توقفت طويلا أمام هذه الصورة التي تصدرت الصفحة الأولي من جريدة الأخبار صباح الخميس الماضي.. الصورة للمصور البارع محمد مهران الذي التقطها لوجه نجيب ساويرس ودموع الفرح تغرق عينيه وتسيل علي وجنته.. بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بوقف قرار الهيئة العامة للرقابة الإدارية بالموافقة علي عرض الشراء الإجباري لشركة فرانس تليكوم لأسهم موبينيل.. وهكذا انتهت الجولة الأولي من هذا الخلاف بعودة موبينيل إلي حضن نجيب ساويرس الذي عاش الأزمة بكل أعصابه، وعندما صدر الحكم لصالحه لم يتمالك نفسه.. بكي.. وهتف للقضاء.. وهتف حبا لمصر قائلا: دي بلدنا.. وقاعدين فيها ومش خارجين. وهي عبارة توجز حجم التحديات والمكائد التي واجهها نجيب ساويرس حتي انتصر بحكم القضاء وعادت ابنته موبينيل إلي حضنه! وهو فعلا يستحق أن يفرح.. وأن نفرح معه كابن مصري أصيل.. رجل أعمال مجتهد. لم نسمع عنه ما يشين سلوكه.. ولم ينفق ملايينه علي اللهو والعربدة.. بل استثمر ثروته في مشاريع داخل مصر وخارجها وفتح أبواب العمل لعشرات الآلاف.. ودفع حق مصر من الضرائب.. وله دور بارز في الخدمة الاجتماعية ومشروعات التنمية.. ومن قبيل المصادفة أن تنشر جريدة الأخبار في نفس يوم إعلان الحكم بعودة موبينيل إلي حضنه خبرا كبيرا لاحتفال مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية بتخريج أولي دفعات مشروع تأهيل المكفوفين لسوق العمل وعددهم 06كفيفا وتوظيف أحد المكفوفين بشركة أوراسكوم. وقبل ذلك بيومين.. كان هناك احتفالية رائعة لمؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية في المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية لتوزيع جوائز ساويرس الثقافية لعام 9002 (الدورة الخامسة) عن أفضل عمل روائي ومجموعة قصصية وسيناريو سينمائي وأفضل نص مسرحي. جهد دءوب لايبغي شهرة.. وإنما يعطي النموذج العملي الصادق للخدمة الاجتماعية والثقافية. وإن لم ألتق شخصيا بنجيب ساويرس إلا من خلال لقاءات عابرة سريعة في بعض المناسبات العامة. لايعرفني.. ولم أتحاور معه.. ولكن تشكلت معرفتي به من خلال حواراته التي كان يجريها علي شاشة O.T.V مع عدد من الكتاب والمثقفين.. ومن خلال هذه الحوارات تبينت لي خريطة هذا الرجل الذي يملك الملايين.. ولكن يتعامل ببساطة من يملك الملاليم بعزة نفس وحكمة أولاد البلد وضمير وطني أصيل. وإذا كان هناك من تجربة شخصية تستحق التسجيل.. فقد شاركت علي مدي ثلاث سنوات في لجان تحكيم جوائز ساويرس الثقافية والتي تقام سنويا في فروع الفن والأدب.. شاركت كناقد سينمائي لاختيار أفضل نص سينمائي (سيناريو) للمؤلفين الشباب تحت سن الأربعين، وتشكلت لجنة التحكيم من خمسة أعضاء: المخرج سمير سيف، والمخرج محمد كامل القليوبي، والفنان صلاح مرعي والناقد عصام زكريا.. وكاتب هذه السطور، وتوزعت بيننا حصيلة السيناريوهات التي تدفقت علي اللجنة والتي وصل عددها إلي 79 سيناريو (هذا بالنسبة لشباب السينمائيين. بينما هناك لجنة أخري لكتاب السيناريو الكبار سنا وصل عددهم إلي ثمانين سيناريو)! وامتلأت حجرة مكتبي بنسخ السيناريو المطلوب قراءتها.. وفاضت النسخ إلي باقي حجرات المنزل في زحام الكراتين والصنادق التي أثارت غضب زوجتي لهذه الفوضي التي اجتاحت المنزل، ولكن كانت سعادتي باكتشاف أفكار وطموحات جيل جديد من الكتاب يحاول التعبير عن أحلامهم بسينما مختلفة.. وكانت المعضلة في اختيار نص واحد يستحق جائزة الثمانين ألف جنيه لأفضل سيناريو من جيل الشباب. علي الجانب الآخر.. كانت هناك لجان أخري للتحكيم لأفضل سيناريو من جيل الكبار سنا. وجائزته مائة ألف جنيه، بالإضافة لأفضل عمل روائي وأفضل مجموعة قصصية وأفضل نص مسرحي بمجموع جوائز وصل إلي نصف مليون جنيه.. في سابقة تعد الأولي من نوعها لدعم الثقافة والفن في مصر من خلال مؤسسة وطنية تدعمها أسرة مصرية هي أسرة ساويرس.. وبحرية كاملة لأعضاء لجان التحكيم وبدون تدخل من أحد أو أي شبهة في التفرقة الدينية. ولكن الهدف واضح ومحدد ومعلن لخدمة الثقافة والفن.. بالإضافة إلي أدوارها الأخري في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.. وحبا في مصر. ولهذا عندما يبكي أحد أفراد هذه الأسرة.. حتي ولو كان البكاء فرحا.. فإن هذه اللحظة تستحق التوقف عندها.