عندما نادى الصراف فى البنك باسمى كاملا.. لحقت بى سيدة أمسكت بيدى وقالت ضاحكة إنها بطلة إحدى حكاياتى التى جمعتها فى كتاب تحت اسم حكايتها «ضاع منها فى الزحام». فى آخر اليوم أعدت قراءة الحكاية بعد أن تخرجت بطلتنا فى الجامعة فى فترة ثمانينيات القرن العشرين، وحصلت على مرتب كبير لإجادتها اللغات الأجنبية ولأن والدها كان طبيبا ويسكنون أحد الأحياء الراقية فى العاصمة ولأنها كانت وحيدته ووريثته الوحيدة فلا يهم الجمال.. هى فتاة مؤدبة لم تتحدث مع شاب طوال دراستها، ليس لها صديقات، لا تخرج إلا فى صحبة أمها وترتدى ملابس غالية الثمن. وبدأت العائلات المعروفة يقدمون شبابهم لخطبة ابنة الطبيب الكبير.. اختار والدها شابا أعجبت به بعد إعجاب والديها به.. وكان أول خطيب لها.. أول شاب تتحدث معه. وذات يوم من أيام خطوبتها السعيدة كانت تسير مع خطيبها فى الحى التجارى وتمسك بيده وتحدثه عن الأشياء الجميلة المعروضة فى المحلات التى سيشترونها. الطوفان كانا يسيران بالقرب من إحدى دور السينما عندما حدث الطوفان.. خرجت جموع المشاهدين كأن بحرا اضطربت أمواجه فجأة.. لم تستطع الاحتفاظ بيد خطيبها فى يدها.. واتخذت جانبا إلى أن مر طوفان البشر بينهما.. مدت يدها لتمسك بيده فلم تجده.. كأن طوفان البشر الذى مر بينهما حمله واختفى. عادت بطلتنا إلى البيت مضطربة، وعندما سألها والدها أين خطيبها؟! انفجرت باكية وقالت: ضاع منها فى الزحام.. تبادل الوالدان نظرات القلق والدهشة.. وقالت الأم أن تنتظر قليلا وتتصل به فى منزله، لكنها لم تنتظر واتصلت به عدة مرات ويأتيها الرد أن الرقم خاطئ.. وقال والدها إن خطيبها لابد سيحضر فى الغد ليقول لها ماذا حدث.. وجاء الغد ولم يحضر الخطيب.. وحتى لا تمرض بحزنها اشترى لها والدها سيارة صغيرة جدا خاصة بها، فرحت بها وفرح والداها لعودة الابتسامة إلى شفتى وحيدتهما.. وبدأت حياتها تسير كما كانت ونسيت هروب خطيبها الأول وفكرت فى السفر للخارج لتستكمل دراستها العليا كما سمعت من زميلات لها.. ورفض الأب طلبها.. بكت بعصبية ولم تهدأ إلا عندما وعدها والدها كاذبا أنه سيبحث فى أمر ما طلبته. بعد عدة أسابيع كانت قد نسيت طلبها بالسفر وذهبت الفكرة تماما بحضور الخطيب الثانى وخاتم خطوبة جديد باسم جديد التف حول إصبعها.. لم تخرج مع خطيبها الثانى فقد تشاءمت من كل الطرق.. فكان يذهب لزيارتها فى بيت أهلها وتجلس معهما أمها وأحيانا والدها عندما يعود مبكرا من عيادته.. تضايق الخطيب من صحبة والديها وسألها أن يخرجا للتنزه فى مكان عام لأنه يريد أن يحدثها حديثا خاصا بهما.. وتحت إلحاحه وافق والداها على خروجها معه وذهبا إلى كازينو على النيل. وذات يوم من أيام خطوبتهما السعيدة وهى جالسة مع خطيبها فى الكازينو.. استأذن منها ليذهب إلى دورة المياه.. ولما طالت غيبته نادت على الرجل الذى أحضر طلباتهما وسألته إذا كان قد شاهد خطيبها.. فأخبرها أنه دفع الحساب وخرج! عادت بطلتنا إلى بيت والديها وانفجرت فى بكاء هيستيرى عندما سألها والدها عن خطيبها، وقالت: ضاع منها فى الكازينو. بنصيحة من قريبة أخذتها أمها إلى رجل خبير فى شئون السحر.. وطلب الرجل مبلغا كبيرا دفعته الأم وأخرج السحر من مقبرة ادعى أنه لها.. وسارت الحياة عادية ببطلتنا ونسيت حكاية هروب خطيبها الثانى واطمأنت أنه لم يعد هناك سحر شرير يجعل العرسان يهربون منها.. وكانت فرحة الأم أكثر من فرحة ابنتها عندما تقدم الخطيب الثالث. وقررت بطلتنا ألا تخرج مع خطيبها الجديد إلا إلى بيتهما. وبعد عدة أيام أخبرهم أنه سيسافر فى مهمة لعمله وعندما يعود سيتم الزفاف.. أصيبت بطلتنا بوجوم وخيم على والديها الهم. بعد يومين وفى لحظة ذكاء نادرة جاءت لبطلتنا ذهبت إلى مكان عمل خطيبها الثالث.. وسألت عنه رجل الاستعلامات وأخبرها أنه موجود وطلبه لها.. وعندما سمعت صوته يسأل: مَنْ؟ وضعت السماعة وبقيت ثلاثة أيام فاقدة النطق.. فهم والدها ما حدث وأعطاها بعض المهدئات ولم يجد مفرا من الذهاب إلى طبيب نفسانى. استمع الطبيب إلى حكايات بطلتنا مع خطابها، وسأل عن طفولتها وصباها، وكتب تقريرا مفصلا عن شخصيتها واعتمادها على والديها فى كل شىء فظلت طفلة فى انفعالاتها وتفكيرها. وبعد أن قرأ والدها تقرير الطبيب النفسى اغتم خصوصا عندما طلب أن يقابل خطيبها الثالث وقد اعترف الخطيب الثالث للطبيب النفسيانى بضيقه من تصرفات خطيبته، لذلك قرر حجة السفر ليفكر بهدوء.. وتحدث معه الطبيب حديثا طويلا عن النفس البشرية وأهمية فهم الشخصية. وفكر الشاب أن الفتاة أحبته ولم ينكر أنه أحبها قليلا، وقد خطبها لسمعة والدها الطيبة وثراء عائلتها والآن وقد فهم شخصية خطيبته ببعض الصبر وضبط النفس يمكن أن يساعدها ويمكن أن تحبه كثيرا..وعاد إليها. وكانت بطلتنا فى يوم زفافها جميلة.. وفرحتها هستيرية شديدة.