كان الرجل يقود سيارته ممتعضا من سلبيات الطريق، من ازدحام السيارات وفوضى المرور.. قال صديقه الجالس بجانبه «إننا فى وقت الذروة.. رد عليه بامتعاض.. كل ساعات اليوم أصبحت ذروة.. ساعة الصباح الناس ذاهبة لعملها.. طيب.. لكن هل تسمى الساعة الحادية عشرة صباحا ذروة ؟.. فى يوم سألنى رجل أعمال إنجليزى كيف تكون الطرق مزدحمة هكذا وقت العمل الرسمى..؟!.. لم أستطع أن أقول له شيئا.. فهل كل هؤلاء الناس لهم مصالح فى أماكن أخرى غير أماكن عملهم؟! بعد الظهر.. الساعة السادسة.. السابعة.. التاسعة مساء.. كلها ذروات.. يا صديقى نحن فى ذروة الأشياء المحبطة.. اسمع هذا الكلام : «الحضارة تظهر نتيجة للاختراع الاجتماعى.. كما أنها تنتشر وتكتسب عن طريق الانتقال والتعلم.. إنها غير تحريزية». سأله صديقه «ما هذا الكلام» رد عليه مبتسما «بامتعاض» يا عزيزى هذا الكلام قاله رئيس المؤسسة فى الاجتماع ليحدثنا عن أهمية سلعة ننتجها.. فالحضارة تظهر نتيجة للاختراع الجماعى.. كان طبيعيا أن تختلف فى مظهرها من مجتمع للآخر.. وأن لكل مجتمع حضارته التى يتميز بها .. سأله صديقه ضاحكا.. كيف حفظت هذا الكلام.. رد عليه.. كتبته أثناء إلقائه علينا.. وأقسم لك أن هذا الكلام حفظه من كتاب أو مقال لكاتب أو فيلسوف وقاله له فى غير موضعه ليعرفنا أنه كثير الاطلاع ومثقف؟ وأحسن منا.. بذمتك ما دخل هذه الكلمات فى إنتاج سلعة؟! قال صديقه الحضارة تعنى أيضا إنتاج سلعة.. رد عليه بامتعاض.. إننا لم نخترع هذه السلعة لقد أحضرتها بنفسى من الخارج.. ونحن ننتجها فقط.. فأى حضارة هنا «حاجة تقرف».. سأله صديقه.. ألم يكن رئيسك هذا صديقا لك؟!.. رد بامتعاض.. كثيرا ما يحدث فى الحياة أن يتغير الإنسان عندما يصل إلى منصب كبير.. يختلف مظهره الخارجى فترى الاعتدال فى ملابسه والزهو والتكبر فى مشيته، والشموخ بأنفه لدرجة لا يرى الأرض التى يسير عليها ويختلف داخليا أيضا.. فيصبح قليل الكلام وإن تحدث يختار كلمات كبيرة يحفظها عن غيره، ولا تفارق شفتيه ابتسامة الكبرياء البلهاء.. حاجة تقرف.. سأله صديقه كيف تتعامل معه قال بامتعاض: بحرص شديد.. رفضت أن أكون له جاسوسا فعاملنى ببرود وللأسف كثيرون من الزملاء أصبحوا عيونا له على بعضهم البعض وجو العمل أصبح مقرفا.. سأله صديقه.. تغار منه لأنه أصبح شيئا وأنت فى موقعك؟!.. قال بامتعاض.. أغار؟!.. لا.. موقعى أهم من موقعه .. لكن الناس يفضلون أمثاله من أصحاب الكلمات الكبيرة.. ويعتقدون أنهم ماداموا لا يفهمون ما يقوله فلان فلا بد أنه مثقف أو خبير.. حاجة تقرف.. تصور أن الضيوف المهمين الذين حضروا الاجتماع صدقوا أننا بفضل رئاسته ونباهته اخترعنا هذه السلعة التى ننتجها.. سأله صديقة لماذا لم تخبرهم بالحقيقة.. قال بامتعاض.. طول عمرك ساذج فما أسهل تكذيب الحقائق فى بلدنا.. كان رئيس المؤسسة سيتصدى كلامى ويتهمنى أننى أثير البلبلة لدى الناس وأسىء إلى سمعة إنتاجنا.. وربما تذهب به الخيلاء بأن يقول إن العالم أخذ الاختراع منا !!.. ضحك صديقه فأشرق وجهه بابتسامة وقال يا صديقى الحياة حلوة بالرغم من الحاجات الكثيرة المقرفة..