فى تصورى أنه لا يوجد شىء يستطيع أن يلخص مشهدا سياسيا أو إنسانيا أو حياتيا مثل الأغنية فإنها رد الفعل السريع الذى يتحقق فى الأزمات، الثورات، والمناسبات العامة، وفى كثير من المواقف لا يبقى سوى تلك الأغنية التى تربطنا بذكرى معينة، وأقرب مثال لكلامى هو أغانى ثورة يوليو 52 التي استعان بها الثوار لتكون صوت ثورتهم، جاءت عبر إذاعاتهم وعلى ألسنتهم رغم كل تلك السنوات لتعبر عن ثورة شعب تم تفتيت صفاته وإخفاء ملامحه على مدى ثلاثين عاما. عبد الرحيم منصور لذلك فلنتحدث بلغة الأغانى لأجد أن هناك أغنيتين من أغانى الماضى الجميل أصبحتا تعبران عن المشهد السياسى والإنسانى الآن، أغنيتان توضحان السبب، الدافع والنتيجة، تعيد للمصريين بهاءهم وسحرهم الذى كان مختبئا وراء غلالة من السحب الكثيرة تراكمت عبر السنين. الأغنية الأولى وهى الدافع وأسرد هذه الكلمات التى تبدأ «ما نرضاش يخاصم القمر سماه/ مانرضاش/ تدوس البشر بعضها، ما نرضاش، يموت جوه قلبى ندا/ ما نرضاش تهاجر الجذور أرضها/ ما نرضاش». وهكذا إلى أن تصل إلى قمة الملحمة عندما يغنى منير «يا ناس يا ناس يا مكبوتة، هيه دى الحدوتة، حدوتة مصرية» كتب هذه الكلمات الشاعر الثائر عبدالرحيم منصور، كتبها منذ سنوات طويلة وكأنه كان يتنبأ بالمستقبل أن الكبت حتما سيولد الانفجار، وهذه هى حدوتة ثورة 25 يناير الذى كان دافعها الأساسى هو «الكبت» الذى يعانى منه المصريون جميعا بجميع طوائفهم وأشكالهم. كانت كلمة «مكبوتة» معضلة ومشكلة بالنسبة للأجهزة الإعلامية فى البلد حتى إنهم غيروها إلى يا ناس يا ناس هيه دى الحدوتة حدوتة مصرية، لدرجة أن الشباب الذين يعشقون هذه الأغنية لا يعلمون أن أصلها يا ناس يا مكبوتة.
تامر حسنى هذه هى الأغنية الأولى، أما الثانية فإنها أغنية سببت لى كثيرا من الحيرة والتساؤل لأن ببساطة الذى كتبها هو الشاعر الجميل والعظيم كذلك صلاح جاهين وهى أغنية «المصريين أهمه» لأتساءل عندما كتب جاهين هذه الكلمات ماذا كان يرى فى المصريين هل هى الحيوية والعزم والهمة، بل على العكس فإنهم فى السنوات الأخيرة تحولوا إلى كسالى متكلين ومتواكلين يشوبهم البطء فى كل شىء. ألم أقل لكم أن الأغنية هى أجمل ما يمكن أن يعبر عن أحوالنا؟! ألم تروا معى أن حدوتة مصرية والمصريين أهمه تعبران عنا أشد تعبير هذه الأيام؟! آخر حركة مسكين تامر حسنى خرج من الملعب بكارت «أحمر» أخرجه له الشعب المصرى!