متي تحولت المدارس إلي أوكار عصابات؟! يبدو أن الأمر استغرق وقتا طويلا ولكننا فوجئنا به كالعادة كما نفاجأ بأزمة السولار وأزمة البوتاجاز وأزمة معهد الأورام وغيرها! أهملنا قضايا التعليم الأساسية بعد أن تخلينا عن قضايا التربية تماما، وانفصلنا عما يجري في المدارس من إهمال وتخبط وفوضي وفساد، وانشغلنا بقضايا الكادر وتسرب الامتحانات وتغير الوزير.. حتي انفجرت أحداث العنف والطعن والقتل والاعتداءات الجنسية من قلب المدارس لتؤكد لنا أن ما يجري داخل المدارس أفظع بكثير مما كنا نتوقع. طالب في مدرسة إعدادية بالإسماعيلية عمره "21 عاما" تشاجر مع زميل له من مدرسة إعدادية أخري ثم أخرج "المطوة" وقتله.. هكذا ببساطة "تلاميذ إعدادي يحملون مطاوي ويختلفون ويحملون المطاوي ويقتلون". أهل القتيل قرروا أن يأخذوا حق ابنهم بأيديهم فتوجهوا إلي مدرسة التلميذ القاتل واقتحموها وأخذوه خارج المدرسة وانهالوا عليه بطعنات قاتلة في جميع أجزاء جسمه ونقل إلي المستشفي. نفس الحادثة هذه المرة في محافظة 6 أكتوبر.. طلاب في مدرسة ثانوية يلعبون الكرة فتحدث مشاجرة "حكاية تحدث كل يوم وتنتهي ببعض السباب وأحيانا التشابك بالأيدي" ولكن في هذه الأيام تخطينا كل الحواجز حيث أصبح العنف سلوكا معتادا بل طبيعيا، لهذا طعن الطالب "61 عاما" زميله "71 عاما" طعنة نافذة اخترقت الجانب الأيمن بسكين... والمصاب يرقد في المستشفي. في مدرسة أخري وأثناء "وصلة مزاح" في مدرسة بمدينة نصر بين ثلاثة تلاميذ ومدرس، دفع المدرس التلميذ "71 سنة" دفعة قوية ليسقط من الطابق الرابع ويصاب بكسور في الجمجمة وجميع أنحاء الجسد ليموت في المستشفي. ما نوع هذا المزاح الذي يسقط علي أثره تلميذ من الطابق الرابع؟! وما شكل هذا البناء المدرسي الذي لا يرتفع فيه السور ليحمي التلاميذ؟! قبل ذلك ضرب مدرس تلميذه بالشلوت في صدره فمات علي الفور ووصل الأمر إلي المحكمة ودخل المدرس السجن، كان ذلك في الإسكندرية. وتوالت حوادث الضرب في المدارس ودخل التلاميذ المستشفيات وظهر أولياء الأمور يبكون في الفضائيات. أغرب الحوادث كانت اقتحام ولي أمر "يعمل في القضاء" لمدرسة في الهرم مصطحبا ابنه ليشير له علي المدرس الذي قام بضربه والذي تصادف عدم وجوده.. كان ذلك أثناء طابور الصباح، فانقض الأب علي مدرس آخر وضربه أمام جميع تلاميذ المدرسة ومدرسيها ومديرة المدرسة، وعندما حاولت مديرة المدرسة إخفاء المدرس الآخر اقتحم ولي الأمر وأقاربه المدرسة وكسروا الباب بالسيارة وأكملوا مهمتهم. جرت بعد ذلك محاولات لإجبار المدرسين علي التصالح، رفض واحد ووافق آخر، وتنازلت المدرسة عن القضية ومازال التلميذ والمدرسان في المدرسة بعد معركة إهدار الكرامة أمام كل التلاميذ.. فمن منهم سيحترم مدرسه بعد ذلك؟! حوادث المدارس تنزل علي رءوسنا الآن كالصاعقة.. حيث فجأة انفجر بخار العنف المكتوم داخل المدارس وانكشف الغطاء عن واقع مؤلم الجميع مسئول عنه.. من أول الوزير حتي أصغر مسئول في التعليم.. ومن أول التلميذ مرورا بالآباء والأمهات.. حتي نحن مسئولون عما جري ويجري وما سيجري في المدارس بإهمالنا في أي خلاف بين المدرسة والأسرة وانشغالنا بالمشاكل المعتادة كالواجب المدرسي وامتحان الشهر وأعمال السنة والدرس الخصوصي. لقد تخلت المدارس عن عنصر التربية وتخلت الوزارة عنه وأصبحت وزارة للتعليم فقط، لكن أين هو التعليم في ظل فصل مزدحم لا يجد فيه التلميذ مقعدا؟! وفي ظل مدرس مهموم بمرتبه الضئيل يجري الامتحانات ليحصل علي كادر، وفي ظل منهج مختلف عن العالم وفي ظل عملية تعليمية وهمية تعرف فيها المدرسة أنها لا تقدم تعليما وإنما تلقينا وحفظا لأسئلة وأجوبة يدخل بها التلميذ الامتحان لينجح، ويعرف فيها الأهل أن الدرس الخصوصي هو الحل الأساسي وليس المدرسة؟! في ظل هذه الكذبة التي نعيشها ونسميها تعليما وفي ظل جو العنف الذي يسود المجتمع المصري وجو الإرهاب الذي يسود العالم، لابد أن يتحول التلاميذ إلي مجرمين صغار يحملون السكاكين والمطاوي ليأخذوا حقوقهم بأيديهم، وأن يتحول الآباء إلي رجال عصابات يقتحمون المدارس ليضربوا المدرسين، وأن يتحول المدرسون إلي فتوات يتفننون في ضرب وتعذيب التلاميذ. إن حال التعليم في مصر يحتاج إلي مناقشة جادة بعيدا عن المؤتمرات والمستشارين والكاميرات.. مناقشة يشترك فيها المجتمع بأكمله لأننا وصلنا إلي الدرك الأسفل.