قالها الرئيس السيسى: «ده ضابط وده ضابط، والاثنين كانوا مع بعض في فرقة واحدة..الفرق بينهم إن واحد منهم اتلخبط وخان، والآخر استمر على العهد والفهم الحقيقي لمقتضيات الحفاظ على الدولة المصرية وأهل مصر».. ربما كانت كلمات الرئيس هى طرف الخيط الذى التقطه أصحاب فكرة مسلسل «الاختيار» كى ينسجون هذا العمل الفنى الرائع، والذى يقوم على عرض لسيرة حياة البطل/أحمد صابر منسى، قائد الكتيبة 103 صاعقة، والذى استشهد فى كمين «مربع البرث»، بمدينة رفح عام 2017، أثناء التصدي لإحدى الهجمات الإرهابية.. وعلى الجانب الآخر يرصد المسلسل بعض نقاط التحول فى حياة الإرهابى/هشام عشماوى، والذى أراد خلع البدلة العسكرية، ليتحول من ضابط صاعقة إلى إرهابى خطط ودرب وشارك فى تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية.. فعبر الاسم عن الطريق الذى اختاره كل من الفريقين..البطل منسى ورفاقه الذين اختاروا طريق التضحية بالنفس والروح فداءً للوطن..والإرهابى عشماوى ورفاقه الذين اختاروا طريق التخريب والقتل وإراقة الدماء.. ويمكن أن ينطبق الاختيار أيضًا على الشعب الذى قبل أن يدفع ثمنًا باهظًا من دماء أبنائه كى يفدى الوطن من حكم جماعة ملعونة أرادت تركيعه..أما المفاجأة فهي أن المسلسل كان الاختيار الأول للجمهور، وشهد اهتمامًا بالغًا من الأطفال والشباب، وحصد المركز الأول فى نسب المشاهدات والتعليقات.. لقد نجح المسلسل قبل أن يبدأ، بمجرد بدء بث الإعلان التشويقى الأول للمسلسل «البرومو»..والذى لم يلفت أنظار الواعين فقط، بل جذب الأطفال بجميع أعمارهم، حتى إننى وجدت ابنى الذى لم يبلغ عمره عامين، يحاول ترديد الجملة التى جاءت على لسان البطل منسى وهو يعلمها لابنه «قول ورايا: رفح، الشيخ زويد، العريش».. فكانت تلك أولى الرسائل التى أراد صناع العمل تلقينها للجميع، كى يحفظونها ويعونها جيدًا.. ورغم صعوبة تناول وتقييم أى عمل فنى قبل اكتماله، إلا أن هذا المسلسل ليس مجرد عمل فنى، بل حالة وطنية، صنعت شغفًا جماهيريًا افتقدناه منذ سنوات، وأكدت على الوعى الجمعى، وكذبت اتهام الجمهور -والشباب تحديدًا- بالتفاهة وتدهور الذوق العام، بل عكست تعطشهم للفن الراقى والهادف، والتفافهم حول القيم الوطنية، وتقديرهم لتضحيات الأبطال.. لقد نجح صنّاع المسلسل فى المزج الرائع بين المادة الأرشيفية المسجلة والدراما.. وانتزعوا دموعنا من خلال توظيف اللقطات الوثائقية الحية للشهيد منسى داخل الأحداث.. وتضفير الدراما مع اللقطات الواقعية، وخاصة مقاطع الفيديو مع أبنائه، وصوره مع الضباط والجنود.. ومع ذلك فهناك بالتأكيد بعض المسالب، والتى ربما ترجع لحداثة خبرة السيناريست والمخرج.. مثل الرسائل المباشرة التى كانت تتطلب حرفية أكبر فى السيناريو كى تأتى فى سياق الأحداث.. وافتقاد التشويق فى بعض الأحيان، أو تغليب مشاهد الأكشن على المشاهد الإنسانية، والتى كانت تحتمل مزيدًا من الخيوط الدرامية الموازية لبعض الأبطال الذين استشهدوا.. كذلك عدم تناسب بعض الممثلين لأدوارهم من الناحية العمرية أو الجسدية.. وكنت أتمنى أن يتناول المسلسل حياة المنسي منذ الطفولة، ونشأته التى جعلته يجمع بين الشجاعة والقوة والإبداع والفن والشعر.. ومع ذلك فقد برع فريق العمل بالكامل، وأثبت بعض ضيوف الشرف المشاركين، إن حجم الدور ليس شرطُا لأهميته وتأثيره.. وكم تمنيت منع الإعلانات من هذا العمل تحديدًا، لأنه لم يكن عمل فنى فقط، بل رسالة نتمنى أن تصل للجميع، وكثرة الفواصل تُشتت الانتباه والتركيز، وتفقد المتابعين تسلسل الأحداث وتتابعها!..ولكن نرجوا أن يكون الاختيار بداية سلسلة من الأعمال الدرامية التى توثق لحياة شهدائنا، وتتناول سيرة أبطالنا من الجيش والشرطة، ليس فى وقتنا الحاضر فقط، بل على مدار تاريخنا المعاصر، بالاستعانة بالشهادات الموثقة لمن عاصر هؤلاء الأبطال، كى لا يشعر بالغصة أبناء شهداء آخرين، لا يقل ما قدموه من بطولات وتضحيات!.