فى أهدأ شوارع جزيرة الزمالك المطل على نهر النيل مباشرة، 10 شارع المنتزه «كمال الطويل حاليا» كانت تجلس الفنانة هند رستم «12 نوفمبر 1931-8 أغسطس2011» فى بلكونتها بالطابق الثانى، لتطل فى السابعة من صباح كل يوم على النهر، من وراء زجاج البلكونة». تتذكر «أم على» زوجة حارس العمارة المجاورة، التى كانت ترى هند يوميا فى نفس الموعد، وهى فى طريقها لإيصال ابنتها للمدرسة، وتعرف من عم أبو زيد، حارس عمارتها رحمه الله، أن الفنانة الجميلة تستيقظ يوميا فى الخامسة صباحا.. «بقالى 60 سنة فى الشقة دى، بافطر واتغدى واتعشى فى البلكونة، أحب أشوف كوبرى إمبابة وقطار الصعيد وأتذكر الناس اللى جواه، اللى فرحان واللى تعبان واللى عيان، وافتكر صوت فريد الأطرش، وهو يغنى وأنا أرقص»يامقبل يوم وليلة اطوى السكة الطويلة، ودينى بلد المحبوب، صوت القطار جميل وصفارته تشعرنى أنى فى ميناء» تقول هند فى حديث تليفزيونى فى 2010.. أغلب عمارات الشارع الهادئ مبنية فى الخمسينيات، ولا تزيد على خمسة طوابق، وبناها يونانيون وإيطاليون، وبعضهم يسكنها حتى الآن، وتتميز عمارة هند بفراندات كبيرة تطل على النيل، حتى تلك الموجودة على الواجهات الجانبية، لأن لكل عمارة «حرم»يفصلها عن العمارات الأخرى، فيسمح للهواء بالمرور، كما لايضع حواجز أمام عشاق النيل من أى جانب. العمارة التى تبدو وكأنها بنيت بالأمس، كتب صاحبها على الواجهة باللغة الإنجليزية «ركن فريدة»، يستقبلك فى المدخل عامودان دائريان، وبوابة من الحديد والزجاج، ومازال مكتوبًا على أحد صناديق البوستة العشرة المقسمة على جهتى المدخل، «د. محمد فياض» وهو طبيب النساء والتوليد المعروف وزوج هند رستم.. رخام أرضية المدخل أبيض مجزع بالأسود، ورخام الحائط أسود مجزع بالأبيض، وينخفض لنصف ارتفاع المدخل فقط، ويستقبلك مصعد خشبى صغير بوابته من الحديد، بجانب السلم «البريمو» كما يصفه عم أحمد متولى، الحارس الجديد للعمارة بعد وفاة أبو زيد قبل 10 سنوات، على اعتبار أن هذا السلم أعلى منزلة من سلم الخدم النظيف جدا، الذى يستخدمه جامع القمامة، وأحيانا الخدم حسب استخدام كل ساكن. على مقعد بلاستيكى جلس السبعينى، عم أحمد على مدخل العمارة، واصفا متانتها«لو دقيت فيها مسمار صلب يتكسر، واللى بناها مابخلش عليها»، هى على شقتين فقط، وكل شقة مساحتها أكثر من 250 مترا، وتحتها جراج، وانتقلت ملكيتها من شخص لآخر، ويرثها الآن أربع سيدات. بعض شقق العمارة مازالت بنظام الإيجار القديم، مثل شقة هند التى كان إيجارها 30 جنيها، وبعضها الآخر تم بيعه، مثلما حدث مع شقة هند رستم التى بيعت بسبعة ملايين جنيه، منذ ثلاث سنوات تقريبا، تقاسمتها ابنتها مع ورثة العمارة، بحسب عم عبد الراضى، الستينى، حارس العمارة المجاورة. ويقول عم عبد الراضى، أقدم حراس العمارات بالشارع، إن أكثر من كانوا يزورون هند وزوجها من الفنانين» فريد الأطرش وعبد الحليم، ومحمود المليجى وفريد شوقى». مقتنيات وتحف يتذكر عم أحمد متولى يوم أن جاءت «بسنت رضا» ابنة الفنانة هند، لتأخذ التحف والأنتيكات ومقتنيات شقة والدتها، وكان يوما مشهودا، حيث وقف الكثير من حراس العمارات يراقبون الكراتين الكثيرة التى حوت تلك المقتنيات، التى يحكى الجميع عن ندرتها وقيمتها، ومنها ثلاثة كراسى فرنسية الطراز، بيعت أمامهم خلال نزول الكراتين.. ويقول متولى إن بسنت تركت تكييفات الشقة، لمن يأخذها من حراس العمارات.. «مدام هند ماكانتش بتخرج من شقتها إلا نادرا، تروح لدكتور أو تقضى مصلحة، ساعة بالكثير وترجع مع السواق تانى، وكان عندها سفرجى وطباخ وسواق، كلهم من النوبة، والسفرجى كان ليه أوضة وحمام لوحده، عشان يبات»، يكمل متولى. شارع المنتزه يصور فيه الكثير من الأفلام والمسلسلات لأنه هادئ وعلى النيل، وفى ذات مرة كانت الفنانة ليلى علوى تصور مشهدا فى مدخل العمارة، وبعد انتهاء المشهد صعدت لتسلم على مدام هند، يتذكر متولى بابتسامة. •