يلعب الحمار دورا حيويًا ومهمًا فى حياة المواطن المصرى منذ فجر التاريخ، حيث ارتبطت أعمال الزراعة بالحمار (كساعد أيمن) فى كل مراحل العمل الزراعي.. فى كل بر مصر.. وفى البيئة الريفية التى نشأت بها بصعيد مصر كان الحمار رفيقى منذ سنوات الطفولة الأولي، وهو الخادم الأمين والرفيق طوال رحلة طفولة رائعة عشتها وسط الحقول والطرق الوعرة والسهلة فى مشوارنا من الحقل.. (الغيط) إلى المنزل وقت العمل. .. ناهيك عن مشاوير الترفيه.. والمشاركة فى سباقات الحمير كنا نطلق عليها (المرماح) ومخطئ من يظن أن الحمار هكذا فى المُطلق، أى نوع من الحمير ينفع (لا) فالحمار لابد أن يكون موروثًا ضمن موروثات المواطن وصاحبه وهنا أحكى عن وجود الحمار الأخضر فى حياتى وهو الحمار الذى ورثناه عن جدى الحاج الدردير.. الذى قام بتربيته من سلالة حمارتنا «السودة» التى كنا دوما نستمع لسيرتها وشدتها فى حمل الغلال والتبن والبرسيم من الحقول المختلفة خاصة جدى وكيف أنها يوما ما لم تعش مكر الحمير معه وكانت الحمارة الأم لمعظم حمير (آل خضير) حتى كان العام 1968 وقبل وفات جدى بشهور أنجبت حمارته السودة «جحش» أخضر قصير جدا وهو الوحيد الذى لم يمنحه جدى لأحد من أقاربنا وقرر تربيته لإحساسه بكبر سن أمه وليشيل (الشيلة) معها.. وقد كان. هذا الجحش نشأنا على ظهره وكان رفيقنا طوال المواسم.. بداية من الذهاب للحقل.. ثم موسم الحصاد الذى يقع عليه العبء الأكبر فى حمل الغلال.. والتبن وركوبنا فوقها وكان هذا الجحش حدوتة.. فقصر قامته أتاح لنا امتطاءه صغارًا.. والاعتناء به وأتذكر أننى كنت أمتطيه وأذهب بالطعام لوالدى فى الحقل فى دقائق معدودة، حيث الهواء الطلق والبراح الجغرافى الرائع. منتصف السبعينيات كنا وأقربائى نصطف فى جماعات ونقوم بتوصيل الغلال إلى المنازل وفى العودة نصطف فى طابور سباق وننطلق عائدين. لا أتذكر أن حمارا قد تفوق على حمارنا فى السباق.. نطلق عليها فى صعيدنا الرمح فقرة ثابتة وكنت أشارك بهذا الحمار.. وسط مئات الحمير التى كانت تسعد بهذا اللقاء والتنافس.. وجحشنا الأخضر كان يساعد كل أقاربنا فى أثقالهم، فلم يتوان والدى يوما فى (تسليفه) لأحد أقاربنا أو جيراننا لمساعدته أو قضاء بعض المشاوير عليه خاصة أن كل (المدخول) يعنى المحصول يتم على ظهر هذا الحمار الذى لم أره يومًا مريضًا أو تحت قبضة (الطبيب البيطري) لاهتمامنا به. وأتذكر أن هذا الصديق كان رفيقنا وحارسنا فى الليالى التى تقوم فيها بالمبيت بجوار (الجرن) وأقسم بالله لم أره يوما فى إحدى هذه الليالى نائما. بل يقف (زنهار) ويحس بدبة النملة، ويرى البعيد.. مثل الرادار وعند شمه لأى حاجة غريبة حولنا يقوم (بالنهيق).. اصحوا يا جماعة! وعلى فكرة كان نهيقة ذا نغمة معروفة لدى جميع من يعرفوننا.. أهو جحش الصياد.. وصل. حكايات كثيرة وذكريات محفورة حول هذه الحمار الذى عاش معنا بكل حب وإخلاص وتفانٍ ويوما لم نضربه أو نهينه أو نسبه فكان نعم الصديق. ومازلنا رغم مرور سنوات على رحيله نتذكره.. ونقص حكاياتنا معه ونوادره ومشاويره فى سنوات الطفولة والشباب! •