أصعب ما مر على حياتى خلال الأيام الماضية، هو وصول تلك الرسالة لى عبر التليفون المحمول «البلد دلوقت عامله زى واحد أخرس بيقول لواحد أطرش إن فيه واحد أعمى شاف واحد مشلول بيجرى ورا واحد أقرع وبيشده من شعره». طبعا يمكن لأى إنسان أن يغلى الدم فى عروقه حين يصل تصوير حالنا إلى هذا الدرك الذى حفره مبارك وحقبة حكمه، ويواصل الجهل النشيط - بقيمة التواضع - عملية تهديد الجميع للجميع، البرادعى بكل ما يملك من علم وحنكة، تجاهل ما طرحه فى أول أيام دعوته لتغيير نظام الحكم، حين طالب بتغيير العقيدة القتالية لوجودنا الحيوى، فنعتبر أول أولياتنا هو مقاومة الحرب الأهلية، وتجاهل ما كان يخفيه من أجندة سياسية لمستقبل هذا البلد وتفرغ للقتال من أجل محاولة الوصول إلى مقعد الحكم بأى ثمن، حتى ولو كان الثمن هو ذلك الذى رأيناه على الساحة من تنافر، وآه من نقد البرادعى فى مصر المحروسة، فقذائف من السخائم تنصب على أى ناقد، تماما مثل قذائف السخائم التى يتنابذ بها كل فرقاء السياسة المعاصرين. بطبيعة الحال لم يكن هناك من يرفض تغيير نظام حكم مبارك، ولكن كان هناك المستفيدون المتربصون بكل ما يمكنهم من استرداد ما صرفوه من أجل مواصلة رحلة النهب العلنى لمصر وقدراتها، وبعض منهم موجود خلف القضبان حاليا، والبعض الآخر مازال يحول أحلام المواجهة مع إسرائيل إلى تجارة للرعب والعبث بمقدرات الوطن كله، حين تم الاعتداء على سفارة إسرائيل لا لأن إسرائيل دولة صديقة، ولكن لأنها خصم يملك قدرة هائلة على ترتيب أوراقه فى الساحة السياسية الدولية، وحين نزغرد لنزع علم من أعلى مبنى، نتجاهل ضرورة تعديل كامب ديفيد بأن نرسم لأنفسنا خريطة تنمية سيناء والصحراء الغربية، ونرتقى بالتعليم والصحة والمسكن، ليكون العلم المصرى مرفوعا على خريطة قادرة على صناعة وحماية مستقبلها. وحين خرج تيار الإسلام السياسى من معسكر القهر الذى عانى منه طويلا، رفع الجميع شعار «الدولة الإسلامية»، وكأن القاهرة وحدها ليس فيها ألف مأذنة، وكأن الدين قد ضاع من مصر، وإذا ما قام التيار الإسلامى بالتظاهر المرعب ضد المثقفين المصريين، فهو قد تناسى الجملة الأخيرة التى نطق بها حسن البنا بعد أن أسس تنظيمه الخاص للاغتيال وبعد أن امتد استخدام الجماعة للعنف المسلح إلى حد اغتيال البشر، قال حسن البنا «لذلك خلق الله الندم»، قالها قبل اغتياله فلم يكن هناك وقت للندم أو المراجعة أو النقد الذاتى الذى يؤسس أسلوبا معاصرا لحياة المصريين معا. ولم يمارس التيار الإسلامى فضيلة نقد الذات أو دراسة الواقع كما نحن عليه وأن يطرح أسلوبا مقبولا من عموم المصريين للحياة معا، ولعل أول بشائر الحكم الإسلامى هو ما قام به أحد أبناء رئيس حزب الإخوان عندما صرخ فى ضابط المرور بالزقازيق «أنت مش عارف أنا ابن مين فى البلد دى؟» وكأن ابن رئيس حزب الإخوان قد وضع أول أقدامه على سلم صعده من قبل جمال مبارك فوصل به إلى قفص الاتهام بكل تلك القضايا التى تحتاج حكما سياسيا بالإعدام قبل أى حكم آخر. وإذا أضفنا ما قاله ابن رئيس حزب الإخوان إلى ما سبق وأعلنه صبحى صالح القيادى المهم الذى أراد تفوقا نازيا لجماعة الإخوان المسلمين، حين نادى بزواج الإخوانى من شابة إخوانية، ولن أنسى أنا كاتب هذه السطور ما حييت ما قاله لى ابن عم أبى وهو قيادى سابق بالإخوان ذهب إلى رحاب الله منذ سنوات «عضو الإخوان المسلمين هو المسلم، أما من هم خارج هذه الجماعة فليسوا كذلك، وختم قوله هذا بالدعاء لنفسه «اللهم أمتنى على دين الجماعة». ولن أتحدث عن السلفيين لأننا نريد أن نعرف من منهم وصلته حقائب ممتلئة بالدولارات أو الجنيهات، وهو ما يملك بعضا من تفاصيله جهات التحقيق والتى نحلم بأن تكشف عما لديها من معلومات، سواء أكانت تلك المعلومات تخص السلفيين أو تخص من دربتهم مؤسسة فريدوم هاوس التابعة للمخابرات الأمريكية فى صربيا، وهل ستكشف أوراق التحقيق عن مناضلة ملأت الدنيا ضجيجا بأن مظاهرة العباسية مساء22 يوليو 2011 هى مظاهرة سلمية، بينما وجد على شاشة الإنترنت دعوة من تيارها يطلب صفع القوات المسلحة فى ذكرى ثورة يوليو لتزيل عن مصر آخر ورقة توت تقيم بنيان دولة اسمها مصر. فلولا القوات المسلحة لسال الدم أنهارا من يوم28 يناير ولم يكن مسلسل الدم قد انتهى حتى كتابة سطورى تلك، ترى هل ستكشف أوراق التحريات ما يقول أن المذكورة قد اشترت شقة فى مصر الجديدة بما يزيد على مليون جنيه، وأن زميلتها المناضلة الأخرى قد اشترت عربة «بى. إم. دبليو» بما يقل قليلا عن المليون جنيه، فمن أين للاثنتين بكل تلك الثروة؟ وهل ستكشف أوراق التحريات والتحقيقات ما وصل إلى بعض من الشخصيات التى تملأ الساحة ضجيجا بأن هناك شيكا واحدا بمبلغ يصل إلى ثمانية ملايين دولار لمساعدة أهل النوبة لاسترداد حقوقهم المنهوبة على حد قول بعض من تيارات سياسية تحاول جعل مصر ساحة للتنافر بين أقليات وليست نسيجا واحدا على مر العصور؟ وطبعاً نسمع كثيرا عن هوجة الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة، وكل حزب يطمح فى أن يصل للحكم ويخفى قرارا سريا بألا يغادر الكرسى إلا بالغرق فى بحر من الدم كما يحدث فى العراق حاليا وكما هو الحال فى اليمن. وطبعا يقف أحمد عز بما يمثله من قدرة استطاعت تفتيت المجتمع بالمرصاد لتحويل كل أهداف المصريين للوصول إلى حياة لائقة، يقف أحمد عز بما يملكه من قدرات مالية وتملكها طبقته من رجال الأعمال لتعيد طحن فقراء هذا البلد من جديد ولا مانع من ركوب أحصنة الكلمات الضخمة مثل «الديمقراطية» و«الحرية»، أما عن التعليم والصحة والسكن، فتلك مسائل ثلاث تم تداولها بيننا كمخدرات يصعب الوصول إلى بائعها أو منتجها، ولكنها تظهر فى برامج الجميع، بداية من الإخوان المسلمين مرورا بشركات توظيف الأفكار السياسية البراقة لتحويل هذا المجتمع إلى فوضى يصعب إعادة ترتيبها فى نسيج متوافق. ورغم ضجيج السرادقات المزدحمة بأنصار كل مرشح لكرسى الرئاسة، رغم هذا الضجيج فلا أجد اسما واحدا يستحق قيادة هذا الوطن، مع خالص الاحترام لجميع الأسماء، فمصر كانت أكبر من حسنى مبارك الذى حكمها بالصدفة، ومازالت أكبر من أن يحكمها اى اسم من الأسماء المطروحة. قال ابنى الأصغر الذى لا شأن سياسيا له «إن الخمسة وثمانين مليون مصرى، يمثلون كتلة بشرية حرجة يصعب تفتيتهم بالقنابل، ولكن يسهل تفتيتهم بالتناحر الذى تراه على الساحة». ولكل ذلك دعونا نطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن يمسك زمام قيادة هذا البلد لمدة خمس سنوات يضع فيها خطة تنمية اقتصادية ويشرف على تنفيذها بخبرات فنية مصرية، ومن بعد تنفيذ خطة التنمية تلك يمكننا أن نستنبط أحزابا تعبر عن واقع مختلف عن هذا الواقع الذى نعيشه حاليا. وبدلا من المعارك حول «المقاعد الفردية» و«القائمة النسبية»، وكل هذا الضجيج الذى لا ينتج رغيفا، بدلا من ذلك فلنتجه إلى رسم خطة تنمية تخرج بنا من عنق المجاعة القادمة لا محالة إن استمر الحال على ما هو عليه. ولهواة الصراخ باسم الديمقراطية عليهم أن يتابعوا ما يحدث حاليا فى باريس وما حدث هذا الأسبوع من محاولة احتلال الأمريكيين العاديين لمبنى البورصة فى نيويورك من أجل خروج العالم بأسره من قبضة تلك الشركات العابرة للقارات التى تدهس فقراء العالم بأنياب نظام اقتصادى مهترئ، وطبعا ليست تلك دعوة لقيام ثورة شيوعية مثل التى حدثت عام1917 ولكن محاولة لفهم مسلسل بيع وهو «الديمقراطية» التى تمزق المجتمع ليسوده أثرياؤه دون أن يتركوا طعاما أو مدرسة أو مستشفى لفقرائه. طبعا لابد من التوقف عند حالة الهجوم القاسى الذى تتعرض له حكومة عصام شرف التى تضم بعضا من خيرة البشر، سواء حازم الببلاوى أو على السلمى أو جودة عبد الخالق أو محمد عبدالعزيز الجندى أو فايزة أبوالنجا أو عماد أبو غازى أو أسامة هيكل، من ذكرتهم هم من أعرف طاقة ولائهم لقيمة هذا البلد. وهذا الهجوم الضارى مصحوب بتفجير مشاكل أمام كل وزير يصل إلى مرحلة «ربط رباط فردتى الحذاء الذى يرتديه أى من هؤلاء البشر، وحين يتم ربط رباط فردتى الحذاء معا، يمكن أن ينكفئ أى منهم على وجهه فلا يدير وزارته، ورغم ذلك يقوم كل منهم بفك هذا الرباط ومحاولة العمل من أجل تخطى تلك الظروف القاسية. قد تبدو كلماتى تلك مثل كل الكلام الذى يملأ الساحة، حتى صرنا كما قالت النكتة القاسية المذكورة فى أول تلك السطور «البلد دلوقت عامله زى واحد أخرس بيقول لواحد أطرش إن فيه واحد أعمى شاف واحد مشلول بيجرى ورا واحد أقرع وبيشده من شعره».