جدول امتحانات نهاية العام للشهادة الإعدادية 2024 في القليوبية    بنك ناصر يشارك في المؤتمر العلمي ال29 لكلية الإعلام جامعة القاهرة    قنديل يناقش مجالات التعاون مع جامعة 15 مايو وتطوير مستشفي بدر    طريقة الانضمام للتحالف الوطني للعمل الأهلي بعد قرار الرئيس السيسي| تفاصيل    "الأعلى للإعلام": آفاق جديدة للتعاون الإعلامي بين مصر والأردن    وزير الزراعة : مصر تحتل مراكز متقدمة بين الدول المنتجة للأسمدة النيتروجينية والفوسفاتية    محافظ الغربية يوجه بتسريع وتيرة العمل في المشروعات الجارية ومراعاة معايير الجودة    السيسي يعزي رئيس دولة الإمارات في وفاة الشيخ هزاع بن سلطان    عاجل.. وفد حماس يغادر القاهرة متوجهًا إلى الدوحة    الخصاونة: توسيع سعة الربط الكهربائي بين الأردن ومصر لتصل إلى 2000 ميجا وات    ماتا: الأهلي الأنجح في مصر.. وأصبت بشد بسبب الجري مع صلاح    بث مباشر.. مراجعة نهائية لمادة الدراسات الاجتماعية لطلاب الشهادة الإعدادية في بورسعيد    أهم القطع الأثرية المعروضة بمتحف جامعة الزقازيق | صور    بعد أسبوع حافل.. قصور الثقافة تختتم الملتقى 16 لشباب «أهل مصر» بدمياط    لو بتبحث عن وظيفة|ردّد دعاءً واحدًا يرزقك الله بالعمل من حيث لا تحتسب    حكم هدي التمتع إذا خرج الحاج من مكة بعد انتهاء مناسك العمرة    قافلة طبية مجانية بقرية بكفر الشيخ تعالج 1429 مواطنا    وفد صحة الشيوخ يتفقد عددا من المستشفيات ووحدات الإسعاف وطب الأسرة بالأقصر    هل يقترب مدافع الوداد السابق من الانتقال للأهلي؟    خالد حنفي: 30 مليار دولار حجم سوق العملات المشفرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فساد التموين ل 8 يوليو    محامي الشيبي يطالب بتعديل تهمة حسين الشحات: "من إهانة إلى ضرب"    وزيرة التضامن تشهد انطلاق الدورة الثانية في الجوانب القانونية لأعمال الضبطية القضائية    الشعب الجمهوري يعقد اجتماعًا تنظيميًا لأمناء المرأة على مستوى محافظات الجمهورية    "العمل": تحرير عقود توظيف لذوي الهمم بأحد أكبر مستشفيات الإسكندرية - صور    الأونروا: 80 ألف فلسطيني فروا من رفح خلال 3 أيام بحثًا عن ملاذ آمن    شركة القلعة تعلن تجميد أسهم المساهم الرئيسي بها لمدة عامين    حقيقة انتقال نجم بايرن ميونيخ إلى ريال مدريد    مجانا.. الكشف على 278 حالة في قافلة طبية بقرية مشتهر بطوخ    21 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الإتجار بالعملة خلال 24 ساعة    برلماني: توجيهات الرئيس بشأن مشروعات التوسع الزراعى تحقق الأمن الغذائي للبلاد    موعد بدء أعمال مكتب تنسيق الجامعات 2024 لطلاب الثانوية العامة والشهادات المعادلة    إيرادات فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" بعد 4 أسابيع من طرحه بالسينمات    حسين فهمي ضيف شرف اليوبيل الذهبي لمهرجان جمعية الفيلم    رجعوا لبعض.. ابنة سامي العدل تفجر مفاجأة عن عودة العوضي وياسمين عبد العزيز    البيتي بيتي 2 .. طرد كريم محمود عبد العزيز وزوجته من الفيلا    لليوم الرابع على التوالي.. إغلاق معبر كرم أبو سالم أمام المساعدات لغزة    السيسي يستقبل رئيس وزراء الأردن    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الأذى؟.. «الإفتاء» تُجيب    هل تصح الصلاة على النبي أثناء أداء الصلاة؟.. الإفتاء توضح    تجنبًا لإلغاء التخصيص|«الإسكان الاجتماعي» يطالب المُتعاقدين على وحدات متوسطي الدخل بضرورة دفع الأقساط المتأخرة    مستشفى العباسية.. قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة جانيت مدينة نصر    القبض على المتهمين بغسيل أموال ب 20 مليون جنيه    اكتشفوه في الصرف الصحي.. FLiRT متحور جديد من كورونا يثير مخاوف العالم| هذه أعراضه    عاجل| مصدر أمنى رفيع المستوى يكشف تطورات جديدة في مفاوضات غزة    أحمد عيد: سأعمل على تواجد غزل المحلة بالمربع الذهبي في الدوري الممتاز    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    مفاجآت سارة ل5 أبراج خلال شهر مايو.. فرص لتحقيق مكاسب مالية    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    دعاء الامتحانات مستجاب ومستحب.. «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري»    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    مصدر عسكري: يجب على إسرائيل أن تعيد النظر في خططها العسكرية برفح بعد تصريحات بايدن    معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية يسجل 31.8% في أبريل الماضي    12 صورة بالمواعيد.. تشغيل قطارات المصيف إلى الإسكندرية ومرسى مطروح    بعد العاصفة الأخيرة.. تحذير شديد من الأرصاد السعودية بشأن طقس اليوم    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    أحمد عيد عبدالملك: تكاتف ودعم الإدارة والجماهير وراء صعود غزل المحلة للممتاز    «أسترازينيكا» تبدأ سحب لقاح كورونا عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‬سيدة الإيموبيليا تنتظر القتل‮ ‬

أمام عمارة الإيموبيليا توقفت سيارة التاكسى التى أستقلها فى إشارة مرورية بشارع شريف‮.. ‬تأمل السائق الثلاثينى حركة المارة فى ملل‮.. ‬تنبهت إلى صوته الغاضب‮ «‬ياشيخة روحى شوفيلك موتة بدل اللى أنت عملاه‮»‬
اتجهت عيناى ناحية‮ «‬الشيخة‮» ‬التى استفزت السائق‮.. ‬لم أجد إلا سيدة ستينية وقورة وأنيقة فى‮ ‬ملابسها تقف أمام عمارة الإيموبيليا‮.. ‬منحتنى ملابسها والخلفية المعمارية كادراً سينمائياً هارباً من أربعينيات أو خمسينيات القرن الماضى‮. ‬
ازداد‮ ‬غضب السائق بلا سبب مفهوم‮ «‬ياولية روحى شوفيلك سجادة صلاة فى آخر أيامك‮.. ‬والله الأشكال دى تستاهل القتل يا عم الحج‮».‬
الحج أمام شارع شريف
فجأة وجدت نفسى شاهدا على تربص بالقتل من سائق لسيدة لا نعرفها نحن الاثنين‮.. ‬وأديت شعيرة الحج فى شارع شريف‮.‬
انطلق السائق بسيارته وهو مازال يتوعد السيدة التى لا نعرفها متجاوزا بصوته آيات الذكر الحكيم المنسابة من راديو السيارة سألته بدهشة عن سبب‮ ‬غضبه من هذه السيدة التى لم تفعل شيئا سوى أنها خرجت للشارع مرتدية ملابس محترمة وأنيقة‮.‬
صمت السائق‮.. ‬الإنسان الطبيعى لم يعرف لماذا يريد قتل هذه السيدة‮.. ‬لكن المشوه داخله أنفجر‮ ‬غضبا موجها كما محترما من السباب البذيئ للسيدة ومن تركها من أهلها تخرج إلى الشارع على هذه الشاكلة‮.. ‬أعتقد تلك هى المرة الأولى وأيضا الأخيرة التى يقابل فيها سائق التاكسى سيدة الإيموبيليا واستمر اللقاء ثوان معدودة لم تدر فيه السيدة أن هناك إنسانا آخر لا تعرفه يتمنى لها القتل‮. ‬
طرحت هذه الثوانى المعدودة مئات الأسئلة منها‮.. ‬لماذا تحولت سيدة الإيموبيليا إلى هدف يستحق القتل فى عينى السائق؟ من هو العقل الذى صاغ‮ ‬وصنع هذه الثوانى القاتلة؟ الأخطر استهانة السائق بحياة الآخر لدرجة القتل؟‮ ‬
محاورة هذه الأسئلة تلزم تحليل شخصيتى الصراع السيدة والسائق أو المقتول والقاتل‮.‬
سيدة نموذج للإنسان السوى
تعطى سيدة الإيموبيليا نموذجا للإنسان السوى من وجهة نظرى على الأقل كما رأيتها فى تلك الثوانى،‮ ‬سيدة تهتم بأناقتها ترتدى ملابس تناسب مستواها العمرى والاجتماعى تتصرف بعقلانية وفق السلوك العام المنضبط،‮ ‬لم تجنح إلى فعل أمر خارج عن المألوف‮.‬
لا يلفت النموذج السوى عين الإنسان الطبيعى لأنه متسق مع المجتمع‮.. ‬فقط النماذج الشاذة هى ما تأخذ نظره،‮ ‬فلن تتوقف عينى الإنسان الطبيعى أمام آلاف السيارات التى تسير أمامه فى الطريق ينتبه عندما يجد مثلا سيارة ذات مواصفات خاصة وفارهة أو متهالكة تماما وتلوث البيئة‮.‬
يستشعر هنا بوجود أمر خارج عن الخط العام لحركة السير بوصول هذه السيارة وصاحبها أو يتساءل‮: ‬كيف سمحت الدولة بسيارة على هذه الدرجة من الرداءة من السير فى الشارع فيدرك وجود خلل‮.. ‬أما لو استمرت حركة السير فى رتابتها المعتادة فلن يستوقفه شىء‮.‬
تطبيق هذا المنطق على سيدة الإيموبيليا يجعلها ارتكبت فعلا شاذا فى نظر السائق جعله يتمنى زوالها من الحراك العام للمجتمع حتى تستقيم حركته من جديد‮. ‬
تصورى السابق يقول حسب وجهة نظرى ونظر آخرين أنها سيدة طبيعية تماما إذا الخلل جاء من الطرف الثانى أو سائق التاكسى خلال تلك الثوانى المعدودة التى لمح فيها السيدة واقفة أمامه‮.‬
بالتأكيد لا أمتلك تاريخ حياة هذا الرجل أو أعرفه معرفة شخصية لكن ما فعله يشير لوجود خلل ما فى رؤيته للفعل الطبيعى فى المجتمع ممثلا فى هذه السيدة‮.‬
يبدأ الخلل من التدخل فى شئون الآخرين دون وجه حق بالسلب أو الإيجاب‮.. ‬فالخصوصية المفقودة فى مجتمعنا آفة لم نسع لعلاجها وهذه إشارة واضحة لعدم احترامنا لمساحة الحرية لكل منا وعدم اهتمامنا بالعلاج‮.‬
تؤدى الخصوصية المفقودة إلى حالة من الانفلات المجتمعى وتعدى كل منا على الآخر ولو بالتلميح أو بالفعل الشائع الذى نعانى منه جميعا وهو التلوث السمعي‮. ‬
احترام الخصوصية!
تستشعر على الفور عندما تذهب إلى بلد متقدم أن أساس هذا التقدم والتطور احترام الخصوصية كحق كامل للمواطن يستعمله فى حماية نفسه من التلوث السمعى والبصرى وأيضا ممارسة حرياته الشخصية فى الملبس والتحرك حتى يصل إلى الاعتقاد فيما يراه‮. ‬
خالف السائق هذا المبدأ الإنسانى عندما علق على سيدة الإيموبيليا ويمكن إرجاعه إلى قلة الذوق الشخصى أو عدم انضباط سلوكى،‮ ‬لكن عندما يتمنى لها القتل فهنا نخرج عما هو شخصى إلى ما هو عام فهذه الأمنية المسمومة صنعها فكر تدميرى يسعى للخراب‮.‬
استشهد السائق بعد كم السباب المحترم الذى وجهه للسيدة وأهلها بأقوال مأثورة ومرويات دينية لا أعلم مدى صحتها أو من أين أتى بها تدور كلها حول التزام المرأة بيتها وبقائها خلف ألف ساتر يحميها من الساعين إلى نهشها‮.‬
نزع الفكر التدميري‮ - ‬مجازا هو فكر‮ - ‬الذى لوث دماغ‮ ‬السائق الطابع الإنسانى عن السيدة فلا حزن أو ألم عندما تموت أو تقتل فهى مجرد شيء يجب تدميره ليتطهر المجتمع‮.‬
يرتفع معدل التلوث فى هذه الأدمغة ولا يتوقف عند حد الكراهية بتمنى الموت بل يتجه إلى العنف والإرهاب عندما يرى قتلها‮.. ‬لو امتلك هذا السائق السلطة ثم القدرة على التنفيذ سيحقق‮ ‬غرضه المجنون بيسر وسرعة‮.‬
الوكيل الإلهى الأزمة والحل
يحول هذا التلوث العقلى الآخر الذى يخالفه حتى بالمظهر إلى عدو يشيطنه ويعطى لأمثال السائق الحق فى الوصاية على الجميع بصفته الوكيل الإلهي‮.‬
يقسم بمرور الوقت هذا التلوث المجتمع إلى أخيار وأشرار وتوصيف الخير والشرير لا يعود إلى قواعد عقلانية أو قانونية بل إلى رغبة الأمير أو المرشد فهو يضع قوالب يسلمها إلى وكلائه دون أدنى تدبر ليأبلسوا الآخر فى كل لحظة‮.‬
تصنيع العدو يعطى لهذا التلوث والمصابين به القدرة على إخضاع الآخر عن طريق تحقيره وإدخاله فى دائرة المنبوذين ثم فرض حالة ‬من الترهيب على المجتمع بكامله بإخافة الجميع من إدخالهم هذه الدائرة الجهنمية‮.‬
عندما يصل المجتمع إلى هذه النقطة من الخضوع تصبح إدارته أمرا يسيرا ويسمح بإنشاء شبكات المصالح الخاصة بهؤلاء الملوثين وتبدأ لعبة صكوك الغفران بتطهيرك من النبذ والتحقير مقابل ما تدفعه‮.‬
يظن الكثيرون أن الهزيمة السياسية لهذا التيار الظلامى تعنى إنهاء سيطرته على المجتمع‮.. ‬العكس هو الصحيح فابتعاد هذا الظلام‮ ‬عن كرسى السلطة سيجعله أكثر شراسة تجاه قواعد المجتمع فى محاولة لتعويض ما فقده‮.‬
فى نفس الوقت هذه السيطرة على قواعد المجتمع تعطى للتيار الظلامى مخزونا يسعى لاستخدامه فى ألعابه السياسية وأملا بحلم العودة‮.‬
تغيير هذه الثوانى أو نظرة السائق القاتلة لسيدة الإيموبيليا تسلتزم إرادة حازمة فى تطهير المساحات التى يتحرك فيها هؤلاء الملوثون والوصول إلى مخزونهم الذى يمنحهم الأمل ليتم تفريغه‮.‬
بالتأكيد هذا التغيير ليس سهلا أو هينا لكن هناك ما يمكن فعله لتحقيقه ورسم خريطة واضحة نسير عليها حتى يتم ولهذا حديث آخر‮.. ‬وإلا ستظل سيدة الإيموبيليا تنتظر‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.