خلال أسبوع واحد صادفت نموذجين لفتاتين رغم اختلافهما الشديد على المستوى الشخصى والعقلى والمهنى وحتى العمرى، إلا أن هناك شيئا واحدا مهما وخطيرا يجمعهما.. أو بمعنى أدق مشترك بين قصة كل منهما. إحداهما حائرة فى اختيار شخص تقدم لخطبتها والأخرى متألمة وموجوعة بعد انتهاء قصة ارتباط عاطفى. المشترك بين الفتاتين هو «التسرع» وعدم ترتيب الأولويات فى اختيار شريك الحياة. أصعب سؤال يوجه إلىَّ هو: «رأيك إيه؟!» وتزداد صعوبة السؤال إذا كان الأمر متعلقاً بقرار مصيرى مثل الزواج وتتضاعف الصعوبة إذا كانت السائلة فتاة قليلة الخبرة، متسرعة تريد الزواج وتعتبر أن فرص الزواج قليلة وغير متوافرة وعليها أن تختار وتقبل وفق المتاح من الفرص.. بصرف النظر عن أحلامها وتصوراتها عن شريك الحياة الذى تتمنى أن تقضى معه عمرها ومستقبلها. الفتاة الأولى- 24 سنة- مهندسة: «تقدم لخطبتى شاب يكبرنى بخمسة أعوام ويعمل طبيب أسنان، وقد أعجبنى تفكيره ومعاملته وتلقائيته وارتاح قلبى له أثناء المرتين اللتين تقابلنا فيهما، لكننى عرفت أنه لا يصلى أو بمعنى أدق غير منتظم فى صلاته، وهذه مشكلة بالنسبة لى، فلا أتصور أننى أتزوج من شخص غير منتظم فى الصلاة، والحقيقة أننى خائفة من الرفض وتضيع الفرصة، فماذا أفعل.. رأيك إيه؟ رغم حساسية المناقشة فى هذا الموضوع.. تعمدت أن أختار ألفاظى بدقة مع المهندسة رضوى.. فقلت لها: «وماذا عن رأيك أنتِ؟!».. فقالت: حائرة جداً. قلت: ما سأقوله لك لا يعبر سوى عن رؤيتى الشخصية ولا تعتبرينه رأياً تأخذين به، بل أحاول أن أفكر معك وأطرح معك أفكاراً ورؤى مختلفة تساعدك فى معرفة «ماذا تريدين؟!» أنت كفتاة عليك أن تحددى أولويات اختياراتك فى الشخص الذى تريدين الزواج منه، أنت صاحبة الرأى الأول والأخير فى تحديد تلك المواصفات ولا أحد سواكِ. لكن هل لديك معلومات أو تمكنت من معرفة وفهم شخصية ذلك العريس، هل عرفت أفكاره ونظرته للحياة؟ هل تناقشت معه عن عملك، عن طموحاتك، عن رأيه فى الشكل المثالى للعلاقة الزوجية، عن المشاركة فى الحياة، هل لاحظت طريقة تعامله مع عائلته، هل راقبت سلوكه فى التعامل مع البسطاء فى الشارع؟ هل كونت انطباعاً عن شخصيته؟! هل هو رجل مستقل؟ مسئول؟ قادر على تحمل المسئولية؟ طموحاته؟ حبه لعمله؟ نظرته للمجتمع وماذا يريد أن يحقق؟ ما الذى يعجبه وما لا يعجبه فى الفن هل عرفت أى الرياضات يمارس وأى الفنون يحب؟ هل عرفت اهتماماته فى الحياة؟ هل تعرفت على نوع القراءة التى يقرأها؟ هل تمكنت من تكوين صورة ولو مبدئية عما إذا كان شخصاً عقلانياً أم عاطفياً؟ هل شعرت أنه متزن ومتوازن أم متسرع وهوائى؟ هل شعرت بأنه كريم أم بخيل؟ هل حكى لك عن طفولته وعن هواياته؟! هل عرفت إذا كان شخصاً اجتماعياً ولديه أصدقاء أم أنه يفضل الانطواء؟! هل تبادلتما الحديث حول مصر ومعنى الوطن؟ هل سافر إلى الخارج من قبل؟ ما الذى يعجبه فى الخارج وما الذى يعجبه فى مصر؟! أين يحب قضاء الإجازات وكيف يقضيها؟! ما هى أحلامه؟ ما هى مخاوفه؟! هل تحدثتما فى الدين بصورة موسعة فعرفت أفكاره، هل هو متدين أم مؤمن؟ كيف يفكر فى الله؟! هل تطرقتما لكل هذه الأحاديث وتوصلت إلى معلومات وفهم تام عن شخصيته لكى تتحدثى عن الزواج؟! قالت لى الفتاة: «خالص».. الحقيقة أن كلامنا كان أبسط من كل هذا، فقد حكى لى عن أسرته وطبيعة عمله، وأنا فعلت نفس الشىء ربما لأن الوقت لم يكن كافياً لمعرفة كل هذه التفاصيل. وهنا التقطت ما قالته رضوى: بالفعل.. الوقت ليس كافياً.. لذلك حديثك وسؤالك المباشر له عن الصلاة هو أمر متسرع والحقيقة أنه غير لائق «وهذا رأيى الشخصى».. لأنك تسألينه عن علاقة خاصة بينه وبين الله سبحانه وتعالى. وخوفاً من أن تفهمنى الفتاة بشكل خاطئ.. أكدت أنه جميل لو اجتمعت الصفات الحسنة التى تتمناها فى شريك حياتها، وكذلك اكتملت هذه الصفات بعلاقته الرائعة مع الله وأن يكون متديناً مراعياً لله فى معاملاته مع الناس، وفى عباداته أيضاً.. وقلت لها: مهم أن يصلى المرء، ولكن الأهم أن تكون أخلاقه متسقة مع صلاته ومع سجوده لله عز وجل.. فأى النموذجين تفضلين. رجل لا يحترمك ولا يحترم عملك وليس حنوناً أو رومانسياً ولا يشاركك أفكاره وأحلامه لكنه منتظم فى صلاته، أم شخص تلقائى طيب وديع محب لك، يحترم عملك، مهتم بك ومسئول معك فى صنع حياة زوجية طيبة، لكنه غير منتظم فى صلاته؟! أجابتنى بمنتهى الحسم: بصراحة.. النموذج الثانى هو الأفضل. ثم واصلت: لكن الصلاة مهمة. وأكدت مراراً على مقصدى: لم تصدر منى كلمة واحدة تقلل من قيمة الصلاة.. لكنها عبادة لله.. وحده، والله وحده هو الذى يحاسبنا على تأديتها أو عدم تأديتها، هى فرض لله عز وجل وليس لك. لهذا عليك أن تحددى أولوياتك وفق أفكارك ومنطقك وقناعاتك. لو كنت تعتبرين أن الصلاة وحدها دليل قاطع على كون الإنسان صالحاً أم لا فارفضى ذلك الشاب وأريحى نفسك من هذا القلق؟ أما إذا كنت مقتنعة أن الصلاة مهمة.. ولكن الحكم على «البنى آدم» يتطلب معرفة جوهره أكثر من الاكتفاء بمظاهر تدينه كصلاة وصوم.. وهى أمور لله عز وجل.. فاعطى نفسك فرصة كافية لمعرفة إنسان ستعيشين معه الحياة، وربما تكتشفين أنه غير صالح كزوج أو تكتشفين أنه الرجل الذى تتمنى استكمال حياتك ومستقبلك معه، ولكن حددى أولويات اختياراتك أولاً.. واعرفى «ماذا تريدين»؟! الفتاة الثانية.. هى نموذج مختلف تماماً.. فهى تكبر الأولى بحوالى عشرة أعوام خبرتها فى الحياة العملية أكثر وأكبر.. ولكن ربما شعورها بتخطى الثلاثين جعلها تفكر أن عليها الاختيار سريعاً والقبول بما هو متاح، فارتبطت بشخص كانت تعرفه فى العمل منذ خمسة أعوام، وتقابلا بعد هذه السنوات الطويلة، فإذا به فجأة يعرض عليها الزواج، والمدهش أنها رفضت وبعد إلحاح- غير مبرر منه- دام لمدة أسبوعين وافقت الفتاة وقبلت الزواج منه على أن يتم ذلك بعد خمسة أشهر، وعاشت مايسة أجمل فترة دامت شهرين.. ثم تحول الأمر وتحولت مشاعر هذا الشاب الذى تعامل معها بمنتهى التجاهل وعدم الاهتمام واللامسئولية والاستهتار فى العلاقة، لدرجة أنه كان يمر أكثر من أسبوع دون أن يتصل بها للاطمئنان عليها، وإذا عاتبته اتهمها بأنها نكدية ومثيرة للمشاكل قائلاً: «أنا لى حياتى وحريتى وما باحبش التقييد.. أمال بعد الجواز حتعملى إيه؟!» كانت هذه الجملة هى جملة الاستنكار الدائمة، والتى جعلت مايسة ضاغطة على أعصابها متحملة حتى لا تتهم بالتقليدية، أو أنها تريد الزواج فقبلت هذه المعاملة حتى قال لها فى النهاية: «لا يمكننى الزواج منك.. نحن مختلفان.. أنت تريدين علاقة تقليدية، وأنا شخص يحب الحرية وأكره النمطية»!! تقول مايسة: «أشعر بالألم والوجع والخديعة، كيف تبدلت المشاعر، لقد كان يبكى وهو يلح علىَّ لقبول الزواج منه.. كيف يتغير فى أقل من شهرين؟! رغم قسوة كلامى.. إلا أننى قلته: «عندما يصر الرجل على الزواج من فتاة لم يعرفها سوى فى مجال العمل، ولم تكن العلاقة وطيدة ويريد الزواج منها بمجرد مقابلته لها بعد خمسة أعوام، فهذا يدل على عدم نضج وتسرع.. وعندما تقبل الفتاة الزواج بهذه الطريقة.. وتوافق لمجرد أن هناك شخصا ألح عليها فى طلب الزواج ولأنها تريد أن تلحق بقطار الزواج، فهذا خطأ فادح ارتكبته مايسة فى حق نفسها. عندما تتجاهلين معاملته السيئة لك.. عدم احترامه.. تعمده للتجاهل.. عندما تلاحظين كل هذا التغير وتقبلين الاستمرار فأنت من أغمض عينيه عن الحقيقة وبمنتهى التعمد.. لقد ذكرت أنك كنت واعية لمدى الفجوة المتسعة بين نمط شخصية كل منكما ونظرته للحياة، ومع ذلك فقد واصلت الاستمرار فى العلاقة، وكأنك تتحدين نفسك وتراهنين على إنجاح العلاقة وهى مسألة لا علاقة لها بالمنطق السليم فى اختيار شريك الحياة. أنت تسرعت ولم ترتبى أولويات احتياجاتك فى اختيار شريك الحياة. ولكن.. هذه هى الحياة.. لا نتعلم منها.. ولا نفهم أنفسنا واحتياجاتنا فيها إلا بالتجربة.. وكم من التجارب تكون مؤلمة.. لكنها مؤثرة .. ولعلنا نتعلم ونفهم.. ونكتشف.. ماذا نريد!!