لم تمر أحداث بمصر منذ قيام ثورة 25 يناير أسوأ وأفظع وأبشع من أحداث مذبحة بورسعيد التى أدمت أعيننا وقطعت قلوبنا وخلعتها وأوجعتها وجعا شديدا من قسوة الألم. وللأسف فإن ما حدث فى بورسعيد ببشاعته ليس إلا حلقة فى سلسلة متواصلة ومنظمة من إحداث الفوضى ومحاولة إشعال وإحراق هذه الأمة.. حتى يصل الأمر إلى أن يقتل المصريون إخوانهم المصريين.. وهذه هى الطامة الكبرى التى لا نريد أن نصل إليها لأن حرمة الدم المصرى أصبحت مستباحة.. ليس بأيدى أعداء الوطن والخونة والمتآمرين ولكن نتمنى ألا تصل لتكون بأيدى المصريين أنفسهم. لقد حاول المتآمرون والذين لايريدون بهذا البلد خيرا أن يقسموا النسيج المصرى ويمزقوه.. حاولوا عندما تحولنا إلى طرفين.. شرطة وشعب.. وحاولوا عندما تحولنا إلى مسلمين وأقباط.. وحاولوا عندما تحولنا إلى جيش وشعب بعد أن كان الشعب والجيش إيد واحدة.. وأخيرا يلعبون على المنطقة الآمنة التى تسعد قلوب المصريين وترفه عنهم وهى الكرة. لكن المسألة لمن يعى هى أبعد من هذا كله.. أبعد من مجرد مباراة كرة قدم.. أو شغب ملاعب.. فالذى يلاحظ تتابع وتواتر الأحداث السابقة ومنذ قيام الثورة يتأكد أن الأيادى الخفية تلعب فى منطقة نسيج هذا الشعب وتريد تقطيع أوصاله حتى يتمزق هذا النسيج.. ومن ثم تنهار الدولة كلها. الأيادى الخفية تسعى إلى وجود أكثر من كيان واحد داخل الدولة الواحدة، وكل كيان قائم بذاته.. والأحداث الفردية والجماعية تأخذنا وتسير بنا فى هذا الاتجاه لنستكمل سيناريو الفوضى التى توصلنا إلى طريق الانهيار الكامل. فما يحدث من انقسام بين القوى الثورية وبعضها البعض وتحويلها إلى ليبراليين وإخوان وسلفيين.. وما يحدث من انقسام بين عنصرى الأمة المسلمين والأقباط والتى تطفو على السطح ما بين الحين والحين.. وما يحدث من حوادث فى سيناء بمن يخطف ويهرب ويعتدى ويفجر معتمدا على أن سيناء منطقة معزولة.. ويتحدى هيبة الدولة، ثم ما يحدث فى الصعيد وبالتحديد حادث إسنا الخطير، وغيرها وغيرها من أحداث يصب هذا كله فى إناء واحد.. وهو هدم الدولة المصرية.. وسينجح ذلك إذا لم يتم الضرب بيد من حديد على كل من يتسبب فى هذه الأحداث.. وكفانا مفاوضات وتفاوض وطبطبة حتى لو كانت مطالبهم مشروعة فهيبة الدولة على المحك.. وكيان الدولة فى خطر. لذا فإن ما حدث فى بورسعيد لايحيد بأى حال من الأحوال عن هذه الأحداث وهذه المؤامرات، وهو بالطبع أمر مدبر لم يأت عفوا ولا جاء نتيجة تعصب أعمى.. واحتقان.. صحيح أن الجماهير انساقت وراء الجناة الحقيقيين فى المذبحة.. لكنهم نزلوا الملعب فقط مثل كل النازلين ولم يشاركوا الجناة فيما حدث.. لكن الأسوأ والأمر.. أننا شاهدنا قوات الأمن التى عليها أن تحمى الأرواح وتؤمن الجماهير تشاهد وتتفرج وكأن الأمر لا يعنيها.. أو إنه لا حول لها ولا قوة . إن ما يؤكد أن الأمر مدبر ومتعمد.. وأنه حلقة فى سلسلة المؤامرة أننا مررنا بأحداث رياضية كثيرة حدثت فيها تجاوزات وتعديات من الجماهير الغاضبة المحتقنة المتعصبة.. لكنها لم تصل إلى هذه الدرجة من القتل المتعمد مع سبق الإصرار والترصد.. وفى النهاية هذه الأحداث لم تكن تخرج عن كونها شغب ملاعب.. وحتى عندما كنا فى السودان نلعب مباراة الجزائر الفاصلة والشهيرة.. وعشنا ليلة مرعبة.. لم ترق الأمور إلى هذا الحد من الرعب الذى شاهدناه فى استاد بورسعيد... ولم نر شيئا طوال تاريخنا أبشع مما حدث فى بورسعيد؟! لقد عشت وعشنا جميعا كمصريين أياما سوداء وتقطعت قلوبنا ونحن نرى ونسمع عن ضحايا هذه المؤامرة الدنيئة وكأن الدم المصرى الحرام أصبح حلالا ومستباحا وكأن أرواح أبنائنا وشبابنا رخيصة إلى هذا الحد.. ونتساءل جميعا: بأى ذنب قتلوا؟! لقد سقط من قبل ضحايا كثيرون على مدى العام الماضى ضحايا للثورة أمام مسرح البالون وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء سقط أبرياء كثيرون فى هذه الأحداث واحتسبناهم شهداء عند الله.. ومع ذلك كان الموت هناك وسط هذه الظروف متوقعا ومن المنطقى أنه فى وسط هذه الصدامات أن يكون هناك ضحايا ومن الجانبين ضحايا من الثوار.. وضحايا من الشرطة والجيش وأيضا ضحايا وشهداء.. لم يفعلوا شيئا سوى أنهم تواجدوا هناك.. كلهم أبناؤنا وكلهم مصريون. لكن ما حدث فى بورسعيد أمر مختلف ولا مبرر له على الإطلاق فقد كان الأمر أشبه بنزهة كروية لمشاهدة مباراة كرة القدم وهل نمنع أولادنا حتى من تشجيع فرقهم؟! لقد ذهبوا جميعا وراء فريقهم الأهلى الذى يحبونه ويشجعونه ويغنون له ويهتفون باسمه.. وهم يعلمون فى النهاية أنها مباراة فى الكرة غالب ومغلوب.. دون أن يدرى أى منهم أو من أهاليهم المكلومين أنهم سيعودون إليهم جثثا فى توابيت ويستلمونهم من المشرحة.. استغفر الله العظيم.. فلكل أجل كتاب ولكن لو كان هؤلاء سقط بهم مدرج أو راحوا ضحية حادث أتوبيس أو قطار.. لقلنا أن ذلك قضاء وقدر، ونحن نؤمن بالقضاء والقدر.. ولا راد لقضاء الله.. لكن ما حدث غير ذلك.. لذا كان من الطبيعى جدا.. ومن المتوقع أن كل من له ابن أو أخ أو قريب أو صديق أو زميل مات فى مذبحة بورسعيد أن يطالب بالقصاص.. وما يحدث أمام وزارة الداخلية لهو صرخة ألم تخرج من أفواه المكلومين فى أبنائهم وزملائهم الذين ماتوا دون ذنب اقترفوه. إن أهم ما يجب أن نحققه فى هذه الفاجعة.. ونجفف به دماء الشهداء هو القصاص العادل وشنق الذين تورطوا فى هذه المذبحة بعد محاكمتهم محاكمة عادلة وسريعة ويكون تنفيذ الحكم فى ميدان التحرير.. ميدان الثورة حتى تهدأ أرواح الشهداء.. وتنطفئ نار الغضب العارم التى تسود المصريين الآن.. وكذلك حتى نغلق الباب على كل من تسول له نفسه أن يعبث بأمن واستقرار هذا البلد مرة أخرى.. وأن نسير فى طريقنا نحو تحقيق الديمقراطية وإعادة بناء مؤسسات الدولة مرة أخرى على أساس سليم.. وقتها ستكون دماء وأرواح هؤلاء الشهداء لم تذهب سدى.