المهرجان الوطنى للكتاب.. إنه مولد ثقافى للكتاب وللكاتب وللقارئ أيضا تنظمه مكتبة الكونجرس سنويّا يوم السبت قبل عيد العمال (الإثنين الأول من شهر سبتمبر). إنه مولد وأصحابه حاضرون ومبتهجون ومبهجون.. صار عبر السنوات وخلال 18 دورة ملتقى جماهيريا لعشاق الكتب والقراءة وحوارهم الدائم ونقاشهم المتواصل حول كل الأمور. نعم حوار ونقاش، ونعم كل الأمور مادام الشغف موجودًا وبخير ومادام لا أحد أعلن حتى هذه اللحظة وفاة الكتاب الورقى على يد الكتاب الإلكترونى..ولا أحد شهد جنازته ودفنه.. ولا أحد قرأ نعيه أو صار يتحدث عنه بأنه خبر كان. والأهم لا أحد ينوى كل ذلك. صباح يوم السبت الأول من سبتمبر تدفق عشرات الآلاف إلى مركز المؤتمرات فى واشنطن لمتابعة فعاليات ومناقشات وندوات المهرجان الوطنى للكتاب. يوم واحد بأكمله مخصص لكتب ولكتاب من مختلف أنواع الكتابة وحوار لا ينتهى حول القضايا المطروحة فى حياتنا وعلى صفحات تلك الكتب من تاريخ وسير ذاتيّة إلى فهم أفضل للعالم من حولنا وأيضًا لثقافة الشعوب الأخرى وتجاربهم الحياتية وبالطبع الروايات والأشعار التى جذبت اهتمام القرّاء والقارئات من مختلف الأعمار.. من الأطفال حتى كبار السن.. مشاهد مبهجة عشتها مع عائلات بكامل أفرادها حضرت لتعيش المولد وتتفاعل مع الآخرين، ومع ما يشهده العالم من ثورات وحركات ونشاطات إبداعية وفكرية وفنية. عشرات المؤلفين يتحاورون، ويتفاعلون مع القرّاء ومنطق التساؤل من أجل المزيد من المعرفة هو المنطق السائد.. وهناك حرص عام على الاستفادة من خبرة الآخر، وإفساح المكان لكل من يريد أن يحضر نقاشًَا.. الحضور مفتوح وميسّر ومرحّب به حتى لو كان الزائر المهتم على كرسى متحرك.. ولا يتواصل إلا بلغة الإشارة. حضرت نقاشًا مطولًا وشيقًا مع الكاتب الصحفى جيمس فالوز وزوجته الكاتبة ديبورا حول كتابهما الملفت للأنظار «مدننا ورحلة 100 ألف ميل إلى قلب أمريكا» والكتاب يشمل زياراتهما لثلاثين من المدن الأمريكية الصغيرة وغالبًا البعيدة عن الأضواء، وذلك من أجل معرفة ما يحدث هناك فى تلك التجمّعات السكّانية التى صارت تشكل وجه أمريكا فى الحاضر والمستقبل. جولة وتجربة كتابة مميزة استمرت نحو خمس سنوات التقى فالوز الزوج والزوجة خلالها بعشرات من أهل تلك المدن وأيضا المهاجرين إليها من جميع بقاع العالم.. وهم معًا يشكلون ملامح حياتهم بما فيها من أيام حلوة وأيام مرة. والمؤلفان يقفان أمام تفاصيل التحدى والتعايش والحلم والتواصل فى أمريكا على صفحات كتاب يصل عدد صفحاتها إلى 432. وإذا رحلة فالوز كانت عبر جغرافيا أمريكا فإن كتاب المؤرخ جون ميتشوم عن «روح أمريكا» هو رحلة حواديت لأشخاص وأحداث وجولة عبر تاريخ أمريكا من أجل التعرف على أهم ملامح الروح الأمريكية.. تلك التى أنجزت الكثير وحققت المتميز.. ميتشوم تحدث، وتناول بالتفاصيل عما كان يشغل بال الرئيس الأمريكى عبر العقود.. وكيف كان يحكم؟ وكان يواجه التحديات العديدة؟ وكيف كان يخرج من الأزمات؟ دروس وحِكم من التاريخ ربما تكون نافعة فى هذا الزمن الحرج من التوتر والتويتر والارتباك والخوف والمواقف الطائشة! من خلال الندوات والنقاشات ظهر بوضوح الرغبة فى طرح السؤال والسعى لمعرفة الإجابة أو الإجابات. أهم ملمح للمثقف المهتم والمهموم بمشاكل عصره. وذكر أن التعامل مع العصر بطبيعة تعقيداته المتجددة يوميّا بل فى كل لحظة فى حاجة إلى إعادة النظر. نعم أدوات تكنولوجيا المعرفة والتواصل تتزايد وتزيد من كمية المعلومات كما أنها تزيد من سرعة الحصول عليها. إلا أن التنبيه المثار مقصده ليس إغلاق النوافذ والأبواب أمام الرياح الآتية. بل غربلة ما يأتى إلينا ويحيط بنا وما قد يحيرنا ويحبطنا فى أسوأ الأحوال. الكاتب المتخصص فى قضايا المعرفة وثورة المعلومات لا ينصح بأن نأخذ هذا دائمًا أو نتفادى أخذ ذاك تمامًا، وإنما يقول إن علينا أن نختار وأن نميز بين الأشياء ونستعمل قدرتنا على الاختيار وتفضيل شىء على شىء آخر. كتاب عن حياة الشاعر التشيلى بابلو نيرودا صدر حديثًا يؤكد من جديد شعبيته العارمة العابرة للزمان والمكان.. قرّاء أشعاره يتزايدون والانبهار بحياته ونضاله مازال قائمًا.. لأن الشعر كما قيل فى ندوة بالمهرجان يعد التقطير المتميز لمعانى حياتنا وبلورة لمشاعرنا أينما كنا.. وفى أى لغة نتحدث. ديف إيجرز الكاتب الأمريكى المعروف بتصديه لقضايا معاصرة وتقديمها فى شكل روايات غالبًا تسرد حكايات حَدَثَتْ بالفعل.. كان حاضرًا وناقش كتابه «راهب الموكا» عن الشاب الأمريكى اليمنى الأصل مختار الذى فى لحظة مواجهة مع صديقة له قرر أن يرجع إلى وطنه، وإلى البن اليمنى، وإلى ما يحيط هذا المحصول من ثقافة وزراعة وتجارة عرفت عبر قرون وصارت مميزة، وتمثل قيمة كبرى للهوية اليمنية. وفى ندوة حضرها مئات من المهتمين بالكاتب والكتاب والموضوع المطروح دارت مناقشة بين المؤلف، وبطل الكتاب ومغامراته من أجل الوصول بالبن اليمنى إلى سان فرانسيسكو والاتجار به وضمان الحفاظ على هذا المحصول اليمنى والبصمة المميزة فى تاريخ البن والقهوة والمنطقة والتاريخ الإنسانى. لا شك أن القراءة متعة لا مثيل لها.. ومن ذاق عرف!! •