مائة عام من الغناء المسجل .. لم يقترب منها أحد بالتوثيق مائة عام مشوار الإبداع المصرى الحديث فى مجال الأغنية.. لم يرصد أحد تاريخه ولا تاريخ مبدعيه .. فهل آن الأوان؟! طوال مدة عضويتى فى مجلس إدارة جمعية المؤلفين والملحنين- التى تعتبر أهم ملامح التاريخ الحى لمخزون الغناء المصرى-. وأنا أتساءل .. كيف نتعامل مع هذا التاريخ العظيم للأغنية .. وللجمعية .. لقد ارتبط تاريخ الأغنية .. بتاريخ جمعية المؤلفين والملحنين .. بتاريخ الملكية الفكرية فى مصر.. ارتباطا وثيقا .. بحيث أصبح من غير الممكن الحديث عن أحد هذه العناصر دون الحديث عن العنصرين الآخرين.. لقد انضم إلى عضوية جمعية المؤلفين والملحنين منذ تأسيسها منذ سبعين عاما.. جميع رموز مصر فى مجال تأليف وتلحين الأغنية، الذين شكلوا وجدان مصر.. ولا أبالغ حين أقول إنهم ساهموا بقدر كبير فى تشكيل وجدان الوطن العربى على مدى مائة عام. وكان تأسيس الجمعية ونضال أعضائها هو السبب المباشر فى ظهور أول قانون لحماية الملكية الفكرية فى مصر عام 1954، وعلى مدى سبعين عاما منذ إنشاء الجمعية «1946» تكاد تكون الجمعية هى نقطة الضوء الوحيدة فى مجال الملكية الفكرية فى مصر.. ومع هذا، فالملكية الفكرية فى مصر مازالت بعيدة كل البعد عن التطبيق العادل الحاسم فى المجتمع، سواء فى مجال الفن أو العلوم أو الاختراع أو العلامات التجارية.. ثم .. ماذا عن مستوى الإبداع الغنائى فى مصر ؟! يكاد لا يوجد إنسان فى مصر إلا ويشعر بوطأة التراجع الرهيب فى فن الغناء المصرى .. فلا اكتشاف لمواهب جديدة فى الغناء أو التأليف أو التلحين .. ولا إنتاج غنائى حقيقى .. بل إن معظم شركات الإنتاج أغلقت أبوابها .. وهكذا .. ولدت فى ذهنى فكرة إنشاء مدينة للأغانى .. إضافة جديدة للصروح الفنية فى مصر .. تستدرك النقص الرهيب فى مجال توثيق وتأريخ فن الغناء المصرى من جهة.. ومن جهة أخرى نرتقى بهذا الفن الذى يعتبر أحد أعمدة قوة مصر الناعمة.. ومن جهة ثالثة نفتح الآفاق أمام إنتاج غنائى متميز.. وكل هذا من خلال إحدى جمعيات المجتمع المدنى.. المتخصصة .. أى جمعية المؤلفين والملحنين التى كانت وستظل هى البيت الكبير لأهم صناع الأغنية المصرية والعربية من نهاية القرن التاسع عشر وحتى الآن. وهذه النقطة الأخيرة.. تزيح عن كاهل الدولة عبئا لم تعد تقوم به.. ولا ترغب كذلك فى القيام به.. ولا تملك الكفاءات اللازمة لإدارته على أسس اقتصادية سليمة. ولنا فى تجربة مكتبة الإسكندرية المتميزة أسوة حسنة.. ونستطيع من خلال هذا النموذج «مكتبة الإسكندرية».. ثم نموذج «مدينة الأغاني» أن نكثر من هذه المشاريع الثقافية الكبرى التى تتحول مع الوقت إلى مصدر للإشعاع الثقافى والفنى. وبعد.. فإننى فى الصفحتين التاليتين أضع هذا المشروع أمام المسئولين لاتخاذ خطوات عملية لتنفيذه .. دون أن أدعى له الكمال.. وإننى أرجو أن يدلى الجميع باقتراحاتهم وإضافاتهم، وعلى الأخص زملائى فى جمعية المؤلفين والملحنين.. وكذلك عموم الفنانين فى جميع أنحاء مصر.. •