من المؤكد أننى صرحت بمعظم ما حدث فى عمرى من : حب، وفاء، مرض، خيانة، صداقة، ألم، سعادة، رحلات إلى معظم بلاد الدنيا .. والآن أستطيع أن أقول أن الحياة رحلة رائعة رغم كل ما فيها من آلام .. كانت تلك الكلمات تلخص مشوار حياة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ فى مذكراته التى كتبها بخط يده قبل وفاته وصدرت فى كتاب نادر بعنوان "حياتى" عن دار الهلال .. يبدو العندليب متألما فى أوصافه وكلماته ثم يفتح صندوق ذكرياته الخاصة ليصارح جمهوره باعترافات من هى صاحبة العيون الزرقاء التى أحبها طيلة حياته ولماذا لم يتزوج وما حقيقة علاقته بالفنانة سعاد حسنى وكيف وصف الثورة ولماذا أذاعت البى بى سى نبأ وفاته وقت العدوان الثلاثى .. تعالوا نعرف كيف كتب العندليب خلاصة مشوراه خاصة ونحن نحتفل هذه الأيام بذكرى وفاته.. كان العندليب الأسمر صاحب فلسفة خاصة فى الحياة حيث فتح صندوق ذكرياته بعبارة مؤثرة قائلا "لا أريد لأحد أن يتألم .. لأننى تألمت فى طفولتى وعندما فهمت الحياة والموت لم أعد أكره أحدا .. إننى أبحث دائما عن الظروف التى تجعل الإنسان يشعر بالتعاسة ولهذا فأنا أحب أن أقدم بسمة أمل لكل الناس".. صاحبة العيون الزرقاء وبعد تفاصيل معروفة للجميع حول بداية مشواره الفنى والسينمائى ينتقل العندليب فجأة ليحكى عن قصة الحب الحقيقى وربما الوحيد فى حياته تلك القصة التى استمرت معه 10 سنوات كاملة " لأنى أصبحت أكره المرض تماما اسمحو لى أن أنتقل الآن فوق سنوات العمر لأحكى عن الحب، عن ذات العيون الزرقاء، التى اكتشفت من خلال حبى لها أن للحياة معنى وأن الشمس من حقها أن تشرق كل صباح وأن الغروب من حقه أن يأتى وأن الإنسان من حقه أن يتنفس .. كانت جميلة للغاية وأشتاق إليها لآن كثيرا" .. ورفض العندليب التصريح باسمها أو بأوصافها فلم تكن معروفة إلا للمقربين من أصدقاءه ولهذا يعترف "لم أكن أحب واحدة من النساء مثلما أحببتها وليكن اسمها ليلى وليلى ليس اسمها لأن الاسم يجب أن يظل سرا اسمها من حقها وحقها عندى الآن هو الذكرى وهى ليست معى ، لا أعرف كيف تتحول الضحكة واللمسة والأمل والحلم إلى ذكرى .. المسألة غير المفهومة ، الميلاد والموت، ندخل الدنيا بلا اختيار، نمشى منها بلا اختيار، وبين الحياة والموت نحاول أن نختار ننجح نفشل لكن فرحة الميلاد يقابلها حزن الموت" . حكايتها بدأت معه عام 1958 وانتهت فى عام 1968 وبين التاريخين قصة حب من أعظم قصص الحب التى تحيا مع الإنسان فحسب وصفه يروى قائلا "إننى ما رأيت فى حياتى عيونا فى مثل جمال عينيها .. عيونها زرقاء لا أدرى بنفسجية لا أدرى عيونها رمادية لا أدرى لكنى كنت أعرف أن عيونها ملونة بالبهجة والأسى فى آن واحد وأننى كلما نظرت فى عينيها ازددت عطشا فأعيد النظر مرة أخرى فلا أقوى وأحاول أن أركز عيونى فى عيونها أكثر وأحاول أن أحتضنها بعيونى أكثر فلا أعرف دائما تقترب وتبتعد ولا أعرف لها بداية أو نهاية.. التقاها أول مرة فى محل هارولدز فى لندن صدفة ثم رآها مرة أخرى فى بلاج ميامى بالإسكندرية وبدأت قصة الحب ثم بدأت رحلة المعاناة فى آن واحد عندما علم أنها متزوجة و" منفصلة دون طلاق" فكانت الصدمة لهذا كانت المسألة معقدة لأن الزوج رجل أعمال يعيش معظم الوقت فى الخارج وبدأت مفاوضات الطلاق تتم .. وكان عندها طفلان صغيران وبدأ اللقاء الذى يرسمه عبد الحليم بقوله: - قالت لى أنها تشعر بالسعادة بجانبى ولم تكن تعرف أننى أطير فوق السعادة وأننى أغنى لها وأننى وجدت من أراها تحت جفونى وأنا أغنى فقالت لى : - إنت عارف إنى دايما كنت أحب أعرف أخبارك وأقلق عليك قبل ما أعرفك .. أنا عارفة إن عمرى قصير حاسة كده.. - فرد قائلا : أنا باكره الكلمة دى جدا .. ومش عارف أعيش إزاى من غيرك - فردت : أحيانا أقعد أفكر وأقول أختار إيه أطلبه من السماء أقوم أقول لنفسى لازم أحبك أكتر من كده.. ويذكر حليم أنه اشترى شقة جديدة وأنها اختارت معه أثاث هذه الشقة من ألوان الستائر والسجاد واللوحات وحجرة الموسيقى والمكتب وكان ذوقها بسيط وائع كعينيها ولكنه رغم ذلك وقع فى تناقض محزن لأن ولديها كان أكبرها سنه 10 سنوات وكان الزوج فى حالة الطلاق سيطلب أن يضمهما لحضانته ولهذا كان العندليب ممزقا وكان الزوج قاسيا كان يوافق على الطلاق بشرط أن يضم الطفلين لحضانته.. وبسبب الحزن والصدمة دخل العندليب فى حالة إعياء شديدة " كانت معدتى قد تعودت أن تحتج على قلقى . وتجمدت الدموع فى عيونى وكنت أغنى وقتها أغنية لها : بتلومونى ليه لو شفتم عنيه حلوين قد إيه لو شفتم عنيه هاتقولوا إنشغالى وسهد الليالى مش كتير عليه .. وثار العندليب وقرر أن يذبح حبه واتفقا أن تعود إلى زوجها " كنت أريد أن يكف القدر عن اللعب بى إننى لست كارت فى كوتشينة يرمينى القدر دائما خاسرا .. لا أريد هذا الدور ... لكنها نالت حريتها بالطلاق .. حيث يواصل العندليب حكايته " بدأنا نعيد تأثيث البيت بدأنا نستعد لمواجهة الفرحة للحياة مع السعادة إلى الأبد . لكن ما حدث كان صدمة نزلت ليلى إلى السوق لتشترى بعض الأشياء فوجئت بأنها لا ترى ساقاها غير قادرتين على حملها، ووقعت على الأرض، وقفت مذهولا أمام مرضها لا أصدق، قال الأطباء أن فيروسا خطيرا تسلل إلى المخ، عاد النزيف، وعادت الرغبة فى تحدى كل الظروف حتى يعيش الحب.. فى هذه الأثناء طلب منها العندليب الزواج رسميا فقالت له، وكانت شائعة سعاد حسنى قد انتشرت: سعاد بنت أمورة جدا ممكن تسعدك لو .. فقاطعها حليم غاضبا: لا توجد إمراة قادرة على إسعادى وسعاد صديقتى .. صداقة بس. وغنى لها العندليب أجمل وأشد أغانيه حزنا " خلال مرضها رحلة غريبة وعجيبة أذكر أنى غنيت لها فى يوم فى شهر فى سنة تهدى الجراح وتنام وعمر جرحى أنا أكبر من الأيام وغنيت أيضا لو كان بإيدى كنت أفضل جنبك وأجيب لعمرى ألف عمر وأحبك".. شائعة حب . كانت شائعة ارتباطه بسعاد حسنى قد ملأت صفحات الجرائد والمجلات لوكن فى تلك الأثناء كان العندليب غارقا فى حب ليلى حزينا على مرضها المفاجىء .. حيث يحكى قائلا "كان أحدا لا يعرف أنى أحب .. كنت فى سنة 1964 اختت سعاد لتعمل معى فى فيلم البنات والصيف وكانت معى فى رحلته بالمغرب كل شىء حولنا يقول أننا أصدقاء وكان كل شىء بعيد عنا يقول أنها قصة حب خطيرة .. قالوا أننى تزوجتها فى إسبانيا قالوا أننى أحببتها وأنكر حبها .. والحقيقة أن ما بيننا كان صداقة .. وملأت الدنيا شائعات الزواج وكيف أتزوج واحدة غير حبيبتى .. اختيار زوجة للفنان مسألة لا تترك للتخمينات والإشاعات". ويعود عبد الحليم للحديث عن سعاد حسنى دفاعا عن حبه ل "ليلى" ويقول: سعاد أمامها المستقبل وأنا قلبى مجروح ب ليلى التى تفارقنى بلا سبب، لم أكن أستطيع أن أصدر قرارا لقلبى بأن أحول صداقتى لسعاد لقصة حب وبدأت سعاد تستقل بنفسها وكنت سعيدا بذلك ومكثت ثمانية أعوام دون أن أراها". فى هذه الأثناء اشتد المرض بحبيبته فسافرت من باريس إلى أمريكا واستمر المرض الغريب يفترسها كانت تطارده كلماتها " أنا هاموت صغيرة .. كثيرا من سألت السماء هذا السؤال : هل من العدل أن تموت حبيبتى دون أن نحقق حلمنا". وماتت حبيبته فجأة فى صيف عام 1968 لتتركه وحيدا كما كان لكنه عاش على ذكراها طويلا. ومن أجلها لم يتزوج " يسألوننى كثير لماذا لا تتزوج.. لا أحد يعلم أن الزواج ليس مسألة حسابية إنه يحتاج إلى الإحساس بأن الحياة لا يمكن أن تستمر دون هذه المرأة" . .. .. زهور كاكية اللون! ينتقل العندليب فى مذكراته إلى ثورة أصداء ثورة يوليو واصفا بقمه ما عاصره من أحداثها " فى صباح 23 يوليو 1952 تحركت زهور كاكية اللون تحمل لمصر الأمل، كان صوت النور يصل إلينا من الإذاعة ، الحرية جاءت، صوت أنور السادات يحمل طيبة شعب .. كان لابد أن أغنى للشمس الجديدة كنت أحس أننى على ميعاد معها وأن صوتى هو ابنها ..كان لقاؤه بمجلس قيادة الثورة فى نوفمبر 1952 عندما التقى عبد الناصر أول مرة ووصفه قائلا "أحسست أن يد عبد الناصر وهو يصافحنى بأننى أمام شخصية جذابة جدا فيها سحر الإشعاع، إنه يحيطك بعينيه فلا تستطيع أن تنظر إلى عيونه وأنه ككل الضباط الأحرار بسيط خفيف الدم يعرف جيدا ما يقول يعرف جيدا ما يفعل" .. ودفع العندليب ثمن غناءه للثورة وعبد الناصر فبعد تأميم القناة عام 1956 كان لابد أن يسافر إلى لندن لإجراء جراحة استئصال جزء من المعدة والأمعاء وكانت حكومة أيدن جعلت الشعب يتوهم أن تأميم القناة معناه قطع شريان القلب البريطانى و رفضت السفارة البريطانية فى سويسرا منحه تأشيرة دخول إلى لندن عندما سألته موظفة السفارة وقالت له أنت تغنى لعبد الناصر والثورة يؤسفنى أن أقول لك أنك لن تدخل إنجلترا وفى مساء ذلك اليوم أذاعت هيئة الإذاعة البريطانية خبر موته ولكن طبيبه الدكتور تانر تدخل وثار مما دفع السفارة للاستجابة ودخل حليم لندن للعلاج .. وتدور المذكرات لتروى قصة العندليب باعترافاته الشخصية بعيدا عن مئات المقالات والمؤلفات التى راحت تحكى من وحى خيال أصحابها.