ظل الأزهر الشريف قلعة الإسلام عبر العصور، ومنذ عصر المماليك والعثمانيين وحتي بداية عصر «محمد علي» ظل الجامع الأزهر الممثل الوحيد للدعوة الإسلامية والخطاب الإسلامي المستقل عن الحكام.. ثم كان عصر محمد علي بداية تقييد حركة الأزهر وتجريده من نفوذه المجتمعي علي مراحل عدة انتهت لما هو عليه الآن. ففي عصر محمد علي بدأ بعض علماء الأزهر في التفكير في التحرك بعيدا عن القيود التي طوقت الجامع الأزهر ومن ثم ظهرت الحركة الإسلامية بفصائلها المختلفة ومنذئذ ظل الأزهر يخرج للحركات الإسلامية أو لكثير من الحركات الإسلامية كوادر دينية علي مستوي عالٍ جدا و متميز في العلوم الشرعية والفقهية. رغم أن الحركات الإسلامية المختلفة أخذت في منازعة الأزهر في دوره كمرجعية وحيدة في مجال العلوم الشرعية و الفتوي إلا أنها لم تنجح في إلغاء دور الأزهر كمرجعية للمسلمين السنة بشكل كامل قد تكون نجحت فقط في هز هذه المكانة و ذلك الدور و مشاركته فيها دون أن تزيحه منها إزاحة كاملة. ونتيجة للحصار الذي فرضته السلطة الحاكمة علي الأزهر بدءا من عصر محمد علي باشا و ذريته وانتهاء بالجهود التي قام بها جمال عبدالناصر بعد ثورة يوليو 1952م تراجع الأزهر كثيراً مما كان له عظيم الأثر في نجاح الحركات الإسلامية في تحقيق هذا القدر من الدور والمكانة والمرجعية بديلاً عن الأزهر. فالأزهر الذي يعد أهم مؤسسة إسلامية علي الإطلاق في مصر والعالم الإسلامي كان لجمال عبدالناصر معه نهج يمكن أن نعتبره استمرارا للنهج الثابت الذي بدأ الحكام في مصر ينهجونه منذ نابليون بونابرت وحتي الآن وهو نهج الاحتواء والسيطرة تحت ستار التطوير والتجديد وفي هذا الإطار نتذكر ما فعله محمد علي ومن بعده خلفاؤه مع الأزهر وذلك النهج تلخصه كلمة الخديو عباس التي قال فيها محددا دور الأزهر: «أول شيء أطلبه أنا وحكومتي أن يكون الهدوء سائدا في الأزهر والشغب بعيدا عنه فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقي العلوم الدينية النافعة البعيدة عن زيغ العقائد وشغب الأفكار لأنه مدرسة دينية قبل كل شيء. إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر استتباب الأمن فيه. وأطلب منكم أيها العلماء أن تكونوا دائما بعيدين عن الشغب وأن تحثوا إخوانكم العلماء وكذلك الطلبة علي ذلك. ومن يحاول بث الشغب بالأقوال أو بواسطة الجرائد والأخذ والرد فيها فيكون بعيدا عن الأزهر». فقد حرص الحكام منذ نابليون وحتي الآن علي منع الأزهر من العمل السياسي كما حرصوا في نفس الوقت علي توظيف الإسلام وعلماء الإسلام لتحقيق أهداف الحاكم السياسية كلما أمكن ذلك. ولم يشذ جمال عبدالناصر عن ذلك النهج فاتخذ العديد من الخطوات للسيطرة علي الأزهر وتوظيفه لصالح أهداف نظام ثورة يوليو 1952م. ونجد عبدالناصر يحدد دور العلماء في «إرشاد المواطنين إلي حقيقة وأهداف الثورة» و«تعبئة الرأي العام في كل البلاد الإسلامية وجميع دول العالم علي اعتبار أن الجهد الذي يبذله علماء المسلمين في العالم الإسلامي أو الأمة العربية في مجال مواجهة إسرائيل مازال جهدا متواضعا» وقد دعا جمال عبدالناصر في إطار ذلك إلي «عمل لجان في كل بلد إسلامي من أجل متابعة العمل لنصرة القضايا العربية وذلك في إطار مواجهة إسرائيل والاستعمار العالمي الذي يقف خلفها».. ثم كان إلغاء المحاكم الشرعية خطوة أخري بارزة في طريق تقليص دور الأزهر في الحياة العملية للمصريين خارج توجيه الحكومة إذ إن ممارستها لنشاطها كانت تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية عن الحكومة، حيث كان عبدالناصر وثورة يوليو يهدفان لتأميم الدين لصالح نظام الحكم وكانت ثورة يوليو واعية بذلك منذ البداية إذ ألغيت هذه المحاكم بقانون رقم 462 لعام 1955م وبإلغاء المحاكم الشرعية وبالهيمنة علي إدارة الأوقاف نجح الرئيس جمال عبدالناصر فيما فشل فيه الاحتلال الغربي من الهيمنة علي أبرز مؤسسة لعلماء الإسلام في العالم كله. وحتي يتضح المدي الذي كبلت به الحكومة مؤسسة الأزهر لابد أن نعود لأحداث جلسة مجلس الأمة (البرلمان) التي أقرت قانون تنظيم الأزهر، يقول فتحي رضوان: «لإجبار المجلس علي الموافقة حضر رجال الثورة وجلسوا أمامنا علي المنصة وتحديدا كان علي المنصة، أنور السادات وكمال حسين وكمال رفعت، وهدد أنور السادات المجلس عندما علت أصوات تعارض مشروع القانون قائلا: كانت ثورة في23 يوليو 1952م والذين حاولوا الوقوف أمامها ديسوا بالأقدام واليوم ثورة جديدة وسيصاب الذين يقفون أمامها بنفس المصير. وبعد كل هذا فكيف للأزهر أن يعصي لرئيس الجمهورية أمرا فضلا عن أن يعارضه؟؟ النتيجة أن الأزهر لم تصدر من داخله أي مواقف أو تصريحات تعارض النظام الحاكم لا من قريب ولا بعيد، بل بالعكس وقف إلي جانب جمال عبدالناصر في كل مواقفه، ومن ذلك علي سبيل المثال لا الحصر الفتوي التي أصدرها شيخ الأزهر يساند بها جمال عبدالناصر في صراعه مع محمد نجيب (الأهرام 17 فبراير 1954م)، وأيضا التأييد الذي قدمه الأزهر لنظام حكم جمال عبدالناصر فيما يتعلق باتفاقية الجلاء (الأهرام 26 فبراير) وكذلك المساندة التي قدمها الأزهر لنظام حكم جمال عبدالناصر إثر الأزمة مع إسرائيل التي سبقت هزيمة يونيو 1967م بإعلان تأييده لجمال عبدالناصر ومباركته لخطواته في صد عدوان الصهيونية والاستعمار (الأهرام 25 مايو 1967م) واستمر الأزهر علي هذا النهج مع خلفاء جمال عبدالناصر أنور السادات وحسني مبارك وقد أدي ذلك كله لإضعاف مكانة الأزهر في نفوس المسلمين وبالتالي تدهور دوره ومكانته كمرجعية عليا للدعوة الاسلامية والإفتاء لكل المسلمين وبدأ الكثير من المسلمين يضعون ثقتهم في العديد من الناشطين الذين ينتمون للحركات الاسلامية والذين يطلق عليهم الدعاة من خارج مؤسسة الأزهر. والآن خرج من جديد من يسمون بالسلفيين، أخطر هذه الحركات علي الإطلاق.. هاهم يعلنون عن أنفسهم ويحاصروننا من كل حدب وصوب فهل نستسلم لهم؟ لو حدث فسيكون الخراب والدمار لو يفقهون!!