كان وزير التعليم العالى، د.خالد عبدالغفار، يتحدث عن التخصصات الجديدة التى تتبناها الجامعات الجديدة والأهلية، فقاطعه الرئيس السيسى ليتحدث عن «حجم الطلبة المصريين اللى بيخرجوا بره مصر علشان يدرسوا، فيه حجم معتبر من الأسر بتوفد أبناءها للخارج، الحجم ده فيه جامعات معتبرة ومتقدمة جدا ونسجلها تقدير الجهد والدور والشهادة اللى تعطيها لأبنائها، وفيه جامعات تانى لأ، من غير ما أذكر أسماء جامعات، فى جامعات تكلفتها 35 ألف دولار سنويا وفيه حاجات أقل من كده، مش ده المستهدف، الفكرة مش فكرة مالية، الفكرة تعليمية إنه يكون معانا هنا على أرضنا ويأخذ هذا الحجم وهذا المستوى من التعليم، فى بلدنا، بدل ما يسافر وياخده فى دول تانية». المناسبة كانت افتتاح عدد من المشروعات فى مدينة الإسكندرية، السبت الماضى، وعندما سأل الرئيس عن عدد هؤلاء الطلاب وما ينفقونه، رد الوزير قائلًا: إن عددهم يبلغ 20 ألف طالب، وينفقون نحو 20 مليار جنيه سنويا، «هذا الرقم غالبا لا يتضمن البعثات التى تمنحها الجامعات المصرية للمتفوقين». ودعا الرئيس السيسى، الأسر المصرية إلى عدم القلق من التخصصات الجديدة التى تم إدخالها فى الجامعات الحديثة الأهلية: «خدوا التعليم الجديد ولا تقلقوا منه.. علوم الجامعات الجديدة، أتصور الموضوع ده محتاج من الإعلام ومن المعنيين، دوروا على ربط التعليم بسوق العمل وجامعتنا بتخرج مئات الآلاف ويمكن مش كلهم مربوطين بسوق العمل، جبنا كل العلوم الجديدة اللى تقدر تخلى ابننا أو بنتنا اللى يتعلموا هنا فى مصر فى العلوم دى، يبقوا جاهزين لسوق العمل فى مصر ومستقبله، أو حتى لو كان فى فرصة إنه يبقى فى الخارج». هل الفلوس تساوى الجودة فعلا كلام الرئيس كان واضحا فى أن الأمر لا يتعلق بالقلق من أن تخرج الأموال المصرية للخارج لتعليم الأبناء، بقدر ما هو أن يكون على أرضنا هنا نفس مستوى التعليم، وهو المبدأ الذى يجب أن تبحث فيه وزارة التعليم العالى والبحث العلمى، بدراسات علمية ومقابلات مع العائلات التى توفد أبناءها للتعلم فى الخارج، حول الدوافع الحقيقية لإرسال أبنائهم للدراسة فى الخارج. فإذا استثنينا الطلاب الذين يقصدون الجامعات «المعتبرة» فى الخارج، بتعبير الرئيس السيسى، فإن بعض الطلاب يجدون فرصة لدراسة تخصصات مثل الطب والهندسة بمجموع أقل من المتاح فى الجامعات الحكومية أو الخاصة أو حتى فروع الجامعات الدولية داخل مصر، بالإضافة إلى قلة المقابل المادى أو التكلفة، بالمقارنة بما تطلبه الجامعات الخاصة داخل مصر. يعنى بمجموع أقل وتكاليف أقل أحصل على نفس الشهادة، وليس بالضرورة نفس التعليم، لكن ماذا يهم إذا كانت وزارة التعليم العالى، ستعادل شهادتى فى النهاية بالشهادات المصرية، وما دام سوق العمل فى الداخل سيستقبل صاحب «شهادة الخارج» بالترحاب، بل وأحيانا بما هو أكثر من الترحاب، على اعتبار أن شهادة الخارج تعنى مستوى اجتماعيا مرتفعا للأهل، و«لغة» اكتسبها الطالب خلال دراسته فى الخارج، وتصبح شهادة الخارج ميزة نسبية تسمح لأصحاب الأعمال باستثناء صاحبها من طابور العمل وبحظوته براتب أعلى، للندرة، لا فى التخصص ولا فى العلم، ولكن فى كونها شهادة لا يحملها الكثيرون. هذه الدوافع وغيرها، تحتاج لدراسة علمية تتبناها وزارة التعليم العالى»الدولة المصرية»، حول فكرتين مهمتين: الأولى: كيفية تقنين الحد الأقصى لمصروفات الجامعات الخاصة، طبقا لما تقدمه من خدمة تعليمية، ليس فقط بالمقارنة بالتعليم المناظر فى الداخل، بل بمحتوى وتكاليف التعليم المناظر فى الخارج. فى هذا السوق التعليم «سلعة» سيفكر من يطلبه فى سعرها وجودتها بالداخل والخارج، ويختار على أساس صحيح للمقارنة. وهنا يجب أن تقنن سلعة التعليم، بعيدا عن معادلة الموازنة بين حق الدولة وحق المستثمر، هناك طرف ثالث لا بد أن يكون حاضرا هو الطالب، ومن الممكن أن تمثله هنا الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، التى يعتمد عليها فقط حتى الآن على اعتماد الجودة، طبقا لمعايير المناهج والبنى التحتية والأساتذة، وهى معايير ينبغى أن تضاف إليها المنافسة العالمية فى الأسعار والتخصصات ومستوى الأساتذة. الثانية: هى دراسة دقيقة ومحدّثة لشهادات الجامعات فى الخارج، التى ترقى لمعادلتها بالشهادات المصرية عند عودة الطالب، وتلك التى لا ترقى لمعادلتها بالشهادة المصرية، وإعلان أسماء الجامعات والدول صراحة على الموقع الرسمى لوزارة التعليم العالى، بالطبع طبقا لجودة ما تقدمه من تعليم. ووقتها ستساعد هذه المعلومات والبيانات على ضبط «سوق» الطلب على شهادات جامعات الخارج. أذكر أنه حين تمت الموافقة على قانون إنشاء الجامعات الخاصة فى عام 1997، كان من بين الأسباب، توفير تعليم يقلل من الطلب على شهادات جامعات الخارج، ومن خروج العملة الصعبة لتعليم الأبناء، والآن بعد 23 سنة على منافسة التعليم الجامعى الخاص للحكومى، نحتاج أن تعلن لنا وزارة التعليم العالى عن حجم ما وفرته من العملة الصعبة ومن توفير سلعة جيدة محلية، تنافس الخارجية، للاستفادة من هذه المعلومات فى السوق الجديدة «سوق الجامعات الأهلية».