دموع ساخنة انهمرت علي خدها عبرت عن مدي شوقها وحزنها علي زوجها الراحل الشاه محمد رضا بهلوي آخر شاه إيراني قبل اندلاع الثورة الإيرانية عام 9791. إنها الشهبانو فرح ديبا الزوجة والإمبراطورة الإيرانية الأخيرة التي كانت في زيارة سريعة للقاهرة وواكب ذلك إصدار كتاب يحمل مذكراتها.. وكان لقاؤنا بها بمسجد الرفاعي وهي تزور قبر زوجها المدفون بناء علي رغبته في مصر بجوار الملك فاروق.. لقاء انفردت به "صباح الخير"، وها نحن ننقل لكم خطوة بخطوة تفاصيل اللقاء. رحلة مع الذكريات - عندما وصلت إلي مسجد الرفاعي الموجود في منطقة القلعة لم تكن الشهبانو قد وصلت بعد، فدخلت إلي المسجد وتفقدته ثم صعدت إلي القاعة الملكية المدفون بها الشاه، وهناك داخل القاعة وجدت ضريحاً كتب عليه الشاه محمد رضا بهلوي باللغة العربية والفارسية وبجواره انتصب العلم الإيراني القديم والذي يتوسطه رمز للأسد بين سيفين، ورأيت في غرفة أخري بجوار غرفة الشاه ضريحين أحدهما للملكة فريال والآخر للملك فؤاد ثم غرفة ثالثة تحمل ضريح الملك فاروق. وفي أثناء تجولي علمت بنبأ وصول الشهبانو فرح، فقابلتها مع عدد من أئمة المسجد ومجموعة من القائمين عليه علي رأسهم الأستاذ السعيد حلمي عزت - مدير عام المنطقة ووجدتها أكثر بهاء وهيبة مما كنت أتصور، فرغم أنها تخطت عامها الستين لكنها في كامل لياقتها وجمالها حضرت من مقر إقامتها الموزع ما بين باريس وأمريكا لتزور قبر زوجها الراحل والذي توجها إمبراطورة لإيران لمدة تزيد علي عشرين عاماً، وفي منتهي التواضع ابتسمت لي وهي تعبر القاعة الملكية لتقف أمام قبر زوجها في لحظات أحسست وكأن الدهر قد توقف عندها، فها هي تنظر إليه وفي عينيها ما يطلق عليه علماء النفس (الحنين الحاد)، فلم تنتبه لأي شيء يدور حولها فقد كانت مستغرقة في النظر للضريح أثناء تلاوة أحد الشيوخ بعض آيات القرآن، وبعد قراءة الفاتحة تقدمت من القبر ووضعت عليه إكليلاً من الورد ونسقته بنفسها حول الضريح وأثناء ذلك سقطت من عينيها دمعة علي خدها ونزلت علي الأرض وقبلت القبر، وكأنها تحكي له عما حدث لها بعد فراقه، وبعدها أستأذنتنا الشهبانو حتي تجلس بمفردها ثم خرجت متوجهة إلي ضريح (العارف بالله سيدي علي أبوشباك الرفاعي) حفيد الإمام الرفاعي لتضع علي قبره إكليلاً من الورد أيضاً، وبعد ذلك توجهت إلي القبور الملكية لزيارتها ووضعت الورود عليها. وقد كنت ذاهبة إلي المسجد، ويملؤني إصرار وعزم علي التحدث معها، ومحاورتها لكن جلال وخصوصية اللحظة منعني من تحقيق رغبتي، فهيبة الموقف وخصوصيته أضاعا أي كلام من الممكن أن يقال في هذه اللحظات الإنسانية التي غلفها الشجن والشوق، مما جعلني أكتفي بتصوير هذا اللقاء فقط. - بعد ذلك خرجت الامبراطورة مغادرة بسيارتها بعدما أتمت الزيارة. من فتاة عادية.. إلي إمبراطورة - وبينما كنت أراقبها وهي تغادر تبادر إلي ذهني تساؤل وهو كيف لتلك السيدة بكامل أناقتها وتجسيدها لكل صفات الملكات كانت في الأصل فتاة من طبقة متوسطة، فقد ولدت فرح ديبا في تيريز شمال إيران لعائلة لاذرية، درست في المدرسة الفرنسية في طهران ثم درست الهندسة المعمارية في باريس تزوجت من الشاه محمد رضا بهلوي في 12 ديسمبر 9591، وكان عمرها في ذلك الوقت 91 عاماً، في حين أنه كان يبلغ من العمر أربعين عاماً وتعتبر الشهبانو فرح ثالث زوجاته بعد زوجته الأولي الأميرة فوزية أخت الملك فاروق وزوجته الثانية ثريا أصفا ندرياري إيرانية الأصل، ومع ذلك فإنها تعتبر الزوجة الوحيدة التي اختارها بمحض إرادته وأنجبت منه أربعة أبناء هم:- رضا بهلوي وفرح ناز وعلي وليلي. وعلي الرغم من أن فرح ديبا تعتبر من أكثر ملكات العالم التي قابلت قادة ورؤساء للعالم، ومع ذلك لم تتحدث كثيراً إلا عن الزعيم أنور السادات الذي منح للشاه الراحل حق اللجوء السياسي، ورفض طلب مجلس الثورة الإيراني الذي يقتضي تسليم الشاه لهم مراعياً بذلك كل الصفات الإنسانية. رحلة الحياة مستمرة وعندما تنظر للشهبانو فرح تري أنها شخصية محبة للحياة ومتفائلة فبالرغم من كل الصدمات التي تلقتها منذ اندلاع الثورة الإيرانية وقدوم زوجها إلي مصر ووفاته بالمستشفي العسكري بالقاهرة وحتي وفاة ابنتها الصغري لكنها وقفت صلبة لم تتأثر والذي أكد لي هذا هو تذكري لآخر سطرين كنت قد قرأتهما في مذكراتها باللغة الإنجليزية فقد قالت الشهبانو في الفصل الأخير من المذكرات: كأن الموت المأساوي لابنتها الصغري الأميرة ليلي لحظة مفجعة، أما غير ذلك فالحياة تسير سيرها العادي حياة الألم والمنفي التي تضيئها لحظات قصيرة عابرة من الأمل.. وإنها ربما تتمكن من رؤية إيران يوماً ما.