ريشة الفنان: عمر عبد اللطيف الرسالة التى حملها مبعوثا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط جاريد كوشنر وجيبسون جرينبلات، فى نهاية جولتهما فى المنطقة الشهر الماضى، واضحة وتتمثل فى تمسك الفلسطينيين والأطراف العربية بحل الدولتين كركيزة لتسوية الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى. رسالة تؤكد تمسك الأطراف العربية والفلسطينية بما تم إنجازه فى الكفاح من أجل حل عادل للصراع الذى حقق نقلة مهمة بقبول الإدارة الأمريكية لهذه الرؤية فى عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن. بعد قبول فلسطين دولة مراقب بالأممالمتحدة، بموجب قرار صدر يوم 29 نوفمبر 2012، بموافقة غالبية أعضاء الجمعية العامة (138 دولة ضد تسع دول وامتناع 41 دولة عن التصويت)، أصبح لدولة فلسطين شخصية قانونية دولية , وأكد المجتمع الدولى أن منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى. وبذلك، حقق كفاح الشعب الفلسطينى من أجل دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية إنجازا تاريخيا لا يمكن التفريط أو التراجع عنه. وبذلك أصبحت فلسطين دولة تحت الاحتلال الإسرائيلى، وبذلك أصبح حل الدولتين قيد التنفيذ. رغم اكتساب فكرة حل الدولتين- دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية يتعايشان فى سلام معا جنبا إلى جنب - شرعية دولية بموجب قرار الأممالمتحدة رقم 181 الصادر فى 29 نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين، المدعوم بخرائط وضعتها الأممالمتحدة لتعيين حدود الدولتين، وشكلت القدس كيانا ثالثاً تحت إشراف دولى، إلا أن رفض القادة العرب لهذا القرار، فى حينه، أضاع فرصة إعلان دولة فلسطينية بجانب الدولة الإسرائيلية، فتعامل العالم مع قضية فلسطين على أنها قضية لاجئين. من اقتراح إقامة دولة فلسطين إلى حل الدولتين بعد حرب 1948، واتفاقيات الهدنة بين إسرائيل والدول العربية فى عام 1949، جرى تعيين آخر للحدود فى فلسطين ما بعد الانتداب، فيما عرف بالخط الأخضر الفاصل بين إسرائيل وباقى الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربيةوالقدسالشرقيةوغزة. ووضعت مسئولية إدارة الضفة الغربية والمقدسات الإسلامية فى القدسالشرقية تحت إشراف الأردن، وأوكلت إلى مصر مهمة الإشراف على قطاع غزة. تغير هذا الوضع فى حرب عام 1967، عندما قامت إسرائيل باحتلال الضفة الغربيةوالقدسالشرقيةوغزة، علاوة على احتلالها مرتفعات الجولان السورية وسيناء المصرية، لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع ويبدأ التفكير فى مسألة الدولة الفلسطينية، الذى ظهر لأول مرة فى مقال لأحمد بهاء الدين، بعنوان «اقتراح دولة فلسطين» الذى أثار موجة من المناقشات الغاضبة ضده، والذى أعاد نشره مع المناقشات فى كتاب صدر فى يناير عام 1968. ووجه الكاتب انتقادا قويا لطريقة تعامل العالم العربى مع القضية الفلسطينية منذ عام 1948، ودعا إلى تصحيح الوضع من خلال طرح فكرة إقامة الدولة الفلسطينية على أى قطعة من أرض فلسطين يتم تحريرها، لتستكمل تحرير كامل التراب الفلسطينى. لم يلق هذا الاقتراح قبولاً من تيارات القوميين العرب التى كانت مهيمنة على الفكر السياسى فى القضية الفلسطينية تحديدا فى ذلك الوقت، والتى تعاملت مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية. واعتبرت هذه التيارات الفكرة استسلاما لقرار التقسيم ودعوة إلى وقف النضال العربى من أجل تحرير فلسطين. غير أن بهاء الدين كان يتعامل مع مخاطر تغييب الشعب الفلسطينى عن قضيته وسعيه إلى عودته إلى مكان الطليعة فى هذه القضية تحديدا. وانتهى النقاش حول هذا الاقتراح بعد أن طلب من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وقف الكتابة فى هذا الموضوع. اكتسبت فكرة الدولة الفلسطينية قوة دفع مع قيام منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة حركة فتح، لتقود الكفاح من أجل تحرير فلسطين وانطلاق الثورة الفلسطينية فى يناير عام 1969. وجرى التركيز على فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، مع استمرار رفض الاعتراف بإسرائيل وبحقها فى الوجود فى المنطقة والتعامل معها على أنها كيان مغتصب لحق الشعب الفلسطينى وأرضه، وبالتالى لم يكن هناك ما يشير فى الكتابات الفلسطينية والعربية إلى حل الدولتين. حتى حرب أكتوبر عام 1973.. بعد الحرب، بدأت مرحلة تسوية الصراع من خلال مفاوضات فض الاشتباك على الجبهتين المصرية والسورية، فى عام 1974، ثم الجهود الدولية لحل الصراع من خلال عقد مؤتمر دولى فى جنيف، لكن زيارة الرئيس المصرى أنور السادات للقدس فى نوفمبر 1977، ثم توقيع اتفاقيتى كامب ديفيد فى عام 1978، ومعاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية فى فبراير عام 1979، والتى مثلت أول اعتراف رسمى من قبل دولة عربية بدولة إسرائيل. وهو الأمر الذى لاقى معارضة من باقى الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وفرضت مقاطعة عربية لمصر وتعليق عضويتها فى جامعة الدول العربية، التى نقل مقرها من القاهرة إلى تونس.. وقوبل سعى السادات لبدء مفاوضات إسرائيلية - فلسطينية فى إطار اتفاقيتى كامب ديفيد برفض فلسطينى، ورفضت منظمة التحرير الفلسطينيةوعرفات حضور اجتماع ميناهاوس فى القاهرة فى عام 1979. وشكّل الغزو الإسرائيلى للبنان فى عام 1982، الذى انتهى بخروج منظمة التحرير الفلسطينية وانتقالها إلى تونس نقطة تحول فى الكفاح الفلسطينى، وساعد انتهاء المقاطعة العربية لمصر وعودة الجامعة العربية إلى القاهرة فى إنضاج الموقف الفلسطينى فى اتجاه التسوية السياسية للصراع مع إسرائيل، وقبول اقتراح بهاء الدين بإقامة دولة فلسطينية على أى شبر يتم تحريره من أرض فلسطين. لكن الالتزام الفلسطينى الرسمى بحل الدولتين، لم يكن واضحاً فى الخطاب الفلسطينى إلا مع إعلان الاستقلال الذى أصدره الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات فى عام 1988، والذى تحدث للمرة الأولى عن دولتين لشعبين، معترفا بذلك بدولة إسرائيل وسيادتها على 78 فى المائة من أرض فلسطين التاريخية. جاء هذا الإعلان إلى الانتفاضة الشعبية الفلسطينية فى الضفة الغربيةوالقدس فى ديسمبر عام 1987. مهد هذا الإعلان لمرحلة جديدة فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى والمفاوضات بين الجانبين، التى بدأت كمفاوضات غير مباشرة فى عملية مدريد 1992، بسبب الاعتراض الإسرائيلى والأمريكى على تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطينى. واعترف اتفاق أوسلو الذى جاء نتيجة مفاوضات مباشرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، لأول مرة بوجود سلطة فلسطينية على أرض فلسطينية منذ عام 1948، وأن هذه السلطة هى الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى وهى المفاوض الرئيسى باسم الفلسطينيين. وسمح هذا الاتفاق بتجسيد فكرة إقامة دولة فلسطينية على أى شبر من أرض فلسطين ومهد للاعتراف بإمكانية قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، رغم ما تواجهه هذه الفكرة من اعتراض من المتشددين على الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية. لكن المضى قدما فى تحقيق حلم الدولة الفلسطينية عرقله عدم التوصل إلى اتفاق حول قضايا الوضع النهائى بين إسرائيل والفلسطينيين، وتعثر عملية السلام بعد محادثات كامب ديفيد الثانية فى عام 2000 وما أعقبها من تطورات بعد اندلاع انتفاضة الأقصى. وأضاف فوز حركة حماس الفلسطينية فى الانتخابات التشريعية الفلسطينية فى يناير 2016، وما تلاه من انقسام سياسى فلسطينى بين السلطة فى رام الله وحماس فى غزة، إلى العوائق التى تحول دون إحراز تقدم فى اتجاه حل الدولتين. إذا كان إنجاز اعتراف المجتمع الدولى بفلسطين كدولة مراقب فى الأممالمتحدة ينسب إلى الدبلوماسية العربية إلا أن هذا الإنجاز ينسبه أيضا المعارضون والمؤيدون إلى الرئيس الفلسطينى محمود عباس (أبو مازن). إلا أن البناء على هذا الإنجاز للوصول بفلسطين إلى وضع الدولة كاملة العضوية بالأممالمتحدة والمجتمع الدولى يتطلب إنجاز عدد من الاستحقاقات سواء من جانب الرئيس الفلسطينى أو من جانب الفصائل الفلسطينية الأخرى وفى مقدمتها حركة حماس. فلا بد أولا من تحقيق المصالحة الوطنية وفقا للاتفاقات التى تم التوصل إليها عبر جولات من المحادثات بين فتح وحماس فى القاهرة أو فى الدوحة. ويتوقف تحقيق المصالحة على إنجاز المهمة الثانية والمتمثلة فى إجراء انتخابات الرئاسة والبرلمان فى فلسطين، وهو استحقاق تأخر بسبب الظروف على الساحة الفلسطينية، وبعملية المفاوضات مع إسرائيل. فمن المعروف أن أبومازن سطع نجمه عام 2003 عندما وقع عليه اختيار الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية لاستكمال المفاوضات بديلا لياسر عرفات، خصوصًا أن المؤهل للتفاوض عوضًا عن عرفات، مروان البرغوثى أمين سر منظمة التحرير، أسير بالسجون الإسرائيلية ومازال، وأصبح عباس هو المؤهل ليكون الرجل الثانى بعد عرفات فى القيادة الفلسطينية. وتولى أبومازن، الرئيس الرابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئاسة السلطة الفلسطينية بعد رحيل عرفات فى عام 2005. ولايزال أبومازن يشغل المنصب إلى الآن، رغم انتهاء ولايته دستوريا فى يناير 2009، نظراً لظروف الحرب على غزة وحالة الانقسام بين حماس والسلطة الفلسطينية. وأعلن أبومازن أكثر من مرة انتهاء ولايته ورفضه الاستمرار فى السلطة لكن لا بديل. وتزايدت شعبيته فى الشارع الفلسطينى بعدما أوشكت على الانهيار بسبب شائعات ترددت عن انتشار الفساد بين قادة السلطة، بعد حصول فلسطين على وضع العضو المراقب فى الأممالمتحدة. هناك ثالثًا الاستحقاق المتعلق بإعداد دستور لدولة فلسطين. وتم بالفعل إعداد ثلاثة مشاريع للدستور الفلسطينى إلى الآن دون إقرار أى من هذه المشاريع. والمطلوب رابعاً، اعتماد خطة عمل لاستئناف المفاوضات على أساس وضع فلسطين الجديد كدولة تحت الاحتلال، وعلى أساس المبادرة العربية للسلام التى طرحت فى قمة بيروت عام 2002، وأقرتها الجامعة العربية والتى تبنت حل الدولتين وطالبت بإشراف دولى ملزم للطرفين للتوصل إلى اتفاق بشأن قضايا الوضع النهائى.•