كانت مصر إحدى أبرز مناطق زراعة الأشجار؛ وكان ما تنتجه من الأخشاب كافيًا لاستخدامه فى أفران صناعة الفخار، وبعض الصناعات الخشبية وفى المناجم لحمايتها من الانهيار، وغير ذلك، إلا أنها فى الوقت الحالى أصبحت من أكبر الدول المستوردة للأخشاب بحوالى 650 مليون دولار سنويا . رغم توافر كل الإمكانيات من مناخ وتربة ومياه للرى، فالغابات تزرع فى الأراضى غير الصالحة لزراعة المحاصيل الاقتصادية المعروفة وبنوعية مياه منخفضة الجودة وبالتالى لا تمثل أى تنافسية مع أى محصول آخر، مما يؤدى إلى زيادة العائد الاقتصادى للمزارع والدخل القومى، لذا نحن فى حاجة ملحة إلى إقامة مشروعات كبرى لإنشاء الغابات والتخلص من مياه الصرف الصحى. والمساهمة فى التغلب على التغيرات المناخية، وتقليل الآثار السلبية للاحتباس الحرارى، وخفض نسبة غاز ثانى أكسيد الكربون المنبعثة التى تتسبب فى ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير فى نفس الوقت فى البداية قال الدكتور جمال عبد ربه، أستاذ البساتين بكلية الزراعة جامعة الأزهر: مصر أنشأت أول هيئة حكومية للغابات فى العالم، لتمويل صناعة السفن فى عهد الدولة الفاطمية، التى اعتمدت عليها فى تمويل مشروعاتها المختلفة. وتم العثور على سجلات تاريخية تشير إلى وجود نظام متطور لإدارة الغابات فى مصر القديمة منذ القرن 11 ق.م. • المستهلك الأول للكربون أضاف «عبدربه»: الغابات والنباتات الخضراء المستهلك الأول للكربون من الغلاف الجوى بكميات هائلة، حيث تقوم بدور توازن ديناميكى فى نسبة الغازات الموجودة، ولهذا السبب إضافة إلى أسباب اقتصادية أخرى، هناك توجه عالمي للتوسع فى زراعة الغابات وصيانتها وحمايتها. ووفقًا لدراسة قام بها معهد مراقبة البيئة العالمية، فإن كل 130 مليون هكتار من الغابات قادرة على امتصاص 660 مليون طن من الكربون كل عام، حيث تستطيع هذه المساحة من الغابات، والتى تعادل ضعف مساحة فرنسا فقط، أن تمتص هذه الكميات الهائلة من الكربون لمدة ثلاثين سنة، ويمكنها أن تعيد الأراضى المتدهورة إلى حالتها الطبيعية. ومشروع استزراع الغابات، يوفر كذلك كميات إضافية من الأوكسجين النقى، ويوفر على الإنسان عناء وأضرار تنفس الهواء الملوث المليء بأشكال الملوثات الغازية كافة والغبار. وقد بدأت مصر فى زراعة الغابات مؤخرا، ولكن على نطاق صغير والأمر يلزمه مشروع على مستوى الدولة لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعى والصحى المهدرة سنويا لهذا الغرض، ليوفر فرص العمل ويزيد العائد الاقتصادى للمزارع والدخل القومى باستغلال الأشجار الخشبية فى الصناعات المختلفة مثلها مثل محاصيل الألياف والزيوت وفى التصنيع الزراعى وإنشاء مصانع لإنتاج الحبال والأثاث والإسكان والفحم من زراعة أشجار الكايا أو الحور أو الكافور ومصانع من أشجار السنط العربى «أكاسيا» لإنتاج الصمغ والراتنجات ومكافحة التصحر حيث لدينا 95% صحراء من إجمالى المساحة الكلية وزراعة الظهير الصحراوى بأشجار إنتاج الطاقة وحماية البيئة والمواطنين وتوفير فرص عمل للخريجين. وقال الدكتور حامد عبدالدايم المتحدث الإعلامى لمركز البحوث الزراعية: زراعة الغابات ستزيد سقوط الأمطار وتحمى التربة ومصدر للدواء وبدائل للبترول، ومن المعروف أن التغيرات المناخية على مستوى الكرة الأرضية وبصفة خاصة على مصر فى السنوات الأخيرة لها تأثير سلبى على جميع الزراعات سواء كانت خضر أو فاكهة أو محاصيل حقل حيث أن ارتفاع درجات الحرارة وهبوب الرياح الشديدة يؤدى إلى خسارة فى المحاصيل الزراعية بنسبة قد تصل إلى 25 فى المائة، مما يجعل زراعة الغابات ضرورة ملحة وبصفة خاصة كمصدات للرياح لحماية الزراعات المختلفة من الرياح الشديدة، وخاصة فى الأراضى المستصلحة حديثا، وأيضا تساعد فى خفض درجات الحرارة المرتفعة، هذا بالإضافة فوائد أخرى عديدة، حيث إن التوسع فى زراعة الأشجار الخشبية على جانبى الترع والمصارف يحمى جسورها من الانهيار كما تساعد فى عدم تسرب المياه من جانبى الترع، بالإضافة إلى خفض درجات الحرارة فى القنوات المائية مما يؤدى إلى قلة تبخر المياه، وبالتالى الحفاظ عليها، بالإضافة إلى أن تشجير جوانب الطرقات، خاصة السريعة، يخفض من درجات الحرارة فيحافظ على الأسفلت، بالإضافة إلى أنه يمكن الاستفادة من مياه الصرف الصحى بمعالجتها واستخدامها فى زراعة مساحات كبيرة من الأشجار الخشبية وزيادة موارد مصر من الأخشاب بدلا من الاستيراد وتوفير العملة الصعبة.. ومعهد بحوث البساتين به علماء فى هذا المجال ونحن فى حاجة شديدة لذلك وبصفة خاصة فى الأراضى المستصلحة حديثا (1.5 مليون فدان).. مشيرا إلى أنه حتى الآن لا يوجد تشريع فى مصر ينظم زراعة الغابات ويحدد طريقة امتلاك المستثمر للأرض. • غابات صناعية وقال د.عمرو ربيع رئيس الإدارة المركزية للتشجير: لدينا 33 غابة صناعية فى مصر يوجد معظمها بالوجه القبلى بمساحة تقترب من 15 ألف فدان مجاورة لمحطات الصرف الصحى المعالج وهناك تعاون مشترك منذ 3 سنوات بين الإدارة وجامعة ميونيخ ويهدف المشروع إلى تحسين نوعية الأشجار التى يتم زراعتها فى الغابات وتطوير نظم الرى المستخدم بها وتم تنفيذه فى عدة مواقع أبرزها غابة سرابيوم بالإسماعيلية على مساحة حوالي 40 فدانا ومعدلات النمو للأشجار تحت الظروف المصرية تبلغ 4 أضعاف مثيلتها فى المانيا، حيث يصل طول شجرة الكافور الليمونى الذى يستخرج منه عطر برائحة الليمون، إلى 10 أمتار، وسمكها إلى 10 سنتيمترات خلال عام ونصف العام فقط، وهو من أعلى معدلات نمو الأشجار فى العالم. ومن أهم الأشجار الموصى بها السنط والسافانا والهوهوبا والمورنجا والبولينا التى لا تحتاج إلى خدمة وتتحمل العطش وتنتج بعد أربع سنوات. وهناك عشرات الأنواع من أشجار الغابات الاقتصادية، وعلى رأسها التيك الأبيض الذى ينتج أنواعاً من الأخشاب تفوق فى جودتها خشب «الزان»، وخشب «الماهوجني» الذى يعادل الخشب الزان، وأشجار «الجوجوبا» و«الجاتروفا» التى يستخرج منها زيت تشحيم محركات الطائرات. بينما قال دكتور نادر نور الدين، أستاذ الأراضى والمياه بجامعة القاهرة: تبلغ كميات المياه المخصصة للاستهلاك المنزلى والمحليات (مستشفيات ومدارس وجامعات ومبانى حكومية وحدائق...) نحو 10 مليارات متر مكعب سنويا يصل منها ما بين 6 إلى 7 مليارات إلى محطات الصرف الصحى أو إلى النيل والترع والمصارف مباشرة، حيث لا تزيد نسبته توافر شبكات الصرف الصحى فى قرى الوجه البحرى على 10% وفى قرى الصعيد على 1%.. تستقبل شبكات الصرف الصحى الحكومية ثلاثة أضعاف سعتها فتقوم بالتخلص من الثلثين بدون معالجة فى الترع والمصارف المصرح لها بإلقائها فيها، وتقوم بمعالجة الثلث الباقى معالجة أولية فقط أى إزالة الجزء الصلب فقط من المخلفات وترك الميكروبات الممرضة والفلزات الثقيلة بدون معالجة لتعانى منها الترع والمصارف والترب الزراعية. وعادة يتم إنشاء الغابات الشجرية كحزام أخضر للمدن خاصة المدن الجديدة الصحراوية منها والتى تتعرض أكثر من غيرها لنوبات هبوب الرياح الرملية والترابية، فتعمل هذه الأحزمة الخضرية على تلطيف الجو فى المدن الصحراوية بإنتاجها لكميات كبيرة من الأكسجين وامتصاصها لثانى أكسيد الكربون، ثم عملها كمصدات للرياح تعمل على تهدئة سرعة الرياح والعواصف وترسيب ماتحمله من رمال وأتربة خارج المدن بين صفوف الأشجار.. وتستوعب مياه الصرف الصحى والصناعى لهذه المدن ودون تكاليف معالجة لريها، حيث تتحمل الأشجار الخشبية النوعيات الرديئة من المياه كما أنها لا تنتج مواد غذائية وثمار تؤكل. وإن كان يعيب عليها فقط زيادة تكاثر الذباب والناموس عليها بالإضافة إلى انتقال الروائح الكريهة لمياه الصرف الصحى مع الرياح إلى مساكن المدينة إذا ما أقيمت هذه الأحزمة الشجرية تحت الريح، وبالتالى فقد تحمل الرياح أيضا بعض الميكروبات التى تصيب الجهاز التنفسى أو حتى تلوث الأطعمة المكشوفة خاصة أمراض الجهاز الهضمى والتيفود والكوليرا والنزلات المعوية وغيرها. أضاف «نورالدين»: زيارة الرئيس الأخيرة لكل من سنغافورة واليابان كان الغرض منها استخدام التقنيات المتقدمة لهذه الدول فى معالجة مياه الصرف الصحى والصناعى معالجة ثلاثية ومعالجة متقدمة تتحول بها إلى مياه جيدة تحمل صفات مياه الأنهار إلا أن قوانين إعادة استخدام المياه المعالجة عالميا تمنع أستخدامها فى المنازل سواء للشرب أو فى المطابخ والحمامات لأن النفس البشرية ستعافها بسبب خلفية مصدرها كمياه مجارى أو صرف صناعى ولكنها تستخدم بأمان ودون أضرار مستقبلية فى قطاعى الزراعة والصناعة وبالتالى يستفاد بها اقتصاديا فى زيادة إنتاج الغذاء والحاصلات التصديرية وأيضا المنتجات الصناعية بتكلفة فى حدود 2 جنيه لمعالجة المتر المكعب من هذه المياه. وبالتالى فإن استغلال هذه المياه فى المعالجة لزيادة الإنتاج الزراعى والصناعى أجدى من إنشاء الغابات الشجرية حاليا بسبب العجز المائى الكبير فى مصر. • مشكلات وحلول واستطرد قائلا: أيضا يتطلب الاستثمار فى الغابات الشجرية 20 عاما على الأقل انتظارا للمحصول الخشبى كما أن المناطق المدارية الحارة والجافة لمصر لا تنتج أشجارا خشبية قوية مثل مثيلاتها فى المناطق الباردة فى فنلندا والسويد والنرويج وكندا ولا لمثيلتها فى الغابات الاستوائية فى الكونغو أو أوغندا وجنوب السودان وغيرها ولكننا سوف ننتج أشجارا رفيعة لا تنفع إلا لتصنيع الفحم وبعض الصناعات الخشبية البسيطة وهناك شكوك فى صلاحيتها لإنتاج الورق والتى تحتاج إلى أشجار ذات لب وقلب قوى وأشجار سميكة وقوية.. لذلك تنحصر فقط استخدامات مياه المجارى فى الحزام الأخضر للمدن وحتى هذا لم يثبت نجاحه وأدى إلى احتراق الأشجار كما فى منطقة اللاجون فى مدينة 6 أكتوبر وفى بعض مناطق الغابات فى الواحات.. ولكن حاليا يمكن استخدامها بمعالجات أولية وثنائية لإنتاج الوقود الحيوى لبدائل البنزين والسولار بنجاح. • معالجة مياه الصرف وقال الدكتور محمد صلاح الدين عياط، أستاذ الإنتاج السمكى بكلية الزراعة جامعة الزقازيق: مشاكل البحيرات بدات عام 1920 مع تنفيذ نظام الصرف والرى فى مصر، وأصبحت صرفا للأراضى الزراعية ما أدى إلي تغيير طبيعة بيئة البحيرات وتغيير مياهها من مياه مالحة إلى مياه أقل ملوحة فهى غير مالحة ولا عذبة، ونجم عن ذلك تغيير طبيعة المياه ونوعية الأسماك فتحولت من أسماك بحرية إلى أسماك نيلية والمشكلة هنا فى نمو النباتات المائية وأهمها البوص وورد النيل. ولابد من معالجة مياه الصرف الصناعى حتى لا يتكرر ما يحدث فى بحيرة إدكو حيث تموت سنويا أطنان من الزريعة. وهناك حاجة ماسة للعمل على سرعة وقف إلقاء الصرف الصحى والصناعى فى مياهها لما لها من تأثير سلبى على المخزون السمكى ذاته أو على البيئة التى تعيش فيها الأسماك.. وتحويل صرف مياه الصرف الصحى والزراعى فى البحيرات إلى مناطق صحراوية بعيدة عن العمران وهى غير صالحة لأى استخدام عمرانى أو صناعى أو زراعى ويتم زراعة اشجار خشبية (حدائق خشبية صناعية) على تلك المياه لإنتاج أخشاب تستخدم فى صناعة الأثاث أو الصناعات الخشبية المختلفة وإنتاج الفحم وخلافة، وتقام عليها صناعات أخرى مثل صناعة الورق وخلافه.•