أطل علينا العام الجديد بفكرة جديدة دخلت حيز التنفيذ بالفعل وهي - كما يدعونه - (تاكسي السيدات) والذي يساوي بالنسبة لي شخصيا (تاكسي السيئات) كما اعتدت أن أدعو عربات السيدات في مترو الأنفاق والمترو السطحي.. وهي من الأفكار التي تبدو في ظاهرها جيدة ولكنها في الحقيقة تؤصل لأفكار تعود للوراء وليس فيها أي ذكاء. ومن المفترض أن تاكسي السيدات هذا سوف يكون مخصصا للسيدات فقط ولا يسمح للرجال بركوبه وله لون مميز - لم يذكروه بالضبط - حتي ينفصل شكلا وموضوعا عن التاكسي العادي، وحتي لا يعتقد الرجال أنهم بإمكانهم أن يوقفوه ليستقلوه.. والفكرة التي استحسنها الكثيرون دون دراسة هي فكرة سطحية جدا جدا إذ إن مؤيديها يدعون أن تخصيص هذا التاكسي سوف يحفظ كرامة السيدات ويبعدهن عن مخاطر الطريق من تحرش الرجال بهن ومضايقتهم لهن... إلي آخر تلك الأفكار السوداء عن الرجال والسيدات معا. والبديهيات التي لم ينتبه لها الجميع هي: أولاً: أن التاكسي مجرد مرحلة واحدة من عدة مراحل تتخطاها السيدات يوميا في رحلتها مع الحياة.. فهي تسير مترجلة في الشارع أحيانا، وتذهب إلي العمل، وإلي أماكن شراء الحاجيات، وإلي مدارس الأبناء وكل هذه الأماكن يوجد بها رجال قد يتحرشون بها.. وثانيا: أن التاكسي ذا اللون المختلف سوف يكون أكثر جذبا للانتباه وسينظر المارة ومن بالسيارات الأخري داخل التاكسي (الحريمي) إما للفرجة أو للاستظراف مما سيحوله إلي وسيلة لا للتميز بل للتمييز.. وثالثا والأهم: ماذا يمكن أن يحدث في تاكسي للسيدات فقط؟ سيارة معروف أنها لن يدخلها رجل؟ ألا يشجع هذا صغار النفوس علي استغلال هؤلاء السيدات بأية طريقة؟ من قال إن السيدات ضعيفات وأن الرجال مفترسون؟ من قال إن فصل السيدات عن الرجال هو حماية لهن من بطش الرجال؟ السيدة التي تقرر أن تعمل وتخرج وتمارس الحياة بشكل إنساني طبيعي وتطالب بالمساواة في المعاملة بينها وبين الرجل لكونها إنسانا متكاملا لا تحتاج إلي مثل تلك الأفكار الساذجة لحمايتها من مخاوف وهمية لا تتعلق بالرجال بل تتعلق بضعاف النفوس وقد يكونون من السيدات أيضا.. والرجال المحترمون الذين قد نشأوا نشأة سوية وتربوا علي احترام الإنسان للآخر بغض النظر عن نوعه وجنسه رجلا كان أو امرأة لا يتحرشون بالسيدات بل يحترمونهن ويحترمون ذواتهم أيضا.. أما غيرهم ممن لم يتعلموا الاحترام فمن السهل علي أي سيدة أن تجبرهم علي احترامها في أي مجتمع يحوي كل تلك النوعيات معا. إن تلك الدعاية الجديدة بالتمييز والفصل بين الأولاد والبنات في المدارس ثم في الجامعات - وسيحدث هذا إذا لم ننتبه له - ثم في المواصلات العامة والخاصة، ثم في أماكن العمل - حجرات مكاتب للسيدات وأخري للرجال - وأيضا في أماكن الترفيه والنوادي - يوجد ناد شهير خاص بالسيدات فقط.. كل هذا الفصل سينتج أفرادا منعزلين يعيش كل منهم في عالم غريب مليء بعناصر بشرية مختلفة عما يعرفه وبعيدة عما يدركه يكاد يتلمس ملامحها بصعوبة ولا يقوي علي الاعتراف - ولو لنفسه - بأنها عناصر بشرية مكتملة الإنسانية مثله تماما.