«صلبان وقلوب وتيجان» الأقصر تتزين بزعف النخيل احتفالاً بأحد الشعانين    صندوق النقد يتوقع ارتفاع حجم الناتج المحلى لمصر إلى 32 تريليون جنيه 2028    محافظ الجيزة يوجه معدات وفرق النظافة لرفع المخلفات بالبراجيل    وزير خارجية إسرائيل: سنؤجل عملية رفح إذا جرى التوصل لاتفاق بشأن المحتجزين    خبير: التصريحات الأمريكية متناقضة وضبابية منذ السابع من أكتوبر    إدخال 4000 شاحنة مساعدات لغزة من معبر رفح منذ أول أبريل    "لو تحدثت هتشتعل النيران".. مشادة كلامية بين محمد صلاح وكلوب    لمكافحة الفساد.. ختام فعاليات ورش عمل سفراء ضد الفساد بجنوب سيناء    30 أبريل.. أولى جلسات محاكمة المتهم بالشروع في قتل طالب بالنزهة    ياسمين عز تُعلق على شائعة طلاق أحمد السقا وزوجته: هو أنا لو اتكلمت عن الحوامل أبقى حامل؟!    حزب "المصريين" يُكرم هيئة الإسعاف في البحر الأحمر لجهودهم الاستثنائية    خبير ل الحياة اليوم: موقف مصر اليوم من القضية الفلسطينية أقوى من أى دولة    توقعات عبير فؤاد لمباراة الزمالك ودريمز.. مفاجأة ل«زيزو» وتحذير ل«فتوح»    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    الرضيعة الضحية .. تفاصيل جديدة في جريمة مدينة نصر    استهداف إسرائيلي لمحيط مستشفى ميس الجبل بجنوب لبنان    المصريون يسيطرون على جوائز بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية للرجال والسيدات 2024 PSA    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    بالفيديو .. بسبب حلقة العرافة.. انهيار ميار البيبلاوي بسبب داعية إسلامي شهير اتهمها بالزنا "تفاصيل"    ناهد السباعي: عالجنا السحر في «محارب» كما جاء في القرآن (فيديو)    سؤال برلماني عن أسباب عدم إنهاء الحكومة خطة تخفيف الأحمال    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    بعد جريمة طفل شبرا الخيمة.. خبير بأمن معلومات يحذر من ال"دارك ويب"    رامي جمال يتخطى 600 ألف مشاهد ويتصدر المركز الثاني في قائمة تريند "يوتيوب" بأغنية "بيكلموني"    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    أحمد حسام ميدو يكشف أسماء الداعمين للزمالك لحل أزمة إيقاف القيد    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    مدير «تحلية مياه العريش»: المحطة ستنتج 300 ألف متر مكعب يوميا    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    قطاع الأمن الاقتصادي يواصل حملات ضبط المخالفات والظواهر السلبية المؤثرة على مرافق مترو الأنفاق والسكة الحديد    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    تعليم الإسكندرية تستقبل وفد المنظمة الأوروبية للتدريب    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    إزالة 5 محلات ورفع إشغالات ب 3 مدن في أسوان    «شريف ضد رونالدو».. موعد مباراة الخليج والنصر في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    خبير أوبئة: مصر خالية من «شلل الأطفال» ببرامج تطعيمات مستمرة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتصار للحياة والوطن
نشر في صباح الخير يوم 28 - 02 - 2024

هذه الرواية مكتوبة بقلم عاشق فلسطين قتيبة مسلم، الذى أمضى ما يزيد على ثمانية وعشرين عاما أسيرا فى سجون الاحتلال فكتب روايته «زنزانة وأكثر من حبيبة» بلغة الصمود، وحكمة الصبر، فكان أحد حراس النور الذى يشق جدران الظلم والأسر، صدرت الرواية عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، رام الله، فلسطين.

غلاف الرواية


بالحب والإصرار
بطله «أوس» مع أبيه الروحى «صاعد»، ورفاق كفاحه فى الأسر: واصل، وصادق، جمعهم عشق الوطن، والسعى إلى تحريره، وتعرضوا لقسوة الأسر فى سجون الاحتلال، فاجتمعوا فى قسم خمسة فى سجن جلبوع المركزى، وفى كل مساء يتبادلون تحية الوطن: «تصبحون على وطن حر»، الجميع كانوا نماذج إنسانية للصمود والصبر، أصبح «صاعد» أباهم الروحى الذى دفع «أوس» لكتابة رواية عن تجربة الحب، والطريق إلى الحرية، فسجل «أوس» تجربته فى الأسر، وكيف تغلب على الزنزانة بحبه لأكثر من حبيبة، الأولى هى وطنه فلسطين، والثانية هى أمه، والثالثة هى حبيبته «أميرة».
لقد هزم سجنه بالحب والإصرار ليكون أحد حراس مرور النور من ثقب الجدار، حتى لو تعرض لأقسى أنواع العذاب على يد المحتل.
ترتسم صورة «أوس» فى عين القارئ مناضلا، يشق إصراره على الانتصار للحرية فتحة فى الجدار، وكأنه يجسد أبيات الشاعر أمل دنقل حين يقول:
(آه.. ما أقسى الجدار/ عندما ينهض فى وجه الشروق/ ربما ننفق كل العمر كى ننقب ثغرة/ ليمر النور للأجيال مرة).
يغالب «أوس» ظروف حياته الصعبة:
والده الذى تركهم، ورحل بإرادته، ولم يفكر فى أولاده وأمهم، فكان يشكو لوالده الروحى «صاعد» فيقول له: (لست وحدك المذبوح فى هذا المسلسل الاجتماعى، هناك الآلاف لا تراهم مرايا حياتنا، ولا تسمع بهم آذان الإخصائيين يموتون بأكثر من شكل، تقذف بهم حمم الزمن، بكل نارها، تحرقهم، تشوى ضلوعهم، ومنهم من ينتصر على جوعه، وظروفه وينهض ناجحا».
أسرار القوة
حفزه «صاعد» أن يكتب مخزون الذاكرة، ويريده «أوس» أن يعلمه أسرار القوة، والحق والبطولة لاجتياز محن السنوات، وأوجاع الأيام، فحمله «صاعد» على أجنحة الحلم إلى عالم الحرية فيقول لأوس: (نحن نبحث وسط هذا الصمت والسجن عن حلم يحملنا إلى حدودد الحرية، ويخترق كل الحدود والعوائق، ولهذا ما رأيك أن نحارب الليل الطويل بالحب والفرح، ونترك الحزن والمأساة إلى أوقات أخرى فأيام السجن طويلة ورتيبة، ونحتاج بها إلى الذاكرة، والجديد لنستطيع الخروج من الروتين.
فتشرق نفس «أوس» بكلمات «صاعد»، ويتذكر أمه وحبيبته فيحكى عنهما، وكيف أثرتا فى حياته، فحكى عن الأم التى وقفت بكل عنفوان لتعميمهم، وتخلق مستقبلهم بالكفاح والتحدى وعن «أميرة» حبيبته التى يحملها وردة ونجمة ولؤلوة تضيء أيامه، وظلام سجنه، حكى عن إخوته: أمل ونور وطاهر، استحضر ذكرى باقة الفراولة التى قدمها لأميرة، وحضوره عرس أختها، وكيف تقدم لأميرة خاطبا، ووافق والدها، تذكر باسما كمية الملح التى وضعتها أميرة فى فنجان قهوته فقال لها:

الفلسطينيون يعيشون كارثة إنسانية

إنه أجمل فنجان قهوة شربته بحياتى.
أشرقت نفسه، ويصور السارد ذلك فيقول: (وشعرت أن طوفانا من السعادة يجتاح كيانى، يحملنى إلى زمن آخر، ودنيا أخرى، هكذا حملنى الحب من الوجع إلى العسادة، وهكذا سرقت من فوهة الخطر، لحظة فرح تضمنى أنا وأميرة.
أصبح «صاعد» حكيم الزنزانة، طال سجنه خمسة عشر عاما، فتتلمذ على دروسه الوطنية مئات الأسرى، كان يناقشهم كل ليلة فى كتاب مهم، أو فكرة مؤثرة، فهو الذى يضم أبناءه الأسرى ليبث فيهم روح المقاومة، يذكرهم بعبارة لشكسبير يقول فيها: «لماذا نقبل أن نكون نتيجة لظروف معينة»؟
ولانعمل لخلق الظروف التى نريد.
ويذكرهم بقول مانديلا: (إن الإنسان الحر كلما صعد جبلا عظيما، وجد من ورائه جبالا أخرى يصعدها). كان «صاعد» يخاطب العقول والقلوب معا، ويؤكد لرفاقه المناضلين أن قوتهم فى الوعى والمعرفة والإدراك، والثقافة والعلم.
وهكذا اندفع «أوس» لتحصيل المعرفة، وقد أدرك معانى البطولة العميقة فى شخصية «صاعد» فيقول له: ما أصعب خيارك يا أبى الروحى، كان بإمكانك أن تبقى بين أسرتك وطنيا وموظفا، ولا تخوض غمار المقاومة من جديد، لكنك هزمت التردد، وأبحرت ضد التيار.

الأطفال أكثر الفئات المتضررة

سيدة الحب
وتبرز الرواية دور المرأة الفلسطينية فى حياة بلادها، وفى رعايتها لثوار الوطن فيقول «أوس» عن أمه: نتكور أنا وأخوتى بحضن سيدة الحب، وتحدثنا عن مشاكل الأيام وأن الخسارة الحقيقية هى أن تهزمنا همومنا.
بل تدفع «أوس» للدفاع عن وطنه وحريته قائلة: (حبى لك يزداد كلما أراك ملثما، تدافع عن أرضك، وتراب أجدادك، حتى لو أخذك الموت فشهادتك هى هوية الحياة لنا).
فيجيبها «أوس» بأن أباه الحقيقى سيكون هو وطنه، وهويته هى فلسطين، وهى أمه سيدة الحياة.
وتتوالد الحكايات داخل النص، فنعرف حكاية «عاصى»، يسأل «أوس» «صاعد» عن حقيقة بيع والد عاصى لأرضه وأسباب تركهم لقريتهم، وأرضهم، ورحيلهم مثل الغرباء إلى غربة لا ترحم، فتحكى له أنهم أرغموا على ذلك، فقد وقع والد عاصى توكيلا لأحد شركائه بطريقة مخادعة، وعندما حاول الأب بإقناع الشركاء بتوكيل محام عن جزء من أراضيهم التى أراد المخادع بيعها، خرج الملثمون على والد عاصى واتهموه بالعمالة وبيع الأراضى.
لكن «عاصى» لم يستسلم، وأصبح ناشطا فى العمل الوطنى، رمى كل الانكسارات على عتبة باب منظمة «فتح» التى جعلها هويته وميلاده ليخوض معركة الحياة، والنضال، واستشهد هو ومجموعة من النشطاء.
وأكد له «صاعد» أنه بحاجة إلى وعى يحلق به فوق الأزمات، فاستجاب «أوس»، وشرع يحكى لأبيه الروحى ظروف اعتقاله الأول، وكيف أصبح عضوا فى حركة فتح؟
أمير الحجارة
وتحت عنوان: «الحجر الأول والاعتقال الأول، كتب «أوس» فى روايته:
(لم أفارق أى نشاط وطنى، أو مسيرة احتجاج أو مظاهرة، وأعطى كل ما أستطيع لدرجة بات فيها غالبية المشاركين يطلقون عليّ لقب «أمير الحجارة» أو أمير الليل.
.. كان عمره وقتها الثامنة عشرة، حين اعترف عليه مجموعة من المعتقلين، وداهموا منزله، وتم اقتياده إلى مركز تحقيق (ابتاح تكفا)، حيث دخل إلى عالم آخر من المعاناة فيقول:
«تم تقييد يديه، ووضع ما يشبه النضارة على عينيه، واتهم بإلقاء الحجارة ضد دوريات الجيش الإسرائيلى، وإلقاء زجاجات (الملوتوف) على الشارع الرئيسى، ثم نقل إلى سجن (مجدو)، ثم إلى سجن «عكا» لمدة أسبوع سجن انفرادى دون أى سؤال سوى سماعى لأصوات صراخ، وأغان صاخبة، وما شابه، ثم تم نقلى من جديد إلى «بتاح تكفا»حيث تم إخضاعى لما يسمى بجهاز كشف الكذب».
واكتشف أثناء اعتقاله ما يبثه العملاء فى نفوس الأسرى فيقول «أوس»: (العملاء داخل الزنازين، وسعيهيم لتحطيم روحى المعنوية، وبأن الصمود مستحيل، وبأنهم سوف يأخذوننى إلى التحقيق السرى فى «عتليت»، وهو التحقيق العسكرى بلا ضوابط، لكن عيون أمى تحرسنى وصوتها يهز أعماقى، لتكون فى نظرى الخنساء تقول لى: لا تعترف لتكون بطلى الذى يهزم التحقيق والقيود).

قتيبة مسلم

معنى آخر للحياة
وحتى عندما أعادوه إلى سجن (مجدو) برز صمود «أوس»، وساعده الحلم والصبر على تجاوز محنته فيقول: كنت أسكن حلما وطنيا بديلا عن كابوس الليالى السوداء التى تجرعتها، وأحلم أن أعيش تجربة رواد النضال، الذين يتحولون إلى ما يشبه القديسين، لحياتهم معنى آخر، لكلامهم صدى مختلف، فأصابتنى رعشة من الأيام الأولى للاعتقال، حيث تركت وحيدا، كى أبنى نفسى بنفسى، روحى تحلق فى مشروعها، وأنا أغازلها وأحتويها).
مشوار الألم
وتبدو الأساليب الفنية التى استخدمها السارد، ومنها تقنية الحوار نابضة بالحيوية، على مدار الرواية، وخاصة حوار «أوس» مع «صاعد» وحواراته مع أمه، ومع حبيبته «أميرة»، ويكشف حواره المتواصل مع «صاعد» عن ظروف اعتقاله للمرة الثانية فيقول «أوس»: أنه تم استدعاؤه من أحد الأجهزة الأمنية بتهمة حيازة السلاح، والمشاركة فى مسيرة لصالح إضراب الأسرى عام 2017، وهنا يقول: أعلنت الإضراب عن الطعام لأننى لا أطيق الأكل فى زنزانة فلسطينية، توقعت أن تكون مصير العملاء وتجار المخدرات، والمخربين ضد القانون والنظام.
ويبث حزنه وألمه لصاعد فتنساب كلماته فى تدفق: تساؤلات عدة داهمت جوعى، ووحدتى، هل إلقاء الحجارة ضد المستوطنين، الذين يستبيحون دمنا وأرضنا جناية؟، وهل المشاركة فى مسيرة تضامنية لنصرة أسرى الحرية والبطولة تهمة جنائية ضد أمن الدولة؟ ولماذا، لا يتم التفريق بين السلاح الوطنى السرى، وبين أسلحة العصابات، والمافيات، وشلل الادعاء الوطنى؟
ثم عاد «أوس» إلى القيد، والزنزانة والتحقيق فى «ابتاح تكفا»، حيث داهم جنود الاحتلال منزله، ومنزل خطيبته «أميرة» وحطموا ما كانا يبنياه لعش حياتهما الزوجية قبل زفافهما بعشرين يوما.
وحاولت أمه الدفاع عنه فأصابتها الجراح، ونزفت جبهتها وبدأ مشوار الآلام الجديد.
سيد القيد
ويصف «أوس» فى روايته ما حدث له فى زنازين المحتل فيقول: (ف زنازين التحقيق، والقتل المبرمج لمحاولة سحق نفسية الأسير، عرضت عليّ مجموعة من صور الشباب المشاركين فى مظاهرة التضامن مع الأسرى، رفضت التعرف على أى مناضل، واستمر الشبح على كرسى، والتهديد النفسى باعتقال خطيبتى، وصمتى يهزم قيودهم أتحول إلى بركان يرفض الخضوع، يضعون اعترافات أسرى آخرين أمامى، حجارة ومظاهرات، ومظاهرات وسلاح وأرفضها، وأبقى سيد القيد، لمدة ثمانين يوما حيث فشلوا وانتصرت). ثم نقلوه إلى سجن (مجدو) من جديد.
وفى السجن تعرض «أوس» لإهمال طبى، فلم ينقل إلى المستشفى إلا بعد وقت طويل من شكواه، حيث أجريت له جراحة، لا يدرى طبيعتها، ولم يدرك منها سوى قسوة الألم، فيقول له «صاعد»: (سيبقى جرحك وجراح من سبقوك، وألمك شاهدا على جريمة لا تتوقف ضدنا كل يوم).
زنزانة مجنونة بحرق الأحلام
ثم يصف «أوس» ما جرى من أحداث داخل السجن بسبب هتافات الأسرى للمطالبة بعلاجه، وطرقهم على أبواب غرف السجن فيقول: (قوات الاحتلال تطلق على أجساد الأسرى طلقات من نوع خاص، وعبوات من الغاز المسيل للدموع، وكلاب مسعورة، ويقول لهم جنود الاحتلال: أكدنا لكم بأن الاحتجاج ممنوع، والصراع ممنوع، والسهر ممنوع، وطرق الأبواب ممنوع، هكذا تحدث ضابط الأمن المسئول عن عملية القمع).
ثم يحدث الاشتباك من جديد بين الأسرى الذين لا يملكون أية أسلحة، وبين القوات الخاصة، ويتم نقل «أوس» إلى زنزانة السجن بدلا من أن ينقل إلى العيادة.
ويصف «أوس» فى روايته التى كتبها داخل سجن جلبوع المركزى تلك الزنزانة التى اعتقل بداخلها فيقول: فى زنزانة مجنونة فى حرق الأحلام، ترفض أن ترى الأسير واقفا أو مغنيا أو مبتسما، ولأنها محكمة الإغلاق، مجنونة فى حرق الأحلام، فقد تفنن السجان بعمل حلقات حديدية، مربوطة بالسرير، حتى يتم تقييد الأسير بها، فيقول لرفاق نضاله: «لنهزم هذه الزنزانة بأكثر من حبيبة).
أما «صاعد» فلقد مارس قدرته على المقاومة عن طريق المقاومة عن طريق الإضراب عن الطعام فيصفه «أوس» فى روايته: «صبر جوعاً اثنين وأربعين يوما، خاض هذه المعركة معركة الحرية والكرامة بعد أن هزم السجان سابقا فى أحد عشر إضرابا عن الطعام منذ عام 1984، تحول الجسد إلى سلاح نووى، والإرادة الحرة العزلاء إلى طائرة خارقة، من زنزانة لأخرى، ومن تفتيتش لآخر، ومن قمع لآخر، ومئات الأسرى صابرين على جوعهم لأجل إنجاز حقهم فى الحد الأدنى من الحياة الحرة الإنسانية الكريمة.

صمت المجتمع الدولى وصمة عار فى جبين الإنسانية

الصعود إلى الشمس
وتتواصل جهود «صاعد» فى دعم الروح المعنوية للأسرى فيختار أن يلقى عليهم الأشعار التى تثرى السرد بروح الشعر، والمقاومة، فيروى «صاعد» من أشعار عبدالله الصيخان «اصعد يا حبة قلبى اصعد/ ستلاقى رهبطا يسترقون السمع على درجات الكون/ فحادثهم/ اسمع ما يعطيك مفاتيح الأشياء/ وما يمنح ساقك فى الريح مدي/ ويديك نهار/ هذى آخر عبتات الكون الكامل/ أنت الآن على لهب منها فادخل/ وتيممم بنار وصل / تأمل ما حولك/ زواج بين الرمل وبينك/ بين النار وبينك/ بين الماء وبينك/ وادخل فى جدل الأشياء/ أنت الآن ترى».
حب ووفاء
وتتوج الرواية بموقف «أميرة» التى آثرت انتظار «أوس» مهما طالت مدة اعتقاله فيقول لها «أوس»: (ربما سأحكم لمدة تسع سنوات، وسوف يكون المستقبل مجهولا أمامنا، لا أريد أن أظلمك معى، وأضعك معى فى زنزانة، وأريدك أن تفكرى قبل أن تتخذى أى قرار، وأن تسألى والدك وعمتى، وإخوتك.
فكادت أن تسقط مغشيا عليها، بكت فى آخر خمسة دقائق متبقية فى زيارته وعاتبته بشدة: هل تسأل الكريمة عن الوفاء والحب والكرم؟ فخجل من سؤاله، وأصرت على موقفها مؤكدة:
أهلى من هذا الوطن لا يتدخلون بنا، أنا أريدك، وسأبقى، وسأصبر معك، المهم أن تعتنى بصحتك.
وهنا تبدو شجاعة المرأة الفلسطينية وصمودها ووفاؤها، ودعمها المعنوى العميق للمناضلين، مهما تكبدت من معاناة وانتظار.
.. هذه الرواية كما يصفها الشاعر المبدع مراد السودانى الأمين العام لاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين بأنها (السردية الأليمة المعشقة بالنضال والتضحية والفداء).
وقتيبة مسلم هو أقدم أسرى مدينة «نابلس» وقد اعتقل من قريته «تلفيت» شرقى نابلس فى 15/11/2000، وكان عمر ابنه البكر تسع سنوات، تزوج وأنجب ووالده فى الأسر.
وتبقى روايته «زنزانة وأكثر من حبيبة» من أهم مدونات الأسرى الأبطال، الذين مزجوا كتاباتهم بروح النضال والمقاومة، وتلك القدرة الفريدة على اعتصار التجربة الإنسانية، والصعود إلى الشمس لتحرير الحلم وعناق الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.