فى حى الدواوين بوسط القاهرة.. وعلى بعد أمتار من وزارة المالية، ستجد عمارة الشعراء الثلاثة، التى تحمل رقم 15ب - بشارع نوبار، أو عمارة القرشى باشا. العمارة المبنية فى 1955 يقال إن صاحبها القرشى أنفق عليها بسخاء، فهى مكونة من عشرة طوابق، كل طابق به أربع شقق، وبكل شقة بابان، الرئيسى.. وآخر لسلم الخدم فى المطبخ، وأرضياتها من الباركيه، والمدخل من الرخام، والزجاج المستورد من إيطاليا، والمرايا، ومصعدان بكابينة خشبية. لكن أهم ما ميز هذه العمارة بالفعل، هو حكايات السكان الثلاثة، المرتبطين بعالم السياسة والفن والصحافة، وضيوفهم من المشاهير وقتها، وهم عبدالرحمن الخميسى الساكن فى الطابق الثانى، وصلاح جاهين فى الرابع، وصلاح عبدالصبور فى الخامس. يتذكر أحمد ابن الفنان المتعدد المواهب الموسيقية والقصصية والسينمائية والشعرية والإذاعية والمسرحية، عبدالرحمن الخميسى، عندما كان تلميذا بالمدرسة، ويستيقظ يوم الجمعة متأخرا، فيجد جريدة الأهرام بملحقها الأدبى قد نفذت من عند بائعى الصحف، فيصعد إلى شقة «عمو صلاح جاهين» ليطلب منه الجريدة، فيرد عليه: عيب ده إنت أبوك صحفى، روح اشتريها، ثم يعطينى الجريدة ضاحكا. وكان أحمد يتباهى كثيرا، بتلك المرات التى كان يدعوه فيها عمو صلاح عبدالصبور، ليوصله بسيارته الفولكس فاجن، إلى حيث يريد، ولازالت «معتزة صلاح عبد الصبور» تعيش فى شقة والدها حتى الآن. الطريف أن القرشى باشا، التاجر صاحب العمارة، ظل أحد سكانها، حتى بعد أن تأممت فى الستينيات، وآلت إلى الدولة، وحصل على تعويض عن ملكيته، فبقى فى شقته الدوبلكس فى الطابق الأخير، وكان من بين جيرانه شاعر الثورة صلاح جاهين، واليسارى الكبير الخميسى. البيت بيتكم شقة عائلة الخميسى التى لازالت تستقبل الزائرين حتى الآن، كان لها سمعتها فى استضافة الأصدقاء لساعات طويلة، مثل محمود السعدنى، محمد عودة، كامل زهيرى، وأصدقاء أحمد الذين أصبحوا أصدقاء للوالد أيضا، أمل دنقل، يحيى الطاهر عبدالله، الأبنودى، جمال الغيطانى، وكان بعضهم يعيش معهم بالشهور، إلى أن يجد عملا، مثل عبدالرحيم منصور، القادم من الصعيد. وكان الواحد من هؤلاء يدخل إلى المطبخ ليصنع لنفسه المشروبات، ويأكل ما يجده، أو يطبخ ما يمكنه طبخه، المهم أن يأكل الجميع، وينام من سيبقى، فالشقة مكونة من ثلاث غرف وصالتى استقبال كبيرتين مفتوحتين على بعضهما، وحمامين. يتذكر أحمد، أن السلطات أخذته لمستشفى قصر العينى، عندما مرض خلال اعتقاله، لمشاركته عام 1968 فى مظاهرات الطلبة التى خرجت احتجاجا على أحكام أسباب النكسة، وأثناء خروجه من المستشفى للعودة للسجن، طلب من العسكرى المرافق له أن يسلم على والدته وإخوته، فوافق لقرب العمارة من قصر العينى. كان يمكن لأحمد أن يهرب من سلم الخدم، بعد أن اطمأن على والدته وإخوته، فى الوقت الذى كان العسكرى ينتظره خارج باب الشقة، لكنه أبى أن يعرضه للمساءلة والعقاب، فلم يهرب. وفى أوائل حكم الرئيس السادات سافر الخميسى وابنه، كأغلب المثقفين فى ذلك الوقت، إلى لبنان والعراق، ويتذكر أحمد أن والدته حكت له، أن سعاد حسنى، التى اكتشفها الخميسى، وقدمها للسينما فى فيلم حسن ونعيمة، زارت والدته وقتها، عارضة عليها حقيبة من النقود، حتى يعود الزوج والابن، لكنها ردت: «مستورة». شقة الخميسى تعيش فيها الآن ابنته المخرجة المسرحية ضياء الخميسى، مع ابنتها، بعد انتقال باقى الإخوة إلى شققهم الخاصة، وآلت ملكية العمارة الآن إلى شركة الشرق للتأمين، وهى التى تحصل الإيجار من السكان. •