزرع الرعب في قلبه منذ أن مات والده وهي من قامت بتربيته وسهرت الليالي كي يتخرج في كلية الحقوق، ومن كلية الحقوق إلي المركز الحساس، وكان يجد من الوقت ما يتيح له الدخول في علاقات طارئة من خلال عضويته في أندية مصر الجديدة . ففي النادي كان يلتقي بالأرملة لواحظ التي تملك عشر شقق مفروشة بداية من الزمالك ومرورا بجاردن سيتي ونهاية بمصر الجديدة، وزبائنها كلهم إما من أثرياء العرب وإما من أعضاء هيئات السلك السياسي للدول الأجنبية . وكانت ملابسها وبرفاناتها وباروكات شعرها كلها من محل الشواربي الشهير، وهو المحل الذي تزوره فتسمع الموعظة الدينية عن أسباب الهزيمة، وتفاصل في ثمن ما تشتريه . بينما من يقوم بالبيع لها هو ذلك الحشاش صاحب المحل الذي تموله تاتا _ بالبضائع القادمة من محل جاكوب الإسرائيلي الواقع في حي الأوبرا بباريس .
وكانت «تاتا» هي من قادته بعد عدة سنوات إلي التجارة الذهبية، تجارة العملة وجعلته صاحب مكتب شهير كتب عليه لقب «المهندس علي الخشخاش» وكأن لقب العائلة قد جاء من اسم زهرة الخشخاش التي يتنتج الحشيش .
قال صاحب الشارب الدوجلاس ذات ليلة لواحد من أصدقائه «عندما قبلت لواحظ فكرة الزواج العرفي ظننت أني سأمتنع عن غيرها من النساء، فهي تجيد شواء ريش اللحم الضاني المنقوعة في النبيذ، وتجيد الرقص الشرقي، وفوق كل ذلك لا تكلفني مليما واحدا في علاقتنا، لأن أمي هي من تتسلم مني المرتب أول كل شهر وتعطيني مصروف يدي . ولكن حين التقيت ب «تاتا» أيقنت أنها من صنف آخر من النسوان، فهي خليط من الدم التركماني واليوغسلافي، وهي من اعترفت بأنها متزوجة عرفيا من تاجر في شارع الشواربي، وصاحب محل استيراد وتصدير وتملك حق طلاقه لأن العصمة في يدها . وتصر علي ألا يقربها إلا بعد مرور عدتها من هذا الزواج، فعلي الرغم من أنها تستخدم أكثر من أسلوب للوقاية من الحمل، إلا أنها تعلم أن الحمل يمكن أن يخترق كل أساليب منع الحمل .
وبعد انتهاء عدة الزواج العرفي من المهندس علي الخشخاش، والذي هو لا مهندس ولا حاجة ولكنه تاجر يلعب بالبيضة والحجر . وهو من لم يندم كثيرا علي طلاقه منها .
وأصرت «تاتا» علي أن يكون زواجها من صاحب الشنب الدوجلاس في مكتب محامي، لأنها لا تضمن مكانته الوظيفية إن غدر بها في أي يوم من الأيام، علي الرغم من أنه سهل لها الترقيات في شركة الطيران إلي الحد الذي جعل مكتب رئيس الشركة يزدحم بالشكاوي ضدها، ولكن ربك والحق أنها في أحضانه كانت ترفعه إلي السماوات السبع . ولا يدري من أين جاءت بكل تلك الأنوثة التي تفيض حتي تكفيه وكلما تخيل أنه اكتفي؛ كان يغمره العطش لأحتضانها من جديد . فهي تختلف عن كل من عرف من النساء، هي خجولة في البداية، ثم تنفجر لتشارك الرجل فهي تعلم أن ممارسة العناق لعبة مشتركة لا لعبة يقوم بها الرجل بمفرده، وهي بذلك تختلف عن نساء الشرق، حيث تلعب المرأة دور الآلة التي تنظر العازف، لا لتشاركه صناعة موسيقي الحب، ولكن لتقدم له ما يستمتع به وحده، أما «تاتا» فهي ليست آلة، بل عازفة مثلها مثل من تحتضنه.
وكانت من الذكاء الحاد الذي جعلها تهمس له '' لا تظن أن السلطان يدوم لك في منصبك الحساس، لذلك فمن الأفضل أن تشتري أراضي بناء في مدينة المهندسين وأراضي في مدينة نصر، وأراضي في حي جليم بالإسكندرية وقصر أو اثنين من قصور كفر عبده»، وعندما سألها «ومن أين المال لكل ذلك» ؟ ضحكت قائلة: «المال أسهل شيء لمن كان في مكانك، فأنت تتحكم في العديد من أصحاب النفوذ وتستطيع الحصول علي أذون سيارات النصر، وأذون استيراد الشاي وتعبئته، وأذون من السلع التموينية، وكل إذن من تلك الأذونات له سعر في السوق . وإن خفت من الرقابة الإدارية وغيرها، فعندك أمك أطال الله عمرها يمكن أن تشتري باسمها ما تريد ولن يجري أحد وراء ناظرة متقاعدة من وزارة التعليم» . ولم يكذب خبرا . وصار يتاجر في تلك الأذونات .
وفي اليوم المحدد لاحتفاله معها بشراء قطعة الأرض العاشرة، طلبت منه أن يصحبها من عند الكوافير الأشهر في شارع الكوربة بمصر الجديدة، حيث تصادف أن كانت السيدة لواحظ سوف تصبغ شعرها عنده . ونزلت إلي الكوافير بعد أن تناولت معه الغداء في شقتها بروكسي . ولكنها فوجئت به يفتح باب سيارته ل «تاتا»، فما كان منها إلا أن تخلع الحذاء لتدق به رأسه أمام المارة . وكنت واحدا منهم بمحض الصدفة .
بعد ثلاثة أيام دق التليفون بمكتبي في صباح الخير، وكان الرجل الهام صاحب الشنب الدوجلاس هو الذي علي الخط، وقال لي إنه يشكر لي عدم نشر الواقعة في المجلة، فضلا عن أني لم أذع الخبر بين أصدقائي من كبار رجال الدولة، فقلت له «لولا ثقتي في أن رأسك ملفوف الآن بالشاش لما قبلت منك هذا الشكر، خصوصا وأني سأنشر تلك الواقعة في يوم من الأيام».
تدور الأيام لأجد صاحب الشنب الدوجلاس وهو يفتتح جمعية أهلية لرعاية الأيتام، وتقف بجانبه سيدة بها ملامح من جمال قديم هي السيدة ''«تاتا». وكان بجانب الإثنين رجل الأعمال المهندس علي الخشخاش، وبجانب الثلاثة الزوجة الجديدة لعلي الخشخاش ولم أندهش حين تبينت أنها السيدة لواحظ التي كانت أرملة ذات نهار قديم، وكانت متزوجة زواجا عرفيا من صاحب الشنب الدوجلاس . والذي توجد في رأسه بطحة ذات عمق يكشفه الحلاق كلما ذهب لتصفيف شعره أو لتسوية شاربه الدوجلاس ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.