9 أيام متصلة، إجازة عيد الأضحى 2024    ضخ 275 ألف طن سلع غذائية بالمجمعات الاستهلاكية بمناسبة عيد الأضحى    رئيس الشيوخ يهنئ الشعب بعيد الأضحى ويرفع الجلسة لأجل غير مسمى    كامل الوزير يعلن خطة الوزارة في تنفيذ 4 محاور تنموية بأسوان    البورصة المصرية تربح 16.4 مليار جنيه في ختام تعاملات الاثنين    صوامع المنيا تواصل استقبال القمح وتوريد 382 ألف طن منذ بدء الموسم    «حلول تواكب التطورات».. رئيس بنك القاهرة: نستهدف تقديم خدمات مصرفية بقدرات عالمية    مقتل 55 على الأقل في اشتباك بين عشيرتين بالصومال    حزب السياسي الألماني اليميني المتطرف كراه يمنعه من شغل مقعد في البرلمان الأوروبي    الجيش الروسي يحرر بلدة في دونيتسك    القيمة التسويقية لمنتخب تركيا قبل انطلاق يورو 2024    شبانة: كولر غير مقتنع بيوسف أيمن والمعارين ويصر على كوناتي    مصر تحصد 4 ميداليات في بطولة العالم للمواي تاي باليونان    تعليم الوادي الجديد: لا شكاوى من امتحانات الثانوية العامة    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    بعد واقعة صفع احد المعجبين.. شروط حضور حفل عمرو دياب في دبي    إليسا: يجب أن تتوقف كل أشكال العنف في فلسطين والسودان    إعلان حالة التأهب القصوى بمستشفيات الدقهلية خلال امتحانات الثانوية العامة    حياة كريمة ببنى سويف.. الكشف وتوفير العلاج ل1739 حالة في قافلة سدمنت الجبل    وزيرة الهجرة تبحث مع الرئيس التنفيذي للغرفة الألمانية العربية للتجارة والصناعة سبل التعاون المشترك    أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح آداب ذبح الأضاحي في عيد الأضحى (فيديو)    مدرس الجيولوجيا صاحب فيديو مراجعة الثانوية أمام النيابة: بنظم المراجعات بأجر رمزي للطلاب    تشكيل الحكومة الجديد.. رحيل وزير شؤون مجلس النواب    8 شهداء فى قصف إسرائيلى استهدف منزلا جنوب شرق خان يونس    عرض ولاد رزق 3.. القاضية في أمريكا وبريطانيا ونيوزيلندا.. بطولة أحمد عز    البابا تواضروس الثاني ومحافظ الفيوم يشهدان حفل تدشين كنيسة القديس الأنبا إبرآم بدير العزب    تاريخ فرض الحج: مقاربات فقهية وآراء متباينة    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته ببسيون لشهر سبتمبر لاستكمال المرافعات    أسترازينيكا مصر ومشاركة فعالة في المؤتمر والمعرض الطبي الأفريقي Africa Health Excon بنسخته الثالثة    تمهيدا لقصفها.. رسالة نصية تطلب من أهالي بلدة البازورية اللبنانية إخلاء منازلهم    اليوم.. "ثقافة الشيوخ" تفتح ملف إحياء متحف فن الزجاج والنحت بالجيزة    تحمي من أمراض مزمنة- 9 فواكه صيفية قليلة السكر    "أتمنى ديانج".. تعليق قوي من عضو مجلس الزمالك بشأن عودة إمام عاشور    "حقوق إنسان الشيوخ" تستعرض تقارير اتفاقية حقوق الطفل    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    فنانون حجزوا مقاعدهم في دراما رمضان 2025.. أحمد مكي يبتعد عن الكوميديا    يوم الصحفي المصري "في المساء مع قصواء" بمشاركة قيادات "الاستعلامات" و"الصحفيين" و"الحوار الوطني" و"المتحدة"    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    في موسم امتحانات الثانوية العامة 2024.. أفضل الأدعية رددها الآن للتسهيل في المذاكرة    أبو الوفا: اقتربنا من إنهاء أزمة مستحقات فيتوريا    خادم الحرمين الشريفين يأمر باستضافة 1000 حاج من ذوي ضحايا غزة    لمواليد «برج الجدي».. اعرف حظك هذا الأسبوع    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يشيد بإسهامات ندوة الحج العملية لخدمة ضيوف الرحمن    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    مظاهرات في ألمانيا وأمريكا تطالب بوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة    أخبار الأهلي : ميدو: مصطفى شوبير هيلعب أساسي على الشناوي و"هو ماسك سيجار"    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    منتخب الارجنتين يفوز على الإكوادور بهدف وحيد بمباراة ودية تحضيراً لبطولة كوبا امريكا    بعد قليل، الحكم في طعن شيرى هانم وابنتها زمردة على حكم سجنهما 5 سنوات    الأركان المشتركة الكورية الجنوبية: جيشنا لديه القدرة على الرد على أي استفزاز كوري شمالي    لميس الحديدي تعلن عن إصابتها بالسرطان    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    «ابعت الأسئلة وخد الحل».. شاومينج يحرض طلاب الثانوية العامة على تصوير امتحان التربية الدينية    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    نتائج أولية: حزب الشعب يتصدر انتخابات البرلمان الأوروبى بحصوله على 181 مقعدا    ضياء السيد: عدم وجود ظهير أيسر في منتخب مصر «كارثة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشركات العابرة للقارات.. استعمار العصر

فى مارس الماضى عقدت القمة العالمية لريادة الأعمال فى مدينة جوهانسبرج الجنوب أفريقية، وهو الحدث العالمى الأضخم الذى ناقش حركة ريادة الأعمال خلال هذا العام، وحضر المؤتمر رؤساء دول ووزراء ومسئولون وكبار المستثمرين وصناع قرار وأكاديميون من حول العالم، ويتم عقده سنوياً فى إحدى الدول التى تحقق إنجازات ملحوظة فى مجال تنشيط ريادة الأعمال لمواطنيها بشكل محلى وإقليمى.
ومنذ تأسيس المؤتمر فى 2009 تم عقده فى مختلف قارات العالم، وكان الانعقاد الأول فى مدينة كانساس الأمريكية، ثم مدينة شنغهاى الصينية، وفى عام 2013 استضافت المؤتمر مدينة ليفربول الإنجليزية، ثم مدينة ريو دى جانيرو البرازيلية، فموسكو الروسية، ثم قمة ميلان الإيطالية، انتهاءً بالقمة التى عُقدت فى مدينة ميدلين الكولومبيّة فى العام 2016.
ويبدو أن اختيار أفريقيا لاستضافة هذه القمة فى هذا التوقيت ليس خاضعاً فقط لاعتبارات التدوير العالمى لمكان انعقاد المؤتمر، فأفريقيا كانت وما زالت محلاً للكثير من الظواهر المدهشة طبيعياً وإنسانياً وثقافياً وجغرافياً، والآن أصبحت أيضاً ظاهرة حقيقية لحركة ريادة الأعمال وتأسيس الشركات الناشئة.
وفى عام 2015 أجرت مجموعة الشبكات التجارية البريطانية بحث المؤشر المعتمد (Approved index) بخصوص الدول التى تضم أكبر عدد من الرياديين على أراضيها، استناداً لعدة معايير أهمها نسبة روّاد الأعمال البالغين الذين يمتلكون مشروعات تدرّ عليهم دخلاً ثابتاً، وكانت المفاجأة أن دولة «أوغندا» فى أفريقيا تتصدّر القائمة بنسبة 28.1% وبفارق كبير عن المركز الثانى الذى شغلته دولة «تايلاند» بنسبة 16.7%.
وأكدت الدراسة أن دول العالم الثالث تبوّأت قائمة أكثر الدول التى تضم رياديين بين سكّانها، للعديد من الأسباب أهمها انهيار سوق الوظائف وانتشار الفقر والعدد الهائل من الشباب المُنتشر فى دول العالم الثالث، ما يجعل تأسيس مشروعات ناشئة بسيطة أمراً اضطرارياً فى هذه الدول، وبالعكس فإن دول العالم الأول التى يكون عدد كبير من المشروعات الريادية لمواطنيها له طابع غير ملزم بسبب قوة الأسواق الوظيفية وتماسكها، وتقديمها مميزات مادية ومعنوية تنافسية، فضلاً عن انخفاض أعداد الشباب فى دول العالم الأول مقارنة بدول العالم الثالث.
وفى غرب القارة الأفريقية التى تمثّل تجمّعاً اقتصادياً يُعرف باسم «إيكواس»، يمكن القول إنه ثمة شىء ما مهم يحدث فى تلك المنطقة، يمثّل إرهاصات لميلاد وادى سيليكون أفريقى واعد، ففى تلك المنطقة نشأ العديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية، أبرزها مناخات استثمارية ملائمة لمشروعات تجارية، وصعود واضح للطبقة الوسطى، وبرامج دعم للشركات الناشئة وتوجيه المشروعات الريادية، الأمر الذى جعلها بيئة خصبة لظهور حركة نشطة لريادة الأعمال بشكل ملحوظ.
وهذا التطور الكبير فى غرب أفريقيا ظهرت نتائجه على تقرير أصدره البنك الدولي فى إطار برنامج (Doing Business) للعام 2015 حيث تم إدراج كل من السنغال وساحل العاج فى قائمة تشمل أفضل 10 دول فى العالم من حيث آليات تسهيل ممارسة الأعمال التجارية لعامى 2013 - 2014.
ويشير خبراء إلى أن مثلث (كينيا - نيجيريا - جنوب أفريقيا)، المثلث الريادى الأساسى فى القارة السمراء، كون أن البلدان الثلاثة تتمتّع أساساً بمستويات عالية من الموارد والحراك الاقتصادى من ناحية، وتحسن ملحوظ من ناحية أخرى فى آليات إنشاء المشروعات الريادية المُبتكرة خصوصاً المتضمّنة لأدوات تقنيّة.
وأفريقياً -وفقاً لمنتدى ستانفورد أفريكا الذى عقد فى 2011 - تتيح آليات أكثر سهولة لبدء «البيزنس» بشكل أكبر من الصين أو الهند، وبقدوم العام 2040 القارة الأفريقية ستصبح أكبر مجتمع للقوى العاملة البشرية، بشكل يفوق الهند أو الصين بإجمالى عدد سكان يتجاوز المليار والمائة مليون نسمة، من بينهم أكثر من 200 مليون نسمة من فئة الشباب ما بين 15 و24 عاماً بنسبة تعليم أكبر من الأجيال السابقة.
والحقيقة أن الغرب عرف قيمة أفريقيا مبكراً منذ قديم الأزل، ومن ثم كانت القارة السمراء على قائمة أهدافه الاستعمارية بدءا من تجارة الرقيق إلى سلب ونهب الخيرات المتمثلة فى مواردها الطبيعية، حتى أن دولة كاملة مثل الكونغو كانت أحد أملاك ملك بلجيكا.
وكانت المستعمرات التى تغزوها أوروبا تهدف لخدمة مصالحها الاستعمارية كما كان الحال مع الإمبراطورية البريطانية التى وصل عدد الدول التى استعمرتها إلى 192 دولة فى مختلف قارات العالم، وكانت أفريقيا معبراً إلى أهم مستعمرة وأقدمها على الإطلاق، وهى الهند.
وقام الاحتلال البريطانى بتسمية أكبر بحيرة فى العالم على اسم ملكة الإمبراطورية البريطانية، وهى الملكة فيكتوريا، وفى هذا الوقت كانت الشركات الكبرى تلحق بالإمبراطورية وتقيم مصالح مع الدول المستعمرة، أما الآن فالشركات الكبرى هى من تشير إلى الدول التى تمتلك مصالح مهمة لها وتتجه الإمبراطورية لتحتلها بناء على مشورتها كما هوالحال فى سلوك الإمبراطورية الأمريكية والتى انتقلت لها بعد الحرب العالمية الثانية قيادة العالم مناصفة مع الاتحاد السوفيتى، وورثت كل مستعمرات الإمبراطورية البريطانية فى صفقة وقّعها كل من ونستون تشرشل، رئيس وزراء إنجلترا، وأيزنهاور الرئيس الأمريكى الذى وقع على ميلاد الإمبراطورية الأمريكية.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى وظهور إمبراطورية جديدة تسير ببطء وثبات كالإمبراطورية الصينية دخلت أفريقيا حلبة الصراع من جديد بين الإمبراطوريتين، وكان الصراع اقتصادياً هذه المرة، بين شركات أمام شركات تساندها من الخلف الإمبراطورية بالمعلومات والأسرار والحروب المخابراتية، وعلى أرض أفريقيا دارت رحى الحروب.
وإذا كان الاستعمار القديم يكتفى بنهب خيرات البلاد، فإن هدف الشركات المتعددة الجنسيات هو الاستعمار الاستيطانى الذى يتضمن الاستيلاء على الأرض من أهلها ولا يكتفى باستغلال السكان وإنما يقتلعهم من أرضهم وديارهم بالإبادة أو التهجير.
وفى الحقيقة فقد لعبت الشركات العابرة للقارات دوراً مؤثراً فى صنع السياسات الداخلية والخارجية للدول الأفريقية، ومولت حروب حركات التمرد عبر استنزاف الموارد الأولية مقابل الحصول على السلاح، كما حدث فى ليبيريا، وسيراليون، والكونغو الديمقراطية، وغيرها، وحتى بعد أن شهدت بعض مناطق الصراع فى أفريقيا استقراراً إثر اتفاقيات السلام، كما حدث فى السودان، وليبيريا، والكونغو الديمقراطية، وأنجولا وغيرها، فإن الشركات العابرة للقارات بدت فاعلة فى هذه المرحلة، عبر الدخول فى علاقات تحالف مع الأنظمة السياسية لنيل أكبر قدر من المواد الخام الأفريقية فى مرحلة السلام، كما حدث مثلاً فى السودان حيث تصارعت الشركات الأمريكية والصينية على النفط بعد اتفاق السلام.
ولم تؤسس هذه الشركات فى مرحلتى الصراع والسلام فى أفريقيا لعلاقة شراكة اقتصادية، بل عملية نقل لأكبر قدر من المواد الأولية التى يحتاج إليها الاقتصاد العالمى، ومثلت البيئة الأفريقية حيزاً ملائماً لتحقق فرضية العلاقة بين الصراعات والموارد، إذ إننا أمام قارة يشكل فيها النشاط الاستخراجى الأولى القطاع السائد فى الحياة الاقتصادية، ولعل أبرزها استخراج المعادن التى يذهب 90% من كمياتها المستخرجة إلى أوروبا، خاصة الذهب الذى تحوز أفريقيا على 81% من صادراته العالمية، علاوة على النحاس، والحديد، والألومنيوم واليورانيوم، والكروم الذى يوجد 90% من احتياطيه العالمى فى القارة، كما تحتل القارة الأفريقية موقعاً مهماً فى خريطة النفط العالمية، حيث بلغ إنتاج القارة اليومى 9 ملايين برميل، حسب تقرير اللجنة الأفريقية للطاقة (أفراك) فى عام 2005 أى 11% من الإنتاج العالمى، أما احتياطيات القارة من النفط الخام، فتبلغ 80 مليار برميل، وفقاً لتقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، أى ما نسبته 12 % من الاحتياطى العالمى الخام، وتتركز هذه الاحتياطيات (نحو70%) فى نيجيريا، وليبيا، وغينيا الاستوائية، فضلاً عن استخراج الماس الذى تضم مناجم أفريقيا 77% من مجموع ما يوجد منه فى العالم، يضاف إلى ذلك قائمة من الموارد الأخرى المائية سواء أكانت أنهاراً أم بحيرات، والأخشاب والكاكاو الذى تنتج 70% من إنتاجه العالمى والمطاط والقطن، وغيرها.
ويمكن تقسيم تعامل الشركات العالمية مع الموارد الأفريقية إلى مرحلتين: الأولى مرحلة الصراعات التى ساهمت فيها تلك الشركات، سواء بشكل مشروع أو غير مشروع، فى نهب موارد القارة عبر دعم الصراعات بين الدول الأفريقية وداخلها، وساعدها على ذلك مناخ الحرب الباردة، حيث لعبت هذه الشركات أدواراً لصالح القطبين المتنافسين على النفوذ فى القارة.
والمرحلة الثانية، هى تلك التى بدأ معها السلام يستتب فى بعض مناطق الصراع، وصاحبه تغيير فى أدوات الاستغلال وبدا الصراع أكبر بين تلك الشركات على الموارد الأفريقية، فضلاً عن اصطدامها مع الرأى العام الداخلى فى عدة دول أفريقية، والذى بدا أكثر وعياً مع عمليات التحول الديمقراطى التى انطلقت فى عقد التسعينيات.
وتجسد النماذج التطبيقية التالية المرحلتين، والتى يتعلق بعضها بالموارد فى أفريقيا كالخشب، والألماس، والكولتان التنتاليوم، والنفط، والأخرى بحالات بعض الدول كنيجيريا وتشاد.
1 الألماس: وهو من الموارد التى أثارت جدلاً حول تمويلها للصراعات، فضلاً عن عمليات النهب من قبل الشركات، خاصة من بلجيكا وجنوب أفريقيا وإسرائيل والهند ولعل ذلك ما دفع مجلس الأمن إلى فرض حظر على صادرات الماس من مناطق الصراع فى عام 2000 لوقف الإتجار غير الشرعى، بحيث لا يتم تداوله إلا بشهادة من لجنة كيمبرلى التى تفيد بأن الماس غير مهرب من مناطق صراع. ومن أبرز الدول التى شملتها هذه التجارة غير المشروعة: أفريقيا الوسطى، جنوب أفريقيا، رواندا، أوغندا، سيراليون، ليبيريا، بوركينا فاسو، الكونغو الديمقراطية، زيمبابوى، وناميبيا، أما أهم سوقين يباع فيهما الماس الأفريقى المهرب، فهما سوق تل أبيب، وسوق أنفير فى بلجيكا.
وكشفت وثائق سرية للأمم المتحدة فى عام 2000 عن ضلوع الرئيس الليبيرى فى عمليات تهريب الماس مقابل السلاح، وتزويد المتمردين فى سيراليون (الجبهة الثورية المتحدة التى يقودها سانكوه) بالسلاح، مقابل تمرير وتسويق الماس إلى الأسواق البلجيكية فى أنتويرب التى يمر عبرها 50% من مبيعات الألماس المصقول، فضلاً عن بعض الشركات الأمريكية التى عقدت صفقات مع «سانكوه» للسماح لها بالتنقيب عن الألماس وتوفير الحماية، مقابل نسب من الثروة وتسهيل صفقات سلاح.. كما مولت حركة «يونيتا»، التى قادت التمرد فى أنجولا بزعامة سافيمبى، جزءاً من حربها عبر بيع الماس وتهريبه، خاصة أنها كانت تسيطر على 30% من مساحة البلاد.
وفى هذا السياق، قال تقرير لجنة Fowler التابعة للأمم المتحدة عام 2000 والخاص بفرض العقوبات على «يونيتا» إن هناك شبكة معقدة من الوسطاء والشركات تدير عملية تهريب الماس مقابل السلاح، وورد فى التقرير اسم الرئيس التوجولى الراحل أياديما ولعبت الشركات البلجيكية دوراً كبيراً فى تصريف الماس المسروق.
2 الخشب: مثل هذا المورد أحد مغذيات الحروب فى دول كساحل العاج وليبيريا وسيراليون غرباً إلى حوض الكونغو فى وسط القارة، حتى إن الأمم المتحدة وصفته ب«خشب الصراع »Conflict Timber ما أتاح فرصة لاستغلاله من قبل الجماعات المتحاربة وشبكات المافيا والشركات المستغلة للأخشاب العالمية، كما أن الحكومات فى تلك البلدان تكافئ من يساندها بإعطائه حق امتياز فى استثمار تلك الغابات.. وقد اعترف الرئيس السابق تشارلز تايلور علناً فى عام 2003 بأنه استخدم أموال الخشب فى شراء أسلحة، منتهكاً بذلك الحظر الذى فرضته الأمم المتحدة، وفى هذا السياق، قامت شركة DHL الدنماركية كإحدى الشركات الضخمة بشراء خشب الصراع من غرب أفريقيا، خاصة من ليبيريا من متمردين وجهات أخرى غير شرعية، كما قامت الحكومة الليبيرية بإعفاء شركة Oriental Timber Company من الرسوم الجمركية مقابل ملايين الدولارات لشخص الرئيس مباشرة، فى الوقت الذى لم يكن فيه الحطابون قد تقاضوا أجورهم، وقد قامت الشركة المذكورة ببناء سجون وثكنات عسكرية وأصبح لها ميليشيات مسلحة تضم 2500 مقاتل.
وكشف تقرير للأمم المتحدة عام 2001 الاستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية فى الكونغو الديمقراطية، فمنذ بداية الحرب فى هذا البلد عام 1998 استخدمت الشركات العالمية التى تنقل الأخشاب من شرق الكونغو ميناء ممباسا لتصدير هذا المورد.. وأضاف التقرير أن الأخشاب التى تقطع فى شمال بحيرة كيفو قد عبرت إلى أوغندا فى طريقها إلى ممباسا، ونقلت بواسطة شركة نقل TMK.. وبالنسبة لتنزانيا، أثبتت الوثائق أنها فى الفترة من ديسمبر 2000 إلى مارس 2001 تحركت سفينتان على الأقل من ميناء دار السلام محملتين بالأخشاب القادمة من الكونغو الديمقراطية، حيث نقلت عبر القطارات من كيجوما إلى ميناء دار السلام، وكانت السفينتان مملوكتين لشركتين يونانية وبلجيكية.
فيما رفعت منظمة الشاهد العالمى Global Witness فى بريطانيا الستار عن قضية مهمة، وهى أن 4 امتيازات فى مناطق الغابات فى الكونغو، مثلت 15% من مساحة البلاد، جاء أغلبها لشركة كنغولية لاستغلال الأخشاب وهى Socebo وفيها أنصبة لشركاء عالميين، ومولت هذه الشركة تكاليف التدخل العسكرى لزيمبابوى، إلى جانب حليفها الرئيس الراحل لوران كابيلا الذى اغتيل فى يناير 2001 فى مواجهة رواندا وأوغندا ودعمها لميليشيات مناوئة لكابيلا الأب أثناء الحرب، كما اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش»، وكذلك تقرير للأمم المتحدة فى أبريل 2002 أوغندا بسرقة الخشب والذهب من منطقة شمال شرق الكونغو، خاصة منطقة إيتورى لصالح شركات عالمية فى الولايات المتحدة وألمانيا.
3 الكولتان التنتاليوم: وهو معدن نادر ويوجد بكثرة فى شرق الكونغو وعندما زاد الطلب العالمى عليه لاستخدامه فى الصناعات عالية التقنية من فضائيات واتصالات، كان يتم تهريبه من خلال القوات الرواندية، خاصة من مناطق بوكافو وجوما شرقى الكونغو، وكان المعدن المنهوب ينقل إلى أوروبا عن طريق شركة نقل فرنسية، كما تورطت معها شركات أوغندية وجنوب أفريقية وهولندية، حيث ينقل الكولتان من كيجالى إلى ممباسا أو دار السلام، ثم إلى بلجيكا، وقد أوقفت شركات النقل بعد تقرير أممى عن الاستغلال غير المشروع لثروة الكونغو عام 2001.
4 النفط: بدأت الشركات النفطية العالمية بالتحالف مع الدول الكبرى فى صراع للسيطرة على نفط القارة، خاصة فى ظل تزايد الطلب العالمى على النفط، وتمثل هذه الشركات قوى متنافسة مع الولايات المتحدة: أوروبا، والصين، والهند، واليابان.
فثمة تحركات للولايات المتحدة فى السنوات الأخيرة فى أفريقيا، خاصة منطقة خليج غينيا النفطية، لتوفير بيئة تستطيع الشركات الأمريكية زيادة نسبة نصيبها من نفط القارة عبر تكثيف التعاون العسكرى فى خليج غينيا، حيث توصلت واشنطن إلى اتفاقيات عسكرية مع الكاميرون، والجابون، وغينيا الاستوائية، ونيجيريا، وبنين، وساحل العاج، كما بدأت فى إيجاد بيئة سياسية مستقرة من خلال تسوية الصراعات، كما حدث فى أنجولا فى أبريل 2002 والكونغو الديمقراطية وليبيريا، ثم جنوب السودان فى يناير 2005 والتغاضى عن فساد بعض الأنظمة، ما دامت تستطيع تحقيق استقرار، فعلى سبيل المثال: ففى نيجيريا، التى تمد واشنطن بنصف إنتاجها النفطى، تستثمر الشركات الأمريكية أكثر من 7.4 مليار دولار لرفع إنتاجها إلى 4 ملايين برميل عام 2010 وثمة ضغوطات أمريكية على الحكومة هناك للانسحاب من أوبك لكنها رفضت، رغم الإغراءات الأمريكية التى تمثلت فى مضاعفة المساعدات الاقتصادية من 10 إلى 40 مليون دولار.
وفى أنجولا، التى تصدر نحو40% من إنتاجها للولايات المتحدة، فإن شركة «شيفرون» الأمريكية تسيطر على 75% من إنتاج النفط، وتسعى الولايات المتحدة لضخ مليارات الدولارات خلال السنوات المقبلة لرفع الإنتاج فى أنجولا، أما فى الجابون التى تصدر 44% للولايات المتحدة، فإن الشركات الأمريكية، خاصة أميرادا هيس وسانتافى وأونوكال، تهيمن على إنتاج البلاد ويتكرر المشهد فى غينيا الاستوائية التى تشير بعض التقارير إلى أن الولايات المتحدة تهيمن على ثلثى ما ينتج فى هذا البلد.. فى مواجهة ذلك، تتعطش الصين والهند وماليزيا، للنفط الأفريقى، لا سيما أن حاجاتها البترولية ستصل إلى 5 أضعاف الوضع الحالى بحلول عام 2030 فبكين تستورد أكثر من 25% من وارداتها النفطية من القارة السمراء ومن أبرز الدول التى تستورد منها، هي: الجزائر، وأنجولا، وتشاد، والسودان.
وتسعى الصين لاختراق خليج غينيا الغنى بالنفط، ومنافسة الولايات المتحدة الأمريكية على الاستثمارات النفطية، وبالفعل نجحت فى وضع موطئ قدم لها فى أنجولا، ونيجيريا، والجابون، وغينيا الاستوائية، كما استغلت بكين خروج الولايات المتحدة من السودان عام 1995 لتحظى باستثمارات نفطية، حتى أصبح أكثر من نصف صادرات السودان النفطية يذهب إلى الصين وتمكنت مؤسسة النفط الصينية من شراء 40% من أسهم شركة النيل الأعظم النفطية فى السودان، التى تضخ 300 ألف برميل يومياً، كما قامت شركة «سينوبك» الصينية بإنشاء خط أنابيب بطول 1500 كيلومتر لنقل الإنتاج النفطى إلى ميناء بورسودان على البحر الأحمر، ومنه إلى ناقلات البترول المتجهة للصين.
وعلى النقيض للنماذج السابقة التى يبدو دور الشركات العالمية فى استنزافها واضحاً، فثمة حالتان أخريان تجسدان التحالف السياسى الذى أقامته هذه الشركات مع النظم السياسية الأفريقية، ومن أبرزها نيجيريا وتشاد لاستغلال الموارد، ويمكن تفصيل على النحو التالى:
1 نيجيريا:
مثلت الموارد مغذياً للصراع هناك حتى الآن، وقديماً قامت حرب أهلية فى شرق البلاد عام 1967 من قبل الأيبو لإحساسهم بأن ثرواتهم بالجنوب الشرقى مستغلة من قبل الشركات العالمية لصالح أهل الشمال، الأمر الذى دفع بهم للمطالبة بالانفصال، والآن تطرح منطقة دلتا النيجر النفطية التى تسمى بأنهار الزيوت (Oil Rivers) داخل البلاد نفسها بقوة خلال العقد الأخير لتكرار النموذج نفسه، حيث تشهد المنطقة بين الحين والآخر حركات مسلحة (حركة دلتا النيجر)، وانتفاضات ضد السلطة السياسية بالشمال، وخطفاً للعاملين فى الشركات متعددة الجنسية (شل، شيفرون، توتال.. إلخ) العاملة فى مجال استخراج النفط.
ويتهم السكان هذه الشركات بعدم مراعاة مصالح القبائل المحلية التى تتعرض أراضيهم للاستغلال، وبيئتهم للدمار ونهب الثروات، فى المقابل قامت شركة «شيفرون نيجيريا»، وهى فرع شركة «شيفرون تكساس» ورأس الحربة الأمريكية فى استيراد النفط الخام النيجيرى، بإعارة مصب أسكرافوس والطوافات الخاصة بها إلى قوات الحكومة، تسهيلاً لهجماتها على الجماعات المحلية المعادية للشركة، كما أن هذه الشركات لم تتوان عن استعمال الخصومات المحلية لصالحها، فخصت شركة شيفرون جماعة ايتسيكيرى، المنافسة تقليدياً ل«أيجاو» منذ زمن تجارة الرقيق بمنافع برامج التنمية التى أطلقتها.
2 تشاد: بعد تحالف بين نظام ديبى وشركات النفط العالمية، نشبت أزمة بين الجانبين فى أغسطس 2006 بعد أن أمر الرئيس إدريس ديبى برحيل اثنتين من الشركات، هما: (شيفرون) الأمريكية، و(بتروناس) لعدم احترامهما للالتزامات المنصوص عليها فى البنود المتعلقة بتسديد الضرائب على الشركات، واتهم ديبى الشركات بتحقيق رقم أعمال يبلغ 5 مليارات دولار مقابل استثمارات بقيمة 3 مليارات منذ عام 2003 بينما لم تحصل تشاد سوى على فتات يصل إلى 588 مليون دولار، كما يتهم الرأى العام التشادى الشركات الثلاث بنهب ثروات هذا البلد الفقير فى وسط أفريقيا بعرض نفطه بأسعار زهيدة فى الأسواق، ومن ثم تقليص أرباح الدولة من العائدات النفطية.. ويضم كونسورتيوم «ائتلاف» النفط فى تشاد، التى تنتج 170 ألف برميل يومياً، المجموعتين الأمريكيتين «أكسون موبيل»، و«شيفرون - تكساكو» والماليزية «بتروناس» باستثمار النفط التشادى الخام الذى يتم إنتاجه منذ 2003 غير أن الأزمة انتهت بين الجانبين فى أكتوبر 2006 حينما وافقت الشركتان على دفع أكثر من 280 مليون دولار أمريكى للدولة كضرائب مستحقة، الأمر الذى فسره المراقبون بأن قرار ديبى كان يحاول من خلاله استعادة شرعيته المفقودة التى فقدها فى الشارع التشادى بسبب الفساد السياسى وهيمنة طبقة معينة فى الحكم على أموال النفط على حساب الفئات الأكثر احتياجاً، لا سيما فى ظل مواجهته لمعارضة مسلحة قادمة من الشرق تحاول قلب نظام حكمه، كما أن تزامن طرد الشركتين النفطيتين مع استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الصين وتشاد، دفع إلى الاعتقاد بأن خطوة ديبى رسالة سياسية للضغط على الغرب ودفعه إلى مقايضة النفط بالسياسة معه، مفادها أنه فى حال عدم قبول شروطه، فإنه سيولى وجهه شطر بكين، والحصول على مكاسب مالية فى ملف النفط لشراء الأسلحة وتقوية نظامه من أجل التصدى للمعارضة المسلحة
فى الوقت نفسه، تعرض خط أنابيب النفط الممتد من تشاد إلى الكاميرون، وهو أكبر مشروع استثمار أجنبى فى أفريقيا، لانتقادات حادة، حيث اتهم من قبل منظمة العفو الدولية بأنه ينتهك حقوق الإنسان، مشيرة إلى أن الشركات التى تبنى الخط، كشيفرون واكسون وبتروناس، قد تخلت عن مسئولياتها تجاه حقوق الإنسان عبر تحالفها مع الأنظمة السياسية فى الدولتين، إذ أدى تشغيل حقول النفط وخط الأنابيب إلى انتهاكات للحقوق الإنسانية للمزارعين الفقراء فى المنطقة، الذين يقولون إنهم منعوا من الوصول إلى أراضيهم، ورفضت إكسون موبيل، تعويضهم، كما منعت بعض القرى من الحصول على مصادر المياه النظيفة الوحيدة المتوافرة لها.
ويشير خبراء إلى أن مستقبل العلاقة بين الشركات العالمية والأنظمة الأفريقية يحكمها اتجاهان، أولهما أن تظل العلاقة كما هى دون ضوابط الشراكة الاقتصادية، حيث تستمر هذه الشركات فى عمليات نزح الموارد عبر تحالفها مع كل من الأنظمة السياسية، والبورجوازيات الرأسمالية الأفريقية الجديدة المرتبطة بالغرب الرأسمالى، والتى تكونت إثر عمليات الإصلاح الاقتصادى فى عدة بلدان أفريقية، أما الاتجاه الآخر، فهو تشكل حركات مناهضة فى المجتمع الأفريقى لمنع استنزاف الموارد أو على أقل تقدير إيجاد شراكة اقتصادية تقوم على الضغط للاستفادة من عوائد الموارد الأفريقية فى عمليات التنمية ولعل ذلك يمكن ملاحظته فى فرض التزامات من قبل البنك الدولى على الحكومات الأفريقية بتخصيص نسب محددة من عوائد الموارد الأولية للتنمية، كما حدث فى تشاد، فبعد خلافات بين الحكومة التشادية والبنك الدولى على النسبة المخصصة من عوائد النفط لدعم التنمية فى ديسمبر 2005 وافقت الحكومة على إنفاق 70% من العائدات النفطية على التنمية، والاحتفاظ ب 30% للميزانية العامة.
كما أن ثمة محاولات من منظمات دولية غير حكومية، ومنها Global Witness وInternational Alert لصياغة برامج تساعد المجتمعات المدنية الأفريقية على إدارة مواردها فى مرحلة ما بعد الصراع، عبر مجموعة من البرامج، مثل الحكم الجيد، والتوزيع العادل للثروات، وفرض شفافية ومحاسبية على عمليات بيع الموارد من قبل الحكومات لمواجهة عمليات تجذر الفساد المؤسسى، الذى يحد من فائدة عوائد النفط للشعوب الأفريقية، فضلاً عن بلورة رؤية وطنية داخل الدول الأفريقية للتعامل مع الموارد الأولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.