ودعت مصر يوم الجمعة الماضي ثلاثة من خيرة جنودها الذين أصابتهم نيران العدو الإسرائيلي أثناء تمشيطهم لوسط سيناء، حيث كانت قد وقعت معركة عنيفة بين قوات الجيش والشرطة مع عدد من المخربين الموجودين في سيناء وذلك في حملة لتطهير الأراضي المصرية، وبينما نشبت المعركة بين الجيش والشرطة من جانب، والمسلحين المخربين من آخر إلا أن القوات الإسرائيلية قامت بفتح النار عشوائيا علي الجميع مما أدي إلي استشهاد ثلاثة مجندين وإصابة آخرين وكان مطار أسيوط قد استقبل جثمان النقيب الشهيد أحمد جلال عبدالقادر الذي استشهد برصاص القوات الإسرائيلة وكان معه الجندي الشهيد أسامة جلال إمام والشهيد طه محمد إبراهيم الذين استشهدوا برصاص القوات الإسرائيلية علي الحدود المصرية، وكان أهالي النقيب أحمد جلال قد استقبلوه بالبكاء والدموع وقاموا بتوشيحه بعلم مصر لأداء صلاة الجنازة عليه، فيما تظاهر الآلاف من أهالي أسيوط رافعين الأعلام المصرية والفلسطينية، مطالبين المجلس العسكري بالقصاص لشهداء مصر. كانت البداية مع والد الشهيد النقيب أحمد جلال عبدالقادر الذي قال إن ابنه جاء في زيارة إلي أسرته في بداية رمضان، واستمرت إجازته لمدة أسبوع لم ينقطع خلالها عن فعل الخير، وكان يذهب دائما إلي صلاة التراويح معي، وعندما جاءت لحظة سفره قال لي إنه سوف يتم نقله وأنه سوف يترك سرية نويبع، ويذهب إلي وسط سيناء عند العلامة «79» وأضاف والد الشهيد قائلا إن ابنه أخبره أنه يشعر بروحانية عظيمة في مكانه الجديد الذي يتميز بهوائه النقي، وأن وسط سيناء أفضل من الزحام والضجيج فدعوت له بالتوفيق وأن يحفظه الله وكان الاتصال بيننا مستمرا ولا ينقطع، وعن آخر مكالمة حدثت بين الأب وابنه يقول د. جلال عبدالقادر لم تنقطع الاتصالات ولكن آخر مكالمة كانت قبل استشهاده بيومين وكان ذلك عقب الإفطار مباشرة ولكن الاتصال لم يدوم طويلا بسبب آذان العشاء حيث أخبرته برغبتي الذهاب إلي المسجد علي أن يتصل بي بعد الصلاة ولكنه لم يتصل إلا يوم استشهاده وأخبرني وقتها أن هناك اشتباكات مع عدد من الطائرات الإسرائيلية، وأضاف والد الشهيد أنه أخبره بأن الجنود المصريين بواسل ويحاربون بشجاعة وبطولة وأن اثنين من زملائه استشهدوا وأثني عليهما وعلي الجنود الآخرين وعندما سألته عن أخباره قال لي إنه مصاب إصابات خفيفة بشظايا نارية ولكنه طمأنني عليه وبعد هذا الاتصال لم أقلق عليه بصورة مبالغ فيها، ولكني رغبت في معرفة المزيد عن الموضوع فاتصلت به مرتين ولكنه لم يرد علي هاتفي فقلت وقتها إنه مشغول في إنهاء إجراءات الشهداء الذين استشهدوا من زملائه، وفي يوم الحادث وبعد الإفطار خرجت لصلاة التراويح وبعد أن عدت إلي المنزل فوجئت بأخته الكبري قادمة من الخارج تبكي وتصرخ وهي تقول: «أحمد مات أحمد مات» فكان الخبر بالنسبة لنا حاجة مرعبة وعندما تأكدت من الخبر قلت لوالدته «أنت من حقك تفرحي - أحمد مات شهيد وهيشفع لنا يوم القيامة». وأضاف: بعد أن قام بنقل زملائه إلي المستشفي واطمأن عليهم ورغم أنه مصاب أيضا، إلا أنه قرر الرجوع إلي موقعه مرة أخري وهو مصاب وكان قدر الله أنه استشهد ونحن نحتسبه عند الله ويوم دفنه كان يفترض أن يكون هذا اليوم يوم حزن وصراخ، ولكن هذا لم يحدث فقد كان يوم دفنه يوم فرح، حتي أن الكثير من شباب وأبناء بلدته خرجوا في مظاهرة لا يقل عدد الموجودين فيها عن عشرة آلاف من أبناء القرية كانوا يزفون الشهيد إلي مدفنه. أما عادل أبوزيد ابن عم الشهيد أحمد جلال عبدالقادر فقال: عندما يطلق علي جنودنا الرصاص من جميع الجهات وهم لا يتمكنون من الرد علي أعدائهم لأنهم موجودون في الجو فهذا شيء محزن يدل علي أننا أمام عدو لا يعرف معني الإنسانية، وكان أحمد قد أخبرنا في التليفون بأن الرصاص يطلق عليهم هو وزملاؤه بصورة وحشية حتي أنه قال «إن الرصاص» كان يمر من أمامنا ومن فوق رءوسنا ومن تحت أرجلنا فهذا يعني أن الطائرات الإسرائيلية كانت تستهدف أبناءنا في سيناء لقتلهم، ولك أن تتخيل الموقف فهذا موقف صعب لأنهم اصطادوا أولادنا مثل العصافير ولذا فعلينا أن نأخذ حق أبنائنا حتي لا يتكرر ذلك مرة أخري. وقال لنا عبدالرحمن علي أحد أقارب الشهيد أسامة جلال إمام والذي تقيم أسرته في قرية زاوية بلتان مركز طوخ بمحافظة القليوبية إن والد أسامة مزارع بسيط وأمه ربة منزل وأضاف عبدالرحمن علمنا بالخبر مساء يوم الخميس وفور سماعنا للخبر شعرنا بالصدمة لا سيما أننا تذكرنا أحاديث الشهيد أسامة أنه كان يريد أن ينهي فترة تجنيده سريعا حتي يستطيع أن يساعد عائلته ويساهم في تكاليف زواج شقيقاته ليخفف العبء عن والده حيث كانت طموحاته أن يساعده فقد كان أسامة يسخر عمره لخدمة والديه وشقيقاته. وأضاف: الناس كلها حزينة عليه ولكن أسرته متماسكة تماما وهم يحتسبونه عند الله فهو شهيد هو وزملاؤه المجندون الذين دافعوا عن أرضنا بقوة، وقال عبدالرحمن سعمت والده وهو يقول إن أسامة كان قد أخبرهم أنه وزملاؤه كانت تلقي عليهم الطلقات وكانت هناك طائرات هليكوبتر بها إسرائيليون يحملون مدافع رشاشة ويطلقون عليهم الرصاص. وأضاف عبدالرحمن: في الحقيقة اندهشت من عدم تكريم الشهيد أسامة جلال إمام بإقامة جنازة عسكرية له شأنه شأن زملائه الذين استشهدوا معه في هذه الأحداث بالرغم من أنه دافع بضراوة وقوة عن أرض مصر، كما دافع عنها زملاؤه في سيناء، وأنه كان قد حضر الجنازة عدد من الضباط إضافة إلي عمدة القرية ثم جاء بعد الجنازة مدير أمن القليوبية. وأوضح عبدالرحمن أن والد الشهيد أسامة كان متماسكا أثناء الجنازة وأن كانت والدته تبكي كثيرا وأصابتها حالة من الانهيار التام وقت أن سمعت الخبر إلا أنها ظهرت متماسكة بعد ذلك وقال إن الأم دائمة البكاء، وأضاف أن الأبوان لم يهتما بمعرفة وقائع القتل ومعرفة الاشتباكات التي دارت بينهم وبين الإسرائيليين بقدر ما يحزنهما فراقه. أما أحمد بدر ابن عم الشهيد فقال لنا: نتمني ألا يضيع حقه وهذا الشيء الوحيد الذي نريده حتي يسترد أبوه عافيته لأن أسامة كان سندا له هو وشقيقه محمد الذي يكبر أسامة بثلاث سنوات وأضاف أن أباه لا يتحدث مع أحد ولا يقول غير «لا إله إلا الله» احتسبتك عند الله يا أسامة لكن أمه مريضة من يوم أن سمعت الخبر ولا تتحدث مع أحد من يومها. وقال: أحمد آخر مرة نزل فيها أسامة إجازة كانت في رمضان وقبل أن يسافر بيوم واحد اتصل به أحد أصدقائه وكانت ابنته قد أصيبت بكسر فذهب إليه وظل بجواره حتي قبل موعد سفره بساعات قليلة. أما والدة الشهيد طه محمد إبراهيم 22 سنة والمقيمة بشارع عرب سلام - المعصرة حلوان، والتي تحدثت معنا بصعوبة بالغة وبدأت حديثها قائلة: احتسبته عند الله فهو شهيد الواجب. وقد جاءني خبر استشهاده وأنا في المسجد في صلاة الجمعة وكان إمام المسجد قد تحدث أثناء خطبة الجمعة عن خبر وفاة طه وطلب من الموجودين بالمسجد الدعاء له ولكل الشهداء الذين أصابهم رصاص الغدر، ولكني وقتها لم أصدق الخبر وأصابني الذهول وبعد أن سمعت الخبر كنت أصلي وقتها فقمت أديت الصلاة وبعدها وجدت كل السيدات في المسجد يقبلنني ويقدمن لي العزاء ويدعين لي بالصبر. وأضافت: طه كان يساعدنا في المنزل، وكان قد أمضي معنا إجازته في أول رمضان لمدة ثمانية أيام حرص فيها كلها علي أن يتناول الإفطار معنا وقالت ابني كان طيباً وكل الناس كانت تحبه ولم تحدث أي مشاكل بينه وبين أي شخص وأنا لا أطلب من الحكومة المصرية غير حق ابني الذي كان يقف إلي جانبي في زواج شقيقاته لأن والده بالمعاش، وكان أخوه الأكبر قد مات غرقا منذ عدة سنوات.