''أرذل العمر'' هو وصف في القرآن الكريم ، وصف به الله سبحانه وتعالي العمر حينما يتقدم بالإنسان فلا يعلم من بعد علم شيئا . جاء هذا الوصف من قبل اكتشاف مرض''الزهايمر'' أو خرف الشيخوخة الذي فشل الأطباء في التوصل لعلاج له وهو سيف قد يسلطه الله علي أي منا عند الكبر والعياذ بالله. ولأن الكبر مرحلة كثيراً ما يكون فيها الإنسان متعِبا لمن معه، فقد وضع القرآن الكريم آداباً ليتعامل بها الأبناء مع الآباء خلال تلك المرحلة، وهي آداب وردت عبر آيات يقرؤها معظمنا دون التوقف عند عمق النصائح فيها، فلقد أمرنا الله سبحانه ''وَقَضَي رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا''. هي نصائح تتعلق بالجانب النفسي ، فالقرآن الكريم لم يأمر بطريقة معينة لرعاية الآباء جسديا أو طريقة خدمتهم عند الكبر، حيث ترك المسألة مفتوحة، إنما تركزت النصائح علي الرعاية النفسية. فأول نصيحة أو أمر في الآية للأبناء عندما يكبر عندهم الآباء هي ألا يقولوا مجرد كلمة ''أف''، أي ألا يبدي الأبناء الزهق من وجود الآباء بأعبائهم عند التقدم في العمر، ويبدو أن دواعي هذا الأمر هي ليست فقط من باب الأدب، إنما أيضا لأن إبداء التضرر أو إظهار الامتعاض من الاضطرار لتحمل طلباتهما هي سلوكيات تزيد من حالة الخرف التي تبعث بكبار السن للجوء إلي غير الواقع يبتغون في الخيال أو الوهم ما يستريحون إليه فيه. أما النصيحة أو الأمر الثاني فهو ألا نتفوه بكلمات للتوجيه تتضمن قدرا من النهر''وَلَا تَنْهَرْهُمَا''. لماذا لفت الله سبحانه وتعالي أنظار الأبناء إلي ضرورة ألا ينهروا الآباء عند الكبر، لأنه يعلم مالانعلم، مثال لذلك ما توصل إليه العلم مؤخرا حول أن مريض ''الزهايمر'' عادة ما يشتم المحيطين به دون تمييز وربما يؤدي هذا إلي حرج اجتماعي للأبناء مما قد يدفعهم إلي احتمال أن ينهروا الأب، لكن القرآن الكريم ينبهنا إلي عدم نهر الآباء عند الكبر، وهي النصيحة نفسها التي ينصح بها العلماء كل من يتعامل مع مرضي الزهايمر، حيث أشاروا إلي أن أفضل طريقة للتعامل مع الكبار حين يسبوا أو يشتموا هي التجاهل أو تغيير الموضوع. وإذا كان القرآن الكريم لم يكتف بتوجيه النصيحة أو الأمر للأبناء بألا ينهروا الآباء بل تجاوز ذلك بالنصيحة للأبناء ''وقل لهما قولا كريما''، فإنها النصيحة ذاتها التي تتضمنها نصائح العلماء الخاصة بالتعامل مع مرضي الزهايمر باعتبار أن الكلمة الطيبة ترفع من روحه المعنوية حيث يصبح مثل الطفل الذي يسعد بكلمات الثناء وتبعث فيه حالة من الاطمئنان. وتتواصل النصائح أو الأوامر فتتضمن ضرورة الحنان إلي درجة من درجات الذل الذي لا يرفع عيناً ولا يرفض أمرا ''وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ''. ''وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً'' فنتذكر أنهما اليوم مثلنا عندما كنا أطفالا نحتاج إلي الرعاية وأيضا إلي الحنان. أما الآية التالية لهذه النصائح ففيها شكل من أشكال الرفق بالأبناء ، فالله عليم بأن رعاية الكبار هي عبء قد يحتاج من يقوم به إلي أن يئن أحيانا بما يجعله قد يخطئ في حق الآباء، إلا أن الله الحليم قد جعل باب توبة الأبناء مفتوحا لإصلاح ما قد يقترفونه دون قصد في حق الآباء . فقد جاء في الآية التي تتبع النصائح ''رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا''. فالله يطمئن الأبناء إلي أنهم إذا صدرت منهم زلة بحق أحد الوالدين بينما هم بداخلهم لا يضمرون عقوقا لهما فإنه أعلم بما في داخلهم، بالتالي هو يغفر لهم إذا كانوا أوابين، أي إذا عادوا للحرص علي الالتزام بأوامر الله المتعلقة بآداب التعامل مع الوالدين طاعة لله سبحانه.