تفرق إيه باريس عن قلعة الكبش ولّا الدرب الأحمر دى حتى الباطنية أجدع منها «دى الجملة اللى فضلت أقولها لنفسى وأنا بستحضر روح عالم التنمية البشرية العظيم د. إبراهيم الفقى كنوع من أنواع رفع المعنويات، وهذا بعد رفض رئيس التحرير اقتراحاً تقدمت به أنا وزميلتى ياسمين خلف عشان نسافر خارج القاهرة ونعمل بعض التحقيقات الصحفية المختلفة عما تتناوله كل الوسائل الإعلامية ودوشت دماغ الناس به ليل نهار، لكن جاء رد رئيس التحرير صادمًا للغاية حيث قال: «تسافروا إيه؟! انتوا كمان عاوزين تتفسحوا! طيب مافيش سفر وانزلوا اعملوا تحقيقات فى القلعة وبولاق والظاهر وعدوا على السيدة بالمرة وعندكم الجمالية والفجالة والعتبة وسوق السلاح.. يعنى ح تسافروا برضه بس جوه القاهرة فى الأماكن المنسية فى توهة السياسيين وصفوة المثقفين وخطط المسئولين. وأنا عارف أن متعتكم الحقيقية هى فى الحصول على اللقطة المميزة والحدوتة الإنسانية وفى الحالة دى تبقى قلعة الكبش أجدع من باريس. المصريون يحبون «الأكلة الحرشة» المصرى «أكّيل» بطبعه، يعشق الطعم المميز و«النَفَس الحلو وله مزاج خاص فى الأكل.. مطاعم المناطق الشعبية تحديداً تشتهر بالعديد من الأكلات المصرية الأصيلة وذلك على عكس الأحياء التى يسكنها الأثرياء، حيث تشتهر بالمطاعم العالمية والأوروبية والآسيوية التى تهدف إلى نشر ثقافات الطعام من بلدان مختلفة، من خلال الطعم والبهارات أو طريقة التناول نفسها، كالمطاعم الصينية والهندية والإيطالية. ولأننى حرصت خلال هذه الرحلات - التى تم نشرها على مدار شهر كامل - على إظهار كل ما هو «شعبى» يحتفظ بهوية ومذاق مصر، فمن الضرورى أن أركز بشكل خاص على المأكولات الشعبية التى لا يسلاها المصريون أبداً.. فجهزت رفيقتى الدائمة وهى الكاميرا الخاصة بى، واستقللت سيارتى واتجهت إلى قلب السيدة زينب. الفسيخ.. أكلة حرشة لها عشاقها منذ عهد الفراعنة، يستقبل المصريون فصل الربيع وعيد شم النسيم بأكلة فسيخ متينة ومازلنا نتبع هذه العادة حتى يومنا هذا ولا أحد يعلم مطلقاً ما السر وراء ذلك.. هنا فى السيدة زينب تحديدا أمام مسجد السيدة نفسه ستجد واحدًا من أشهر محلات بيع الفسيخ والرنجة وأكثرها ثقة سواء من الأغنياء أو الطبقات الشعبية نظراً لجودته العالية وأسعاره التى تناسب جميع الفئات. يقول عمرو شاهين صاحب محل الفسيخ: عائلة شاهين تعمل فى تصنيع الفسيخ منذ أكثر من 150 عامًا.. إحنا حافظنا على هذه العادة الفرعونية. وأهم ما يميزنا هو النظافة والجودة العالية والخبرة، لأن تمليح الفسيخ خبرة وصنعة لا يعرف أسرارها إلا قليلون «إحنا بنملح الفسيخ على أيدينا». وعن اختلاف مراحل تصنيع الفسيخ عبر العصور يقول: زمان كان الفسيخ يملح ويلف فى قماش ويوضع فى أفران مكتومة على نار هادئة، أما الآن فأصبح التصنيع أكثر تطوراً ونستخدم الدفايات وبراميل خشبية. والفسيخ نوعان، النوع الأول ملحه خفيف ويناسب مرضى الضغط العالى، وممكن الزبون يعصر عليه ليمون ويضيف معلقة زيت ويأكله وهو مطمئن «دون خوف»، والنوع التانى حادق ودا ليه زبونه اللى بيطلب الفسيخ المعتق وممكن يضاف إليه طحينة وزيت وبالهنا والشفا. وعن الأسعار يقول: نحاول بقدر المستطاع أن نقدم أسعارًا تناسب كل المستويات مع العلم أن الجودة واحدة، لكننا نقدم أحجامًا مختلفة للسمك مثلاً أسعار الرنجة الصغيرة تبدأ من 30 جنيهًا للكيلو، أما الوسط فهى ب 35 جنيهًا والكبيرة ب 40 جنيهًا للكيلو، والفسيخ الحجم الصغير ب 90 جنيهًا للكيلو والوسط ب 95 جنيهًا والكبير ب 100 جنيه. وحتى البطارخ مش كلها غالية يعنى مثلاً بطارخ الرنجة رخيصة جداً وأسعارها مناسبة، وأغلى نوع بطارخ هو البورى لأن جودته عالية جداً، حيث يتم صيد السمك من بحيرة البردويل وهى تفتح للصيد مرة واحدة فى العام وسمكها درجة أولى ثم تباع البطارخ النيئة فى مزاد ببورسعيد الكيلو يصل إلى 350 جنيهًا، وبعد ذلك نقوم نحن بتمليحه وتصنيعه ويصل ثمن الكيلو إلى 700 جنيه وعادة الزبون يشترى منه بالجرام لأنه ليس أكلة أساسية. • لحمة الراس.. أكلة ترم العضم لحمة الراس وفواكه اللحوم والكوارع من الأكلات الحرشة التى يعشقها الكثيرون رغم دسامتها العالية إلا أن البعض يعتبرها «أكلة ترم العضم» كما يقال عنها، لكن مرضى الكوليسترول والسمنة والكبد عليهم الحذر منها. عند مسجد السيدة أيضا اسأل على مسمط الشعب الذى يقع على بعد خطوات بسيطة وهناك ستجد شابا فى الثلاثينيات هو صاحب المسمط، يقف بنفسه ليقدم الطلبات للناس واسمه ناصر، فاقتربت منه وسألته عن تاريخ هذا المسمط فقال لي: دا جدى الحاج مصطفى أسسه ييجى من 60 سنة وأكتر، وسماه الشعب لأنه مطعم شعبى يقدم وجبات للناس اللى على قد حالها، وأنا ورثت المطعم منه وكمان حبى للسيدة اللى كبرت واتربيت فيها .. السيدة زينب دى بلد الأكل. وعن أنواع اللحوم التى يقدمها ناصر يقول: احنا شغلنا كله ضانى ماعدا الكوارع بس عجالى، وبنقدم لحمة راس وكرشة وفشّة وممبار وشوربة كوارع، والأسعار عندنا تبدأ من ساندويتش ب 5 جنيه، و«بنطبخ» بنفس طريقة أجدادنا عشان كدا الناس بتحبنا لأننا بنفكرهم بأيام زمان. كان هذا كلام ناصر.. وبهذه الرحلة تنتهى جولاتى داخل القاهرة، لكن فى الحقيقة لن ينتهى شغفى بكل ما هو شعبى يحمل مذاق مصر الحقيقى وسأحاول دوماً إظهاره لك عزيزى القارئ من خلال تحقيقات صحفية قادمة. •