الإيموبيليا.. يسكنها أقارب مشاهير الفن يعقوبيان.. حكايات ساكنيها ترويها رواية الأسوانى جروبى.. "مصر للتأمين" تستحوذ عليها أنور وجدى.. التأميم يغيبها وتتحول لشركات إسماعيل يس.. الديون دفعت "أبو ضحكة جنان" لبيعها فريد الأطرش.. خسرها "الفنان" على "طاولة قمار" "عمارات عتيقة صمدت أمام المتغيرات المستمرة، وظلت وحيدة تروى لنا تاريخًا عن حكايات وقعت داخل أروقة وجدران تلك المباني، فهي مزيج من أصالة الماضي وشموخه تعبر عنه، وحقبة تاريخية من تاريخ سكان "القاهرة" بعيداً عن أعين مَن يكتبون التاريخ. فكل مبنى تاريخي شهدت به القاهرة نهضة عمرانية حقيقية بشكل مخطط له حتى أصبحت القاهرة في فترة من الفترات من أفضل مدن العالم عام 1925، وهو ما أثر في وجدان وتعاملات ساكني تلك العمارات الذين أثروا مصر في كل المجالات السياسية والفنية والاجتماعية والروائية أيضًا. عمارة الإيموبيليا عند قدومك للعمارة تجدها على شكل حرفu" " نظرًا للمساحة الكبرى التي تغطيها، وتجد في انتظارك يافطة كبرى يكتب عليها "هنا عاش الفنانون نجيب الريحاني، محمد فوزي، عبدالوهاب، ماجدة، وأسمهان" وغيرهم من الفنانين، وبها مدخلان يطلق عليهما "قِبلي وبحري"، فبدخولك أحدهما للبحث عن "مخزن أسرار تلك العمارة تجد مَن يقول لك "إذا أردت أي معلومة فعليك بالذهاب إلى الحاج حسن السيد". من أضخم عمارات القاهرة "الملكية" في منطقة وسط البلد، فالعمارة الفاخرة والكائنة في شارع قصر النيل، تعد من العمارات صاحبة التاريخ الطويل، لما تحتويه من شكل انسيابي رائع دون أي مبالغة أو تكلفة، فهي شاهدة على تاريخ تلك الفترة. فالعمارة بناها أكبر المهندسين الفرنسيين عام 1940، فمالكها كان أحمد عبود باشا والذي كان من أهم أثرياء مصر في القرن الماضي، والذي كان رئيسًا للنادي الأهلي، وقدرت ثروته ب30مليون جنيه في ذلك الوقت. وبلقائنا بالحاج حسن، ذي البشرة السمراء قال: "هذه العمارة ملك عبود باشا إلا أنه بعد قيام الثورة تم تأميمها من قِبل النظام وتم ضمها إلى الدولة، لصالح شركة "الشمس" للإسكان والتعمير التابعة للحكومة، وكانت تلك العمارة يسكنها عمالقة الفن والفنانون، والتي لم يستمر بها أحد سوى شقة الفنانة ماجدة الصباحي التي كانت متواجدة بها منذ فترة ولم تعد إليها، وكان يقوم بزيارتها الفنانان محمد عوض ومحمد رضا، وأيضًا يعيش بالعمارة الآن المخرج خالد الحجر وهو الوحيد من الفنانين الذي يسكن بالعمارة . وأضاف في تصريحات خاصة ل"المصريون": "أيام هؤلاء النجوم لم ولن تعوض نظرًا لطبيعة الحياة واحترامهم لفنهم والتزامهم بمواعيد عملهم، وأتذكر مرات عديدة تم إلغاء بعض المخرجين التصوير لعدم التزام فنان بمواعيده، وكان من أبرز الأعمال التي صورت هنا فيلم "ذهب"، والذي شارك به أنور وجدي، وفيروز الصغيرة، وأيضًا الفنان نور الشريف والشحات مبروك. وتابع: "السكان الأصليون في تلك الشقق هم ورثة الفنانين وأقاربهم وهم جميعًا اجتمعوا على أنهم لم يريدوا أن ينقر أحد عليهم الباب، لأنهم يريدون أن يعيشوا كما كانوا في الماضي بعيدًا عن الصخب الحالي الذي انتشر في مصر بأكملها ." عمارة يعقوبيان إحدى أهم العمارات التاريخية في القاهرة، وقد لاقت شهرة واسعة بعد نشر رواية الأديب العالمي علاء الأسواني، رواية تحمل اسم العمارة، وتعد تلك العمارة شاهدة على تاريخ مصر قرابة القرن من الزمان؛ إذ بنيت عام 1937 على يد عميد الجالية الأرمانية "هاغوب يعقوبيان" قبل أن تأخذها الدولة عام 1952. فى البداية استقبلنا رجل أسمر اللون ويبلغ من العمر الخامسة والستين يدعى الحاج عبده سعيد، والذي فتح خزانة ذكرياته مع العمارة قائلاً: "أعمل هنا منذ أكثر من 30عاما حتي الآن، و العمارة سكنها مشاهير السياسة والفن، وأنا أعلم عنها كل شيء نظرًا لاستمراري طيلة تلك المدة بها" . وأضاف ل"المصريون": "العمارة سكن بها محافظ دمياط الأسبق في عصر عبدالناصر، وأيضًا الفنان الكبير "زكي رستم"، وأيضًا محمد حلمي وزير تعليم حقبة الستينيات وأيضًا مدير بنك مصر في حقبة الناصرية". وأشار "سعيد" إلى أن رواية الأسواني التي كتبها، كانت نتيجة عمل والده في العمارة ك"طبيب أسنان" وكان يمتلك عيادة بالدور الأول وعندما توفي "الأسواني الكبير"، أخذها الابن بدلاً منه مما سهّل علية معرفته بالسكان فكانت الخيط الأول لروايته". وتابع في حديثه: "الرواية بها شيء من الواقع قليلاً؛ إذ أن الدور الروائي والسينمائي بعد ذلك والذي قام به الفنان خالد الصاوي والذي يعد من أعمال "المحرمات" وجدها الأسواني في شخص في العمارة، وهو لبناني الجنسية وكان يقال إنه يأتي بالرجال لممارسة "الفواحش"، وأيضًا شخصية "ملاك" المحامي فهي حقيقية بالفعل وكانت عائلته قد رفعت على "الأسواني" قضية للتشهير به في العمل، لكن حلت الإشكالية بالتصالح بينهما، وللعلم أنا كنت البواب الذي ذكره في روايته، ولكن دون أن يدخل ابني السجن كما ذكر بالرواية. وأردف قائلً: "عندما قامت ثورة 1952 تم تأميم العمارة قبل رحيل صاحبها من مصر عام1981، فقد تم الحجز عليها من قِبل بنك مصر بعد الثورة، حتى اشتراها أحد المحامين عام 1983من البنك بمبلغ 2مليون جنيه، وباع بعض الشقق منها بمبلغ 200 ألف ج للشقة، مقابل دفع بعض الورثة إيجارًا للشقة حتى وقتنا هذا بمبلغ 10 أو20 جنيهًا شهريًا". عمارة جروبي في قلب ميدان يعد من أشهر ميادين مصر، وهو ميدان طلعت حرب، تقع عمارة جروبي إحدى أشهر عمارات القاهرة ليس فقط لطيلة تاريخها أو لشكلها الرائع بل لشهرة كافيه جروبي الذي يعد من أشهر الكافيهات في تاريخ مصر الحديث، والذي يمتاز بمزج الحاضر بالمستقبل إذ يجلس عليه جميع فئات المجتمع وفي مختلف الأعمار، ولكن تم إغلاقه بعد ثورة يناير بفترة قصيرة نظرًا لما حدث من اضطرابات في محيطه، وتم إغلاقه حتى وقتنا هذا، وبمرورك من أمام جروبي ترى عمارة ذات طابع أوروبي ممزوج بنكهة مصرية أصيلة وتطل مباشرة على ميدان طلعت حرب، وأثناء صعودك إلى العمارة تجد عند المدخل الخاص بها أفراد من الأمن يجلسون بين مداخلها. وأثناء تفقدنا العمارة وجدنا الحاج "محمد" حارس العمارة، الذى روى لنا ذكرياته معها قائلا: "أعمل حارسًا للعقار منذ 3 سنوات وجئت إلى هنا قبل رحيل أحد أقاربي من العمارة والذي كان مكلفًا بحراستها حتى وفاته، وبعد وفاته استلمت العمل بدلاً منه، وكان يخبرني بما حدث في عمارة جروبي والذي أكد لي أنه تم تشييدها في بدايات القرن الماضي وتحديدًا عام 1924، وكان "جاك جروبي" مالك العقار يسكن بها، حتى مجيء ثورة 1952، وتم تأميم العمارة وخروج الأجانب من مصر وتم ضمها لشركة مصر للتأمين والتي استحوذت عليها جميعًا. وأضاف في تصريحات ل"المصريون": "العمارة لم يبق منها سوى 5 شقق سكنية، واستحوذت الشركة على باقي الشقق، وقد أغلق أصحاب تلك الشقق أبوابها الخمسة، ولم يأت ملاكها إليها منذ سنوات ويدفعون الإيجار لشركة مصر للتأمين". عمارة أنور وجدي في شارع مظلوم بوسط البلد وتحديدًا بمنطقة "باب اللوق"، تقع عمارة الفنان الراحل أنور وجدي، وبدخولك العمارة تجدها من أكبر العمارات في المنطقة، نظرًا لمساحتها الكبيرة، ومدخلها الواسع الشاهق، وما أن ترى مدخل العمارة تجد في انتظارك "لوحة" من الرخام مدونًا عليها اسم المهندس الأجنبي الذي قام ببنائها، ورغم من أن جميع مَن سكنوا العمارة الآن ليسوا من السكان الأصليين لها، لكن تظل العمارة حاملة لكل معاني التراث القديم، فمدخلها يرى محل "جزارة" باسم العربي والذي يعد من أقدم المحلات في المنطقة أيضًا، وبدخول بهو العمارة تجد في انتظارك لافتة مدون عليها: "في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وفي رعاية السيد/ شعراوي جمعة وزير الداخلية اشترى صندوق تأمين ضباط الشرطة هذه العمارة بتاريخ عام 22/12/1966، ومثل الصندوق العقيد "مصطفى كمال سعودي" العضو المنتدب للعمارة". وعمارة وجدي كان معروفًا عن صاحبها أنه كان يعشق الحياة بطرق معروفة عنه بالوسط الفني، ولكن كانت المفاجأة أنه مرض مرضًا شديدًا عندما وصل إلى مرحلة تملكه ثروة ضخمة مما جعلته لا يستطيع أن يستثمرها ويتمتع بحياته، وسرعان ما مرض بمرض "الكلى" فمنعت عنه معظم الأطعمة حتى دخل مرحلة المرض الخطيرة وتوفي عام 1955. وقال أحد ساكني العقار المجاور ل"المصريون": "تلك العمارة تعد الأكبر في المنطقة وقد سكنها المخرج الإذاعي عثمان أباظة، وأيضاً وزير الثقافة الأسبق جلال معوض، وكان "وجدي" يجلس في الدور العاشر بالعمارة ولكن القدر لم يسعفه بسبب وفاته بمرض "الكبد". وأضاف: "العمارة تحولت بعد التأميم إلى نادي ضباط الشرطة حتى تم تحويلها بعد ذلك من سكن للمشاهير إلى مكاتب وشركات ماعدا بعض الشقق التي استمرت بها بموجب عقد إيجار قديم يتم دفعه حتى الآن والذي لا يتعدي قيمته 30 جنيهًا". عمارة إسماعيل يس وسط ما يطلق عليه "حي السفارات" في الزمالك وخاصة في 8 شارع سمير زكى تجد عمارة "أبو ضحكة جنان" وهو الفنان الكبير إسماعيل يس، والذي يعد من أساطير الفكاهة في مصر والعالم العربي، وبدخولك إلى العمارة الكائنة بشارع "سمير زكي" تجد عند المدخل الخاص بها لافتة كبرى بالرخام مدون عليها اسم "عمارة إسماعيل يس" والتي تمتاز بالتراث القديم خاصة "مصعدها" الذي يعد من تراث الماضي الأصيل، وتتكون العمارة من أربعة طوابق وكان "يس" يسكن في الدور الرابع" والذي كان مخصصًا بأكمله له. ولكن صاحب العمارة "سمعة" نظرًا لما يتمتع به من فن رفيع وفكاهي يجعلك تضحك من أول ما ترى وجهه، تحولت حياته رأسًا على عقب، عندما مرض مرضًا خطيرًا في القلب أدى إلى تدهور صحته بشكل كبير، وتابعه تدهور فني مما أفقده الكثير من شعبيته نظرًا لدخول الدولة في الإنتاج الفني، مما جعل المسرح الخاص في مهب الريح، والذي فقد الكثير من نجوميته؛ بسبب ابتعاده عن تقديم المونولوج في أعماله الأخيرة، وهو ما جعل الديون تتراكم عليه والضرائب أيضًا حتى أصبح بين عشية وضحاها مطاردًا، ومن ثم تم الحجز على عمارته، التي بناها والتي رآها تباع أمام عينيه. ويقول "محمد علي" صاحب العمارة حاليًا، والذي رفض الحديث في بادئ الأمر إلا أنه في النهاية قال لنا في كلمات مقتضبة: "إسماعيل يس باع لجدي تلك العمارة أثناء الأزمة المالية التي مر بها.. العمارة لا تخص أحدًا من عائلة الفنان، لأنه باع لنا العمارة بأكملها". وأشار: "العمارة لا يوجد بها حارس عقار نظرًا لأن المنطقة آمنة وتقع وسط سفارات مهمة في مصر وأيضًا لوجود منطقة بنوك أيضًا". عمارة فريد الأطرش في شارع النيل وخاصة عمارة 76 تقع عمارة الفنان الراحل "فريد الأطرش" والتي كان يمتلكها الفنان بعد اختياره لمكانها عام 1954، وتعد تلك العمارة من أبرز عمارات الخمسينيات في شارع النيل وتحتوي على 10 أدوار كل دور يضم أربع شقق، وعمارة فريد الأطرش خلافًا لمعظم العمارات في هذه المنطقة سكانها ثابتون ولم تتم حالات بيع لشقق هذه العمارة منذ أكثر من ثلاثين عامًا، ولا يقوم أي من سكانها بتأجير شقته مفروشة ولم تستخدم أى منها كمكتب أو عيادة أو أي نشاط تجارى". العمارة لم تستمر مع الأطرش سوى أكثر من 4 سنوات فقط، ماعدا الدور العاشر الخاص به بالكامل، وقد أثير وقتها أن بناء العمارة كان بسبب زمالة جمعت بين "الأطرش" و"حسن أبو الفتوح" رئيس نادي الزمالك والذي كان صديقاً للأطرش بسبب زملكاويته الشديدة، ومن ثم تم أخذ الأرض وبناها. وقد قيل إن سبب ترك الأطرش لترك العمارة هو شغفه ل"لعب القمار" والذي أكد الأمر ابن عمه في أحد اللقاءات الإعلامية التي قال فيها: "عمى خسر العمارة أثناء اللعب ولكن هذا لا يعنى أنه كان مدمنًا للقمار ولكنه كان يلعب بشكل عادى وقد خسرها أثناء لعبه مع إحدى الشخصيات العربية البارزة وهو الآن أحد أثرياء الخليج".