حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الحليم حافظ الفن الخالد
نشر في القاهرة يوم 05 - 04 - 2011

ولم يكن محمود عوض وحده الذي أدان محتويات معظم الكتابات عن الفنان الراحل، والتي كانت تنهمر كالسيل كل عام خلال احتفال وسائل الإعلام بالذكري السنوية لرحيله، حيث تصدي معه بعض من الكتاب الجادين لتلك الظاهرة بالتحليل والإدانة، ومن هؤلاء الناقد المعروف محمد سعيد الذي تحدث عن ظاهرة المتاجرة بذكري عبد الحليم في الجزء الأول من كتابه " أشهر مائة في الغناء العربي " فقال : " هؤلاء لا يزال البعض منهم يمتص رحيق الذكري الطيبة للعندليب والمتاجرة بها حتي آخر قطرة، دون صدق أو توثيق أو حتي احترام عقول وأفهام عشاق فنه " (ص48)، وليت الأمر اقتصر علي المصريين، ولكنه امتد إلي محيطنا العربي، حيث أكد الإذاعي وجدي الحكيم -وهو من أصدقاء عبد الحليم المقربين - ذلك بقوله : " بالتأكيد ... فالكل يحاول أن يتسلق علي جماهيريته ونجوميته، وأنا أري اليوم بعض الفنانين في دول عربية كثيرة يكتبون مذكراتهم، ومن خلالها يذكرون تاريخ عبد الحليم،وهم في واقع الأمر لا يعلمون عنه شيئاً " (الكواكب : العدد 2642، 19/3/2002م،ص 45)، وليت الأمر اقتصر علي بعض الفنانين من العرب، ولكنه امتد ليشمل حتي كتاباً ومؤرخين، ولنضرب مثلاً هنا لنوعية ما كان يروجه البعض من معلومات عن عبد الحليم خلال احتفالات ذكراه بما أورده أحدهم في كتاب لقي الكثير من الدعاية والاهتمام الإعلامي، فقد أكد السيد الكاتب علي أن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان يستمع - وعبر الهاتف - إلي عبد الحليم وهو يقرأ عليه كلمات أغنياته الوطنية قبل تسجيلها، وأن ذلك كان يحدث كي يبدي الزعيم رأيه في كلمات ما سوف يتغني به عبد الحليم ويعطي توجيهاته بشأن لحن الأغنية وأشياء أخري، مما جعل الكاتب الكبير محمود عوض يسخر في حوار نشرته مجلة " الكواكب " في عددها رقم 2643 مما قاله مؤلف الكتاب، حيث قال محمود عوض عمن يروج مثل هذه الحكايات إنه : " يصور عبد الناصر علي أنه متعهد حفلات قاعد فاضي 24 ساعة علشان المطربين والغناء " (ص25)، وليت الأمر اقتصر علي دس الحكايات والمواقف من هذه النوعية، وإنما أمعن البعض في ترويج حكايات عن غراميات لا حصر لها ربطت بين المطرب العليل ونساء كثيرات بين فنانات وسيدات مجتمع ومعجبات، وكان المطرب الذي عاني عبر أكثر من نصف عمره من مرض الكبد ومضاعفاته كان دون جوان عصره أو شمشون آخر، ويبلغ الأمر المنتهي مع ما رددته بعض الكتابات من أخطاء حول بدايته الحقيقية مع الغناء، لتشيع تلك الأخطاء وتتردد وتستقر وكأنها الحقيقة، حتي تصل في النهاية إلي ما يصدر عن الغناء من موسوعات وكتب يفترض أن تخضع محتوياتها لمعايير الدقة والتمحيص، والمقالة الحالية - التي تجئ في الذكري الرابعة والثلاثين لرحيل المطرب الكبير - تدور حول تحري البداية الحقيقية لرحلة عبد الحليم حافظ مع الغناء . أخطاء شائعة ولد عبد الحليم علي إسماعيل شبانه في يوم الجمعة الموافق 21/6/1929م بقرية الحلوات في مركز ههيا بمحافظة الشرقية، وقد توفيت والدته بعد ولادته بأيام، ثم اكتمل تيتمه بوفاة والده وهو بعد طفل صغير، فكفله وشقيقيه إسماعيل ومحمد وشقيقتهم علية خال لهم يقيم بمدينة الزقازيق، ولما كان الخال فقيراً كشأن الغالبية العظمي من المصريين في ذلك العهد، فإنه لم يجد بداً من إلحاق أبناء أخته الراحلة بملجأ الزقازيق (عبد الحميد توفيق زكي: المعاصرون من رواد الموسيقي العربية، ص 84-85)، ليتعلم الشقيقان إسماعيل وعبد الحليم مبادئ الموسيقي إلي جانب الدراسة خلال سنوات التحاقهما بالملجأ، الذي أطلق عليه أستاذنا الناقد والمؤرخ الكبير فرج العنتري اسم " كونسرفتوار الزقازيق " ! (فرج العنتري : في النقد والتذوق الموسيقي، ص 258)،وقد ساعدت دراسة الموسيقي بملجأ الزقازيق الشقيق الأكبر : إسماعيل (1919 - 1985م) علي الالتحاق بمعهد فؤاد الأول للموسيقي العربية بالقاهرة في عام 1937م، وعندما أعلن المعهد العالي للموسيقي المسرحية - الذي أسسه وتولي إدارته المؤرخ والعالم الموسيقي الكبير دكتور أحمد الحفني - عن قبول دفعة جديدة من الدارسين في عام 1945م، تقدم إسماعيل شبانه بطلبين للالتحاق بذلك المعهد، كان أحد الطلبين لإسماعيل والآخر لعبد الحليم، حيث قبل الاثنان وانتظما معاً في الدراسة بالسنة الدراسية الأولي بالمعهد في عام 1945م، لتجمعهما الدراسة هناك بكل من كمال الطويل (1922 - 2003م) وأحمد فؤاد حسن (1926 - 1993م) وآخرين، ومن الغريب أن عبد الحليم وأحمد فؤاد حسن درسا بذلك المعهد العزف علي آلتىّ الأوبوا والقانون، بينما كانت دراسة كمال الطويل وإسماعيل شبانه في قسم الأصوات ! (إسماعيل شبانه : أخي عبد الحليم، الكواكب، العدد 2643، 26/3/2002م، ص 18-19)، وبعد أن تخرج عبد الحليم بتقدير ممتاز في المعهد وذلك في عام 1948م، عمل مدرساً للموسيقي بمدارس في المحلة الكبري وطنطا والقاهرة، وعندما عاد عبد الحليم إلي القاهرة في عام 1951م، وجد صديقه وزميل دراسته كمال الطويل يعمل كمشرف بقسم الموسيقي والغناء في الإذاعة المصرية، فدعاه الطويل ليعمل عازفاً علي آلة الأوبوا في فرقة موسيقي الإذاعة، لينغمس عبدالحليم في أجواء الغناء والموسيقي داخل قاعات الإذاعة، حتي شعر الجميع بميله الغريزي للغناء، مما دفع الملحن والموسيقي المعروف : عبد الحميد توفيق زكي (1917 - 1998م) - وقد كان يعمل منذ عام 1939م كقائد لفرقة الأنغام الذهبية بالإذاعة - إلي الاستعانة بعبد الحليم كمطرب في احدي الإذاعات المباشرة للفرقة في برنامج " ركن الأغاني الخفيفة "، حدث ذلك عندما تعذر حضور مطرب حلقة البرنامج في ذلك اليوم وهو المطرب الكبير كارم محمود (1922 - 1995م)، مما دفع قائد الفرقة لتلقين عبد الحليم -في تدريب سريع -لحن الأغنية التي ستذاع في الحلقة، لينطلق صوت عبد الحليم بالأغنية بكل الاقتدار والتمكن في بث مباشر من احدي قاعات البث الإذاعي،لتكون تلك الحلقة التي يرجح - وطبقاً لسجلات برامج الإذاعة - أنها أذيعت في العاشرة وخمس وأربعين دقيقة من صباح الاثنين 19/2/1951م، بمثابة الفرصة التي انتظرها صوت عبد الحليم ليصل إلي الأسماع، حيث أجازته الإذاعة كمطرب بعد ذلك (عبد الحميد توفيق زكي : المصدر السابق) . تعد الفقرة السابقة بمثابة تلخيص أو تجميع لما اتفقت فيه الروايات المتعددة حول حياة عبد الحليم قبل بزوغ نجمه في عالم الغناء المصري، وهي روايات تناثرت بين مقالات صحفية وكتب وحتي موسوعات !، ولم تختلف تلك الروايات كثيراً في مضمونها عما جاء بالفقرة السابقة، قد يكون هناك قول مختلف حول تاريخ معين أو أحدي التفصيلات، ولكن ذلك لم يخرج مضمون الرواية التي انفردت بهذا القول المختلف عن السياق العام لباقي الروايات، غير أن الأمر اختلف تماماً عند الحديث عن العمل الغنائي الأول الذي قدم صوت القادم الجديد إلي عالم الغناء المصري في أوج عصره الذهبي إلي جماهير المستمعين في مصر والدول العربية، هنا يجد المتابع نفسه أمام كم مدهش من التناقضات المتمثل في تواريخ مختلفة ومعلومات شتي، سوف نعرض فيما يلي لأهمها أو لمعظمها . تجمع الكثرة الغالبة من المهتمين بشئون الغناء المصري - من كتاب ومستمعين - علي أن أغنية " صافيني مرة " هي العمل الغنائي الأول الذي قدم عبد الحليم حافظ للمستمعين، ومن أمثلة ذلك ما ذكره الكاتب الصحفي أحمد صالح في مقالة بعنوان " كيف يفكر عبد الحليم حافظ ؟ "، حيث قال أحمد صالح في أول المقالة ما يلي : " ففي عام 52 ... ظهر صوت عبدالحليم لأول مرة علي الناس "، ويضيف أحمد صالح بعد استطراد إلي قوله السابق الآتي : " في هذا العام (يعني عام 1952م) بدأ الناس يسمعون عبد الحليم عندما خرج لحن (صافيني مرة) لمحمد الموجي " (أحمد صالح : كيف يفكر عبدالحليم حافظ ؟، أخبار النجوم، العدد 24، 20/3/1993م، ص18)، وقد اتفق الناقد الكبير الراحل كمال النجمي مع الأستاذ أحمد صالح في القول بأن " صافيني مرة " هي أول أغنيات عبدالحليم، حيث أشار إلي ذلك لأكثر من مرة في كتاب " الغناء المصري ... مطربون ومستمعون " (ص 94) وفي كتاب " سحر الغناء العربي " (ص 50)، ولكنه لم يحدد تاريخاً وجعل حديثه عن أغنية عبد الحليم الأولي مرسلاً، وقبل أحمد صالح وكمال النجمي وبعدهما يجد المتابع مئات التأكيدات في مقالات وأحاديث إعلامية وشخصية علي أن " صافيني مرة " هي الأغنية الأولي لعبد الحليم حافظ . تأتي في مواجهة هذا الإجماع آراء أخري متفرقة لمجموعة وبضعة أفراد يقولون بغير ذلك، حيث تبنت مجموعة من الكتاب والنقاد والمؤرخين القول بأن قصيدة " لقاء " لصلاح عبد الصبور هي الأغنية الأولي لعبد الحليم، ومن ذلك ما جاء بمادة " عبد الحليم حافظ " في الطبعة الأولي من " موسوعة الغناء في مصر " لمحمد قابيل بالنص التالي : " واعتمد كمطرب عام 1951م، وأول أغانيه قصيدة (لقاء) شعر صلاح عبدالصبور والحان كمال الطويل " (ص 177)، ولم يختلف ما ذكره الناقد المعروف محمد سعيد عن أغنية عبد الحليم الأولي كثيراً عما جاء في موسوعة محمد قابيل، فقد أثبت بالجزء الأول من كتابه " أشهر مائة في الغناء العربي " ما يلي : " أو حتي أول أغنية سجلها في تاريخه الفني وهي قصيدة (لقاء) شعر صلاح عبد الصبور وألحان كمال الطويل " (ص44)، لذلك كان من الطبيعي أن يجئ كل من خالد محمود وأسامة صفار ليؤكدا مقولة أن " لقاء " هي أول أغنيات عبد الحليم، وذلك في مقالة نشرت بعنوان " حياة العندليب ... مشوار في شارع الضباب" بالعدد رقم 495 من " أخبار النجوم " والصادر في 30/3/2002م (ص14)،وهو ما جاء أيضاً في افتتاحية العدد الخاص من مجلة " الكواكب "، الذي صدر في 19/3/2002م بمناسبة مرور ربع قرن علي رحيل عبد الحليم، حيث تضمنت كلمة هيئة تحرير المجلة التي شغلت الصفحة الثالثة من العدد الآتي : " ومنذ أن استمع الناس إلي أول أغنية له وهي (لقاء) من شعر صلاح عبد الصبور والحان كمال الطويل "، بينما تبني بعض الكتاب أقوالاً بالغة الغرابة في شأن أغنية عبدالحليم الأولي، ومن ذلك ما ذكره المؤرخ الموسيقي فكري بطرس في كتاب " أعلام الموسيقي والغناء العربي : 1867 - 1967 " عن أن أغنية " ظالم " هي أول ما قدم عبد الحليم من أغان لمستمعيه (ص 267)، ويذهب الكاتب الصحفي الراحل فوميل لبيب مذهب فكري بطرس عندما يقول في كتابه " نجوم عرفتهم " إن أول لحن سجله عبد الحليم للإذاعة هو أغنية "النيل " لسمير محبوب ومحمد الموجي (ص94)، علي أن القول الأغرب في شأن أغنية عبد الحليم الأولي هو ما صدر من شقيقه الأكبر إسماعيل، حيث قال في مقالة بعنوان " أخي عبدالحليم " أعادت نشرها مجلة " الكواكب " في عددها رقم 2643 الصادر في 26/3/2002م، قال إسماعيل إن الثنائية الغنائية (دويتو) " أنا وإلا أنت " التي تغني بها عبد الحليم مع المطربة القديرة سعاد مكاوي ... كانت هي العمل الغنائي الأول الذي وضعه كمال الطويل ليتغني به عبد الحليم أمام لجنة الاستماع في الإذاعة المصرية ! (ص19) . الأغنيات الأولي سوف يجد القارئ لما سبق من أخطاء شائعة حول أغنية عبدالحليم الأولي نفسه أمام احتمالين لا ثالث لهما، أولهما أن تلك الأغنية قد تكون واحدة من الأغنيات الخمس التي وردت في أحاديث من ذكرنا من مؤرخين ونقاد، بينما يتلخص الاحتمال الثاني في ألا تكون تلك الأغنية واحدة من الأغنيات الخمس المذكورة قبلاً، فلا يجد القارئ أو الباحث بعد إزاء هذا التضارب سوي البحث عن الحقيقة في المحفوظ من سجلات الإذاعة . كشف البحث في سجلات برامج الإذاعة أن أول إذاعة لعبدالحليم حافظ كانت بعد الساعة السادسة من مساء الاثنين 5/3/1951م، حيث قدمته الإذاعة باسم عبد الحليم شبانه في حلقة برنامج " ركن الأغاني الخفيفة" التي أذيعت فيما بين السادسة والسادسة والربع من مساء ذلك اليوم، حيث سبقته المطربة الراحلة نادية فهمي بأداء أغنية " يا ساكن وادي الأوهام" من تأليف محمد متولي وألحان عبد الحميد توفيق زكي، ثم اختتم عبد الحليم الحلقة بأغنية " ذكريات " وهي من نظم محمود جبر ألحان عبد الحميد توفيق زكي، إن الثابت لدينا الآن عن أغنية عبد الحليم الأولي يدعم ما رجحنا قبلاً من احتمال أن تكون حلقة برنامج " ركن الأغاني الخفيفة " ليوم الاثنين 19/2/1951م هي الحلقة التي حل فيها عبد الحليم مكان كارم محمود، حيث يشير ما نشر من تنويه عن تلك الحلقة أن كارم محمود كان سيتغني
بأغنية " ذكريات "، التي قال التنويه عن الحلقة المشار إليها إنها من تأليف محمود جبر وألحان عبد الحميد توفيق زكي ! (الإذاعة المصرية: العدد 831، 17/2/1951م، ص22) . جاءت الإذاعة الثانية لعبد الحليم شبانه - كما كانت تقدمه الإذاعة آنذاك -في حلقة برنامج " ركن الأغاني الخفيفة " التي أذيعت في الحادية عشرة وخمس دقائق من صباح الأربعاء 14/3/1951م، حيث اشترك مع المطربة نادية فهمي في أداء ثنائية " محلاها الدنيا " والتي كانت من نظم عبد الفتاح عبدالمقصود وألحان عبد الحميد توفيق زكي، ولأغنية عبد الحليم الثانية أكثر من دلالة مهمة، حيث يشير توقيت إذاعتها - وهو بعد تسعة أيام من إذاعة أغنيته الأولي - إلي أن الصوت الجديد قد ثبت أقدامه جيداً في الإذاعة منذ إذاعته الأولي، بينما تأتي الدلالة الثانية من كل من أغنيتىّ عبد الحليم الأوليين معا، حيث يتضح أن الأغنيتين قد سبق لأكثر من صوت غنائي تقديمهما قبل عبد الحليم، مما يعني أن المطرب الصاعد لم يجد غضاضة في أن يغني ما سبق لغيره أن تغني به، وهو ما ينفي تماماً مقولة إنه كان يرفض غناء أغنيات سبق لغيره أن تغني بها، تلك المقولة التي أوردها البعض علي لسانه وقبل أن يعرف اسمه الشهرة و بالنص التالي : " أنا لا أغني إلاّ ألحاني الخاصة بي " (خالد محمود وأسامة صفار : المصدر السابق)، ويأتي ثالثاً وأخيراً فيما يرتبط بأغنية عبد الحليم الثانية من دلالات ما لها من قيمة فنية، وهو ما عبر عنه فيما بعد ملحنها عبد الحميد توفيق زكي من أن : لحنها علي إيقاع (الباسادوبلو) الاسباني ،واستخدم فيه (أي اللحن) تعدد التصويت لأول مرة في أغنية مصرية خفيفة، فالأغصان يؤديها بنفس الكلم مطرب ومطربة بلحنين مختلفين متوافقين تستسيغهما الأذن الشرقية " (عبد الحميد توفيق زكي : المصدر السابق، ص 93) . توالت أغنيات عبد الحليم الجديدة خلال ما تبقي من عام 1951م من أيام، حتي بلغ عدد ما قدمت الإذاعة له من أغنيات قبل انتهاء العام بيوم واحد ثلاث عشرة أغنية، فإذا ما نحينا جانباً أول أغنيتين - وقد سبق الحديث عنهما قبلاً - فإن بيان الإحدي عشرة أغنية الأخري متضمناً اسم الأغنية وتاريخ إذاعتها الأولي سوف يكون علي النحو التالي : (الكون جميل : 21/3/1951م) - (الأصيل الذهبي : 16/4/1951م) - (أهلا باللي واحشني : 23/4/1951م) -(يا وردة لسه منورة : 1/5/1951م) - (تهاني : 3/5/1951م) - (يا سلام : 30/5/1951م) - (شكوي : 9/6/1951م) - (أنت حبي : 2/7/1951م) - (يا طارحين الشبك : 23/12/1951م) - (يانهار نادي : 7/11/1951م) و (ظالم : 30/12/1951م)، ويرتبط هذا العدد من الأغنيات التي قدمها عبد الحليم في الشهور الستة الأولي من مشواره مع الغناء العديد من الملاحظات التي سوف نجملها في الآتي : أن قصيدة " لقاء " لم تكن واحدة مما غني عبد الحليم في بداية مشواره مع الغناء، حيث كانت الأغنية التاسعة عشرة فيما غني عبد الحليم منذ بدايته المشار إليها في هذه المقالة، وقد أذيعت قصيدة "لقاء" لأول مرة في السادسة من مساء الأربعاء 2/4/1952م وبعد أكثر من عام علي إذاعة أغنية عبد الحليم الأولي، وتدور ثاني الملاحظات حول اسم الشهرة " عبد الحليم حافظ " الذي أطلق علي الفتي القادم إلي قمة الغناء بسرعة الصاروخ، فهناك من يقول إنه لم يقدم باسم عبد الحليم شبانه في برامج الإذاعة سوي مرة واحدة (عبد الحميد توفيق زكي : المصدر السابق، ص 85)، ولكن سجلات برامج الإذاعة تكشف أن اسم عبد الحليم شبانه ظل مرتبطاً بالمطرب الجديد عند تقديمه في أغنياته الثماني الأولي، وتغير اسمه إلي عبد الحليم حافظ مع تقديمه لأغنيته التاسعة، وهي أغنية " شكوي " التي أذيعت في الثامنة وعشرين دقيقة من مساء السبت 9/6/1951م، حيث نوهت الإذاعة عن الأغنية في مجلة " الإذاعة المصرية " مع التذكير بأن المطرب صاحب الأغنية هو " عبد الحليم حافظ " (الإذاعة المصرية : العدد 847، 9/6/1951م، ص21)، وأضافت الإذاعة إلي ذلك نشر صورة عبد الحليم - ولأول مرة - في الصفحة رقم 37 من عدد مجلة " الإذاعة المصرية " الذي حمل التنويه عن الأغنية، ومن الملاحظات المهمة المرتبطة بأغنية "شكوي " أيضاً أنها كانت اللقاء الأول بين صوت عبد الحليم والحان رفيق دربه كمال الطويل، وقد لقيت تلك الأغنية من اهتمام الإذاعة الكثير، ومن مظاهر هذا الاهتمام أن الإذاعة عهدت بتوزيع لحن الأغنية موسيقياً إلي الموسيقي والموزع المعروف فؤاد الظاهري، وظلت الأغنية تقدم في برامج الإذاعة مصحوبة بالجملة التالية: " التوزيع الموسيقي لفؤاد الظاهري "، وفيما يلي نجتزئ المقطعين التاليين من أغنية " شكوي " التي نظمها إبراهيم رجب : أقول لمين وأشكي/وأروح لمين وأحكي/وانت منايا/وانت هنايا/وانت هوايا/نسيت عهود ودي/ولكنش ده ودي/مهما يطول بعدك/أنا علي عهدي/وأقول لمين/وأشكي لمين/وانت هنايا وتكشف أغنية " ظالم " - وهي آخر ما غني عبد الحليم في عام 1951م - عن ملاحظة مهمة، وهي أن هذه الأغنية والتي كانت من تأليف سمير محبوب ومن تلحين محمد الموجي، كانت هي اللقاء الأول بين صوت عبد الحليم وألحان الموجي، وأن إصرار الكثرة الغالبة من الكتاب والنقاد علي القول بأن " صافيني مرة " هي اللقاء الأول بين صوت عبد الحليم وألحان الموجي كان خطئاً كبيراً، وتأتي بعد ذلك ملاحظة أهم ترتبط بالأغنية السابعة وهي أغنية " تهاني " والتي كانت من نظم الشاعر محمد عبد الغني حسن ومن ألحان عبد الحميد توفيق زكي، وقد قدمت هذه الأغنية ولأول مرة في حلقة " ركن الأغاني الخفيفة " التي أذيعت في السادسة إلا ربع من مساء الخميس 3/5/1951م، جاءت الأغنية في سياق مجموعة من الأغنيات تضمنتها الحلقة، وكانت جميعها مخصصة للاحتفال بعيد الجلوس الملكي وبعقد قران الملك فاروق وزوجته الثانية الملكة ناريمان صادق، وبذلك تنسف هذه الملاحظة تماماً ما روجه البعض من خلال احتفالات الذكري السنوية لرحيل عبد الحليم فيما مضي من أعوام، من أنه صوت ثورة يوليو الذي لم يتلوث قط بالغناء للعهد الملكي البائد !. كلمة أخيرة إن البعض قد يأخذه العجب والدهشة عقب الفراغ من قراءة ما سبق، ولعل لسان حال من يأخذه العجب يقول: هل يستحق الغناء وأهله مشقة تدقيق التواريخ وتمحيص الوقائع ؟، وأستعين هنا للرد علي ذلك بما قاله الأستاذ عباس محمود العقاد لمن هاجموا مقالاته التي كتبها في فنون شتي منها الغناء : " وأنت لا تعرف أنك في أمة أحرار حقاً كارهين للاستبداد حقاً، إلا إذا رأيت بينهم لعظماء المطربين شأنا لا يقل عن شأن أندادهم ذوي المواهب والأعمال والأقدار " ! (الأخبار : 22/9/1956م) .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.