كان للأدب الشعبى الإفريقى دور كبير فى مقاومة الاستعمار فى خمسينيات وستينيات القرن العشرين. مقاومة هؤلاء الذين أرادوا قتل هوية الشعب بفكرة استعمارية تقول: قبل السيطرة على الناس لابد من السيطرة على نفوسهم.. ولأن الشعب الإفريقى قرر ألا يفقد نفسه وهويته وتاريخه فقد لجئوا إلى رموز، لحكايات من الحيوانات والطيور للتعبير عن مشاعرهم، ليؤكدوا للمستعمرين أن القوة ليست بالعضلات أو السلاح.. أو النفوذ.. ومن حكايات المقاومة للخلاص من الاستعمار.. حكاية: • قانون الغابة وقد كتبها الزعيم الكينى «جومو كينياتا» الذى كان سياسيا وأديبا مناضلا ضد ذلك الاحتلال الأجنبى لإفريقيا، فقد تعلم وسافر ليحصل على المزيد من العلم فى إنجلتراالمحتلة لبلاده كينيا.. قاد المنظمات السياسية لمحاربة الاستعمار، ودخل السجن لعدة سنوات ولما أفرج عنه كان رئيسا للوفد الذى سافر إلى «لندن» لبحث استقلال بلاده.. وقد أصبح أول رئيس لدولة «كينيا» بعد استقلالها عام 1963 وظل رئيسا إلى وفاته أواخر سبعينيات القرن العشرين. تحكى قصته المقاومة للاستعمار عن رجل طيب تعرف على «فيل» وقامت بينهما صداقة.. ذات يوم هبت عاصفة ممطرة على المنطقة التى يعيشون فيها فى إحدى غابات إفريقيا.. فلجأ الفيل إلى كوخ الرجل صديقه ليحتمى به وقد أكرمه الرجل.. لكن الفيل رفض أن يترك الكوخ الخالى الذى أعجب به عندما هدأت العاصفة وطلب من صاحب الكوخ مغادرته، بحجة أن الرجل يمكنه أن يبنى كوخًا آخر بينما يصعب على الفيل ذلك. ذهب الرجل إلى الأسد ملك الغابة وشكا له من سلوك الفيل وطلب منه استرجاع كوخه فقال له الأسد: «إن الفيل من أحد وزراء دولتى المبجلين وسأدعو لجنة وزرائى لتفصل فى الأمر». شُكلت لجنة من السيد الجاموس والسيد قشطة والسيد التمساح والفهد ورأس اللجنة الثعلب الماكر.. طلب الرجل أن تضم اللجنة واحدًا من بنى جنسه لكنهم أكدوا له أنه لايوجد من بنى جنسه أحد يفهم دقائق قانون الغابة. تكلم الفيل وقال إنه دائما يرعى مصالح أصدقائه وإن الرجل دعاه لإنقاذ كوخه من العاصفة التى كانت ستحطمه بسبب فراغه، ووجد من الضرورى لصالح صديقه أن يطوّر هذا الفراغ اقتصاديا بالجلوس فيه.. «وأنا متأكد أن كل واحد منكم كان سيقوم بهذا الواجب». اكتفت اللجنة بكلام الفيل ولم تستمع لشهادة الرجل، وأصدرت حكمها بأن الفيل قد قام بواجبه فى حماية الكوخ.. وبما أن الرجل لايستطيع ملء فراغ كوخه فعلى الفيل أن يستمر فى شغل المكان وعلى الرجل أن يبحث عن مكان آخر ليبنى فيه كوخا يلائم حاجته.. وستسهر اللجنة على حمايته. • السلام غالٍ خاف الرجل من أنياب أعضاء اللجنة ومخالبهم وقبل بحكمهم وبنى كوخا آخر.. وفى مناسبة مشابهة للأولى جاء السيد جاموس وأقام فى كوخ الرجل ليحميه ورفض تركه.. وجاءت اللجنة مرة أخرى للتحقيق وأصدرت حكما مثل حكمها السابق وعلى الرجل أن يبحث له عن مكان آخر.. وقد استمر الحال هكذا إلى أن حصل كل عضو فى اللجنة على كوخ من صنع الرجل المسكين. فكر الرجل البائس أنه لن يستطيع الاستمرار هكذا فى بناء كوخ يحميه ويستولون عليه بسبب خوفه.. وإذا كانت هذه الحيوانات فتاكة، فما من دابة على الأرض يصعب صيدها.. نفض الرجل الخوف من نفسه وفكر كيف يتخلص منهم.. وجاءته فكرة عبقرية بدأ فى تنفيذها.. بنى كوخا كبيرا كلفه الكثير من الجهد والمال.. أغرى به حيوانات الغابة فأسرعوا للإقامة فيه.. انتظر الرجل إلى أن استقروا مطمئنين إلى قرار اللجنة.. وأغلق عليهم باب الكوخ الذى عمل على صلابته وأشعل النار فى الكوخ من جميع الجهات إلى أن قضى عليهم جميعا.. وأخيرا تنهد وقال: إن السلام غالٍ.. لكنه يستحق الثمن. • ومن حكايات الأدب الشعبى الإفريقى الزاخر برموز عبقرية لتعليم الناس.. حكاية: • العنكبوت صاحب الحكمة وهى تحكى أن عنكبوتا كبيرا من عناكب الغابة اعتبر نفسه صاحب الحكمة فى هذا الكون وأن الله أنزلها عليه وحده.. فهو الذى يستطيع أن ينسج خيوط بيته بطريقة معينة وفى أماكن خاصة.. تحمى بيته من الطبيعة.. وهو الذى تلجأ إليه بعض الطيور والحيوانات يسألونه النصيحة مادام ينسج بيته بهذه الحكمة. وذات يوم نزل إلى المدينة فاكتشف أن الناس يستخدمون الحكمة فى أقوالهم وأفعالهم.. وهذا لم يعجبه فقرر أن يجمع الحكمة كلها حتى لايستخدمها أحد غيره.. جاءته فكرة عظيمة.. أحضر قرعة كبيرة من القرع الأصفر الذى يسمونه «قرع عسلي» ووضعها فى مكان آمن إلى أن جفت تماما من الداخل وقام بجهد كبير ليخرم ثقبا فى قشرتها الصلبة.. وسأله ابنه لماذا يقوم بذلك الجهد فأخبره الأب إنه تضايق من استخدام غيره للحكمة فقرر جمعها وإخفاءها فى هذه القرعة الكبيرة. لم يعجب العنكبوت الابن ما قاله الأب وتركه. بعد أن جمع العنكبوت الأب كل ما وجده من الحكمة ووضعها خلال الثقب فى القرعة الكبيرة وعلّقها فى مكان آمن بجوار بيته، لم ينم لعدة ليالٍ.. خاف أن يثرثر ابنه مع أحد عن سر القرعة الكبيرة فيأتى ويسرقها.. حمل العنكبوت الأب القرعة وسار بها يبحث عن مكان آمن وقد شاهده الابن فتبعه صامتا إلى أن وصل إلى منطقة بها نخيل واختار أطول نخلة ليعلق بها القرعة المليئة بالحكمة.. وقف العنكبوت الابن يراقب مجهود الأب فى صمت وهو يدفع القرعة أمامه ليصعد بها إلى أعلى النخلة وكلما دفعها عدة خطوات تدفعه القرعة إلى أسفل.. وأخيرا قال لأبيه: لماذا لاتحمل القرعة على ظهرك فيسهل عليك صعود النخلة؟!.. نظر العنكبوت الأب إلى ابنه وفكر قليلا ثم قال «أنت يابنى على حق ونصيحتك هذه كشفت لى أنه من الأفضل أن تكون الحكمة لدى ناس كثيرين ولاتكون ملكا لواحد فقط» وفتح العنكبوت الكبير الثقب فى القرعة وأدارها إلى أسفل.. فتبعثرت الحكمة على الأرض وغمرتها رمال كثيرة.. وهبت رياح شديدة.. نقلتها إلى كل مكان فى الكون.. وكل من يريد البحث عنها.. سيجدها بشيء من الصبر. •