عالمية».. هكذا وصف حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان، دعوته من اللحظة الأولى لتدشينه التنظيم، ولم يقصد بالكلمة تعبيراً مجازياً، وإنما وضع تصوراً للوصول إلى الحلم يتدرج من الفرد «المسلم»، والأسرة «المسلمة»، والحكومة «الإسلامية»، والخلافة «الإسلامية» ثم أستاذية العالم. وتتلخص رؤية «البنا» فى تمهيد الأرض أمام وجود أتباع وأنصار الجماعة، ثم خلق الهياكل التنظيمية حتى تقوم بإنشاء دولة باسم التنظيم مع إلغاء الحدود الجغرافية بداعى أنه «الحدود تراب» بعدها يتم فرض الهيمنة والسيطرة على العالم. وليس هذا فحسب بل قام «البنا» بإنشاء قسم «الاتصال بالعالم الخارجى» فى منتصف الأربعينيات من القرن الماضى ضمن هياكل عمل مكتب الإرشاد المعاونين له، وقام بتقسيمه ل3 لجان: الأولى «الشرق الأدنى» وتضم البلاد العربية والشعوب الإسلامية فى إفريقيا، والثانية «الشرق الأقصى» وتشمل دول شرق آسيا ووسطها، أما الثالثة فأطلق عليها «لجنة الإسلام فى أوروبا». وتتلخص أهداف قسم الاتصال بالعالم الخارجى فى إقامة شُعب للتنظيم تكون نواة لهيكل تنظيمى يسمح بالتمدد والسيطرة فيما بعد؛ فأغلب دول الغرب بها مراكز إسلامية بمثابة هياكل تنظيمية للجماعة، ولكن بمسحة العمل الإسلامى أو تتخذ من الإسلام ستارًا للعمل. كما اتصلت الجماعة بالطلاب العرب والمسلمين من خلال جامعة الأزهر فيما بعد، ونجحت فى تجنيد مجموعات كبيرة كانت بمثابة اختراق ساعد فى تمدد التنظيم فى أكثر من 88 دولة. وعقب صدام الجماعة مع الرئيس الراجل جمال عبدالناصر، هرب عدد من قيادات التنظيم للخارج حيث نشط عملهم وحتى بعد عودة التنظيم للعمل بعد وفاة «ناصر» وتولى الرئيس محمد أنور السادات فى السبعينيات من القرن الماضى، كان التنظيم الدولى قد أصبح ذا أهمية أكبر وبدأت تتشكل ملامحه، وظهرت بصمة مصطفى مشهور مرشد الإخوان الخامس سريعاً، حيث عمد لبناء مؤسسات الجماعة فى الداخل والخارج بعد خروجه من السجن، فقد كان يمثل أحد صقور الجماعة وعضو التنظيم الخاص سابقًا. وفى الوقت الذى منيت فيه الجماعة بضربات أمنية موجعة من قبل جمال عبدالناصر، نجحت فى الحصول على صيغة قانونية للتواجد فى لندن بتأسيس مكتب للإنتاج الفنى كستار لما يسمى بالتنظيم الدولى للإخوان، وهو يبث رسالة أسبوعية باسم «رسالة الإخوان» لاستقطاب المسلمين فى إنجلترا وأوروبا للجماعة، وإبراز بطولات الجماعة فى مواجهة الأنظمة السياسية المختلفة، وكان أبرز القيادات المهاجرة «إبراهيم منير، وجمعة أمين، وكمال الهلباوى»، أعضاء مجلس الإرشاد آنذاك. مقر التنظيم فى لندن يقع فى 113 شارع «كريكل وود» شمال لندن، ومن هنا بات التنظيم الدولى يحكم عبر أذرعه المنتشرة فى العديد من دول العالم، بعد أن أصبحت لندن مركزاً لإدارة التنظيم عقب أحداث 3 يوليو وعزل محمد مرسى، وتعيين المستشار عدلى منصور رئيساً مؤقتاً للبلاد عقب خروج الجماهير فى تظاهرات 30 يونيو، حيث تحتضن العاصمة الإنجليزية القيادات الجهادية بشكل عام حول العالم، وتمنحهم حرية فى الحركة، وتأمينًا للأنشطة وترفض تسلميهم لبلادهم لعدم اعترافها بالمحاكم الاستثنائية. وبموازاة ذلك، جنحت الجماعة إلى تقوية التنظيم فى أمريكا وأوروبا، فأوفدت سعيد رمضان، زوج ابنة حسن البنا والسكرتير الشخصى له، لإنشاء المركز الإسلامى فى ميونخ التى مثلت محورًا أساسيًا فى قيادة التنظيم، حيث سافر إليها محمد مهدى عاكف، عضو مكتب الإرشاد سابقًا ومسئول الاتصال الخارجى فى المكتب وكان مقر إقامته فى ميونخ، وكان يعمل وقتها تحت غطاء منصبه كمدير لمكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامى هناك، واستطاعت الجماعة بناء علاقات وطيدة مع الإدارات الأجنبية داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية وعبر الأحزاب المختلفة التى تولت السلطة هناك، وهو نفس الشىء الذى فعلته فى بريطانيا حتى أصبح بعض دول أوروبا يدعم وجودها ويدافع عن فكرة فرضها أو عودتها للسلطة فى مصر بعد الثورة عليها فى 30 يونيو 2013. وفى مارس الماضى، أصدرت جماعة الإخوان وثيقة سمتها «وثيقة التعايش السلمى» فى بريطانيا، قالت فيها إن المسلمين فى الدول الغربية، يعتبرون مواطنين يسهمون فى ترقية مجتمعاتهم، بهدف استدرار عطف السلطات البريطانية، خشية ردود الفعل الانتقامية بعد الهجوم الإرهابى الذى استهدف مجلس العموم فى لندن- آنذاك. وليس سراً أن علاقة جماعة الإخوان بالحكومة البريطانية تتسم بنوع من «الانسجام»، حيث عقد وفد من الجماعة لقاءً مع رئيس الوزراء تيريزا ماى، فى بداية توليها رئاسة الحكومة، وذلك ضمن مساعى الجماعة للرد على التقرير البريطانى الخاص بنشاطها السياسى. وسريعاً منحت الحكومة البريطانية فى أغسطس 2016، أعضاء جماعة الإخوان فى مصر حق اللجوء السياسى، وحسب قرار أصدرته وزارة الداخلية البريطانية فى منتصف العام نفسه، فإن «بعض أعضاء الجماعة الحاليين والسابقين مؤهلون لطلب اللجوء، لتعرضهم للاضطهاد والضرر الجسيم من قبل السلطات المصرية». وحددت لائحة اللجوء السياسى التى أصدرتها الحكومة البريطانية، الشروط والقواعد العامة الخاصة بتقديم الطلبات، وقالت إن هناك «إمكانية قبول اللجوء للقياديين فى الجماعة أو الذين كان لهم نشاط سياسى، خصوصًا فى التظاهرات، إذا أمكنهم إثبات تعرضهم للضرر والاضطهاد داخل مصر». التحول البريطانى فى عهد «ماى» سبقه صدور تقرير جنكينز البريطانى فى 17 ديسمبر 2015، بشأن نشاط الإخوان، الذى أدان الإخوان ولم يحظرهم، وأشار خطاب رئيس الوزراء البريطانى آنذاك، ديفيد كاميرون، الموجّه لمجلس العموم البريطانى بشأن نتائج التقرير المتعلق بجماعة الإخوان، إلى أن التقرير انتهى لوجود علاقة غامضة بين بعض أقسام جماعة الإخوان والتطرف العنيف»، وعلى الرغم من تصريح الإخوان بمعارضتهم لتنظيم القاعدة لكنهم لم يشجبوا بشكل مقنع استغلال بعض المنظمات الإرهابية لكتابات سيد قطب. وتابع التقرير: إن «هناك أفرادا تربطهم روابط قوية بالإخوان فى المملكة المتحدة أيّدوا العمليات الانتحارية وغيرها من الاعتداءات التى نفذتها حركة حماس فى إسرائيل»، لافتا إلى أن «حماس» حركة محظور جناحها العسكرى فى المملكة المتحدة منذ عام 2001 باعتبارها منظمة إرهابية وتعتبر نفسها الفرع الفلسطينى للإخوان. وتابع «كاميرون» فى خطابه الموجه لمجلس العموم: «إن الاستنتاجات الأساسية التى خرجت بها المراجعة تساند الاستنتاج باعتبار العضوية فى الإخوان أو الارتباط بهم أو التأثر بهم مؤشرا محتملا على التطرف، وسوف نواصل رفض إصدار تأشيرات زيارة لأعضاء الجماعة، والمرتبطين بهم الذين كانوا قد أدلوا بتعليقات متطرفة، إضافة إلى السعى لضمان عدم إساءة استغلال الهيئات الخيرية المرتبطة بالإخوان، وإبقاء آراء وأنشطة الإخوان قيد المراجعة لمعرفة ما إذا كانت تستوفى معايير حظرها». والدور السياسى للتنظيم لا ينفصل عن الدور الاقتصادى، حيث يتضمن الأخير استمرار الأول، وتنحصر موارد التنظيم الدولى فى مصدرين أساسيين: الأول اشتراكات أعضاء الجماعة فى الأقطار المختلفة، والثانى هو نسبة من أرباح الشركات التى يديرها إخوان لصالح التنظيم. وتنقسم اشتراكات الأعضاء إلى قسمين، الأول هو ما يدفعه الأعضاء العاملون داخل أفرع التنظيم بالأقطار المختلفة كنسبة ثابتة من دخولهم الشهرية للجماعة والتى قد تصل إلى 5% وقد تبدأ ب 2.5%، وأغلب هذه الأموال تنفق محليًا على نشاطات الفرع وبرامجه المختلفة، باستثناء بعض الدول النفطية تحديدًا التى يمتلك الإخوان فيها فائضًا يتم توجيهه للتنظيم الدولى، والثانى هو اشتراكات وتبرعات الأعضاء فى الجمعيات والمنظمات التابعة للتنظيم الدولى فى أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية، وجميع هذه الأموال تصب فى جعبة التنظيم الدولى، وهى جمعيات تأسس أغلبها فى الفترة التى أعقبت هروب الإخوان من مصر عقب خلافهم مع «عبدالناصر»، ومن أبرزها الجمعية الإسلامية فى ألمانيا، وتضم تحت مظلتها مراكز إسلامية فى أكثر من 30 مدينة ألمانية، وتكمن القوة الحقيقية للجمعية فى تنسيقها مع وإشرافها على عدد من المنظمات الشبابية والطلابية الإسلامية فى ألمانيا، وكذلك اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا، وهى الآن عضو فى المجلس الإسلامى الرسمى التابع للحكومة الفرنسية، واتحاد التجمعات والمنظمات الإسلامية فى إيطاليا، وهو الشريك الرئيس للحكومة الإيطالية فى الحوار، فيما يخص القضايا الإسلامية فى إيطاليا، والجمعية الإسلامية الأمريكية «MAS» والتى يرأسها الدكتور «عصام عميش»، وتضم نحو 1000 عضو عامل وأكثر من 100 ألف من المشاركين وتنتشر من خلال 60 فرعاً فى 35 ولاية، وغيرها. أما الجزء الثانى من مصادر تمويل التنظيم فيأتى من مساهمة رجال الأعمال التابعين للتنظيم والذين يديرون مؤسسات مالية لصالحه، وجزء من هذه الأموال يأتى من خلال المضاربة فى البورصات العالمية عن طريق شركات عالمية لإدارة المحافظ المالية، ويتحكم الإخوان فى هذه الأموال عن طريق توكيل لإدارة الأموال والسحب منها صادر لعدد من قيادات التنظيم الدولى، ويمتلك التنظيم الدولى عددًا من الشركات والمؤسسات الاقتصادية فى قارات العالم المختلفة يديرها رجال التنظيم الدولى، ومن أبرزهم إبراهيم كامل - حسب تقرير نشره «مركز المساعدة والدراسات الاستراتيجية ومقره واشنطن»، حيث أسس «كامل» بنك «دار المال الإسلامى» (DMI)، ومقره الرئيسى فى ناساو بجزر البهاما، كما أنشأ كل من يوسف ندا، همت غالب وآل يوسف القرضاوى «بنك التقوى» - وأغلق عقب هجمات الحادى عشر من سبتمبر- ومقره أيضا فى ناساو بجزر البهاما، وبالمثل أسس نصر الدين إدريس، «بنك العقيدة الدولى» فى ناساو بجزر البهاما.