كأنى ركبت عجلة الزمن وعدت بها إلى حرب 73 هذه العََجلة العجيبة شاهدتها فى أفلام الخيال العلمى الروائى، يركبها الفرد ويختار من أزرارها عاما يعود به إلى الماضى عدت إلى ماضٍ شديد الخطورة، شديد تحقيق أمل وحلم.. عشت لحظة بلحظة فى تلك الأيام من حرب أكتوبر 73 مع أقوال أبطال من تلك الحرب وذكرياتهم، فى فيلم تسجيلى تليفزيونى رائع، مع كبار رجال القوات المسلحة الذين سجلوها قبل وفاتهم والذين مازالوا على قيد الحياة.. وتحليل رائع لهزيمة الجيش الإسرائيلى الذين مازالوا يقولون إنهم انتصروا فى كل حروبهم !! وتذكرت كلمات رئيسة وزراء إسرائيل التى سجلها التاريخ (فعلها السادات).. ثم ضغطت على عام من أواخر السبعينيات وأخذتنى عجلة الزمن إلى مدينة صغيرة فى جنوبفرنسا على الحدود مع سويسراالجنوبية. • الكولونيل الفرنسى بعد رحلة عمل مجهدة فى باريس الصاخبة قالت لى صديقة فرنسية أن أسترد أنفاسى فى الجنوب عدة ايام قبل عودتى لبلدى، واتصلت بصديقتها فى هذه المدينة لتستضيفنى.. بعد عدة أيام من وجودى فى هذه المدينة الهادئة أيقظتنى صاحبة البيت مبكرا وهى تقول اليوم سنحتفل بانتهاء الحرب.. وأنا بين النوم واليقظة تساءلت أى حرب هذه التى سنحتفل بانتهائها؟! تنبهت أن هذا آخر يوم أقضيه فى هذه المدينة وقبل الغروب سآخذ قطارا إلى مدينة (ليون) حيث يوجد مطار تقلع منه طائرة فى المساء إلى بلدى.. وأن فرنسا كلها اليوم تحتفل كعادتها كل عام بانتهاء الحرب العالمية الثانية !.. قلت لصاحبة البيت ونحن نشرب الشاي: إنها قالت لى إننا سنحتفل اليوم بانتهاء الحرب كما لو كانت الحرب انتهت بالأمس.. قالت إنهم يشعرون بالفرح فى هذا اليوم بالرغم من مرور سنوات كثيرة على تلك الحرب البغيضة، ثم قالت إن الكولونيل اتصل قبل أن توقظنى وطلب أن أذهب إليه فى المقهى بعد المسيرة الاحتفالية.. أعربت عن إعجابى بالكولونيل المتقاعد وحكاياته المسلية.. فقالت إن حكاياته جديدة بالنسبة لى.. أما هم.. أهل المدينة فزهقوا منها.. بعد أن سرت قليلا فى المسيرة على أنغام فرقة موسيقية عسكرية ذهبت إلى المقهى الذى يجلس فيه الكولونيل المتقاعد وقد كنت تعرفت عليه منذ يومين.. استقبلنى بحرارة وسألته لماذا لم يشترك فى المسيرة ؟! قال: (لا أحب السير مع هؤلاء الضباط الكبار الذين يتناقص عددهم كل عام بالموت.. وسيأتى يوم تكون مثل هذه الاستعراضات خالية من هؤلاء الذين يسمونهم أبطالا.. لأنه لا يوجد أبطال فى الحرب بل رجال يؤدون عملهم بإتقان وإخلاص. ولا أحب هذه الاستعراضات ابتسمت فقال: (أعرف أنك لست مقتنعة بكلامى مثل كل النساء فأنتن تحببن البطولة وتتوهمن الأبطال فى الحرب.. والسلم والحب، زوجتى تعارضنى لأنها مجنونة بالخيال والبطولة والقطط.. وإذا كان يوجد بطل الآن فهو أنا الذى احتمل قططها. سألته لماذا طلب مقابلتى. نظر إلى باب المقهى حيث دخلت امرأتان فى تلك اللحظة وأشار لهما.. وقال: (زوجتى المجنونة بالقطط ومعها امرأة أكثر خبلا ليس بالقطط بل ببلدك مصر..) صافحتنى زوجته بترحيب أما المرأة الأخرى فقد احتضنتنى وقبلتنى كأنها تعرفنى وكنت غائبة عنها من زمن.. قال الكولونيل أمام دهشتى.. (يا عزيزتى فى هذه المدن الصغيرة أى وجه جديد يلفت نظرنا ويثير فضولنا ولما علمت هذه المرأة المخبولة بحب بلدك أننا تجاذبنا الحديث فى اليوم السابق طلبت منى مقابلتك).. • أجمل قصة حب قالت المرأة إن فرنسا كلها تحتفل اليوم بذكرى انتهاء الحرب وأنها تحتفل بذكرى أجمل قصة حب فى حياتها مع شاب مصرى.. قال لها الكولونيل أن تحكى لى قصة حبها التى سمعوها منها كثيرا، لكنه لا يمل من سماعها لأنها تستمتع وهى تحكيها وهو يستمتع برؤيتها كأنها فى العشرين من عمرها.. وبدأت المرأة تحكى أنها كانت فى أول عمرها الشاب وكذلك كان المصرى، وفى يوم مثل هذا اليوم الاحتفالى بعد مرور عدة سنوات على انتهاء الحرب العالمية الثانية التقت به فى باريس، وكان يدرس القانون فى الجامعة المشهورة، وقد كان أول حب فى حياتها.. وعاشت أجمل خمس سنوات فى حياتها، وكان لابد أن يعود لبلده، واستمر تواصلهما بالخطابات عامين إلى أن دعاها لزيارة بلده.. طاف بها شمالا وجنوبا فى بلاد مصر.. عشقت مصر.. لمحت نظرة حزينة فى عينيها وهى تقول إن شباب ذلك العصر كان يخضع لإرادة والده خصوصا إذا كان ثريا.. فقد اعترض تماما على زواجها من حبيبها لأن فى تلك العائلات الثرية لابد أن يتزوج الشاب من قريبة له بسبب الإرث.. وهكذا.. ولم تقبل ما عرض عليها حبيبها.. أنه يمكنه أن يتزوجها هى أيضا بجانب الزوجة المصرية. رفضت أى حل عرضه عليها.. فهى إذا قبلت بذلك الوضع وتعيش معه فى بلده.. أو.. فى بلدها ويزورها من وقت لآخر.. أو.. تزوره.. ستفقد أجمل قصة حب فكيف تتحمل مشاركة أخرى فى حبيبها؟!.. قالت له أفكارها وودعته لتبقى قصة حبهما ذكرى جميلة فى حياتهما.. ثم قالت إنها زارت مصر مع زوجها الفرنسى فى الستينيات لكنها لم تسع للسؤال عن حبيبها المصرى.. خافت أن تصدم بلقائه وطريقة استقباله لها.. وتنهار الصورة القديمة الجميلة.. أو.. تفرح بلقائه ويجددان ذلك الحب وتواجه مشكلة مع زوجها وابنيها.. قررت أن تحتفظ بذكرى قصة الحب كما هى. قال الكولونيل.. إنها تحتفل كل عام بذكرى بداية ذلك الحب، وليس بذكرى نهاية تلك الحرب!!.. ولابد أن حبيبها المصرى قد نسى كل شيء فى تلك الفترة من حياته فتحتفل بالذكرى وحدها.. النساء عاطفيات مخبولات.. قالت المرأة إن زوجها يحتفل معها بتلك الذكرى أحيانا.. وذلك الحب بالنسبة له مجرد صورة قديمة على جدار بيت قديم.. قال الكولونيل.. لنحتفل بالسلم والحب والخبل العالمى.. وطلب لنا قهوة فرنسية وحلوى.. سألتنى المراة أن أغنى لها أغنية شعبية مصرية كانت تغنيها مع حبيبها وبدأت تغنيها بكلمات عربية مكسرة ونغمة نشاز.. فغنيتها لها.. يا عزيز عينى.. أنا بدّى أروّح بلدى.. بلدى.. يا بلدى.. أنا بدّى أروّح بلدى.. لمعت عيناها ببريق أشواق قديمة وقبلتنى.. قلت إننى من زمن لم أسمع عن قصة حب تبقى هكذا صاحية مع مرور الزمن.. قال الكولونيل.. لأنهما لم يتزوجا.. رمقته زوجته بنظرة غاضبة وابتسمت صاحبة قصة الحب.. وودعتهم لأجهز حقيبة ملابسى وألحق بقطار قبل الغروب إلى مطار مدينة (ليون).. وظلت كلمات الأغنية فى رأسى. •