قالوا: اجلس مشدود الظهر. أغمض عينيك. خذ نفسا عميقا. اغلق شفتيك. عد.. من واحد لعشرة. اخرج الهواء من رئتيك ببطء.. ابق مغمض العينين.. تذكر يوما جميلا فى حياتك. استرجع الزمن. المكان والوجوه.. و.. فعلت.. كنت أسير على كوبرى «شارل» العتيق على نهر «الفولتافا» الذى تحيط على جانبه التماثيل لا أدرى على أى جانب الآن يقع الكوبرى بعد تقسيم دولة «تشيكوسلوفاكيا» شاهدت جمال الأشجار على شاطئ النهر وروعة التماثيل على جانبى الكوبرى. متحف جميل. السائحون يسيرون بتمهل. العشاق يتعانقون بحب. تزن فى أذنى أغنية أم كلثوم الجديدة.. «إنت عمرى» وألحان محمد عبدالوهاب. أغنى بصوت مسموع «يا حبيبى تعالى».. و..مقاطع من الأغنية يبتسم لى بعض المارين. كانت العاصمة «براج» مزدحمة بالسائحين وبها هياج غريب.. مظاهرة ضد العرب. ومظاهرة ضد الروس ومظاهرة ضد الحكومة ومظاهرة ضد المظاهرات الثلاث.. هربت إلى هذا المكان الهادئ. أخذتنى روعة الفن وروعة الطبيعة حتى إنى نسيت مكان الفندق الذى نزلت فيه.. فتحت عينى وأنا أبتسم بشىء من البهجة لتلك الذكرى التى استعدتها وأنا مغمضة العينين.
∎ الأيام الجميلة لم تأت بعد
خربشت أفكارى بمعنى أفسدتها، متناقضة عجيبة فى الحياة. فقد قلنا ونحن فى زهوة الشباب إن الأيام الجميلة لم تأت بعد. وكنا ننتظر بشوق أن تأتى.. وأنها وعدتنا أن تأتى. وكنا ننتظر وكانت الحياة حقيقة جميلة فى ذلك الوقت!
كنا نحكى عن أحداث حاضرنا ونأمل لمستقبلنا ونقول. سنفعل. وستفعل وستكون الحياة جميلة فيما بعد.. والحياة حقيقة كانت جميلة!! لم نكن نشعر بالتعب من العمل كان الأمل يزيل التعب.. الأمل الذى سيتحقق فى السنين المقبلة.. هذه التى وصلنا إليها.. حققنا بعض آمالنا. لكن التعب يزيل الأمل إذا استسلمنا له..
لم نفكر أن الحياة ستصبح ثقيلة على أكتافنا ويصبح لنا صديقات وأصدقاء لا نعرف عنهم شيئا.. أو.. أننا سنشتاق إلى لمسات أحبابنا الحنونة وكلماتهم الحلوة، فى زمن كانوا.. وكنا لم نفكر أننا سنتمنى يوما أن نرتدى الملابس المبهرة التى أصبحنا نقدر على شرائها ونختال بها بجوار أحبابنا.. ونذهب إلى تلك الأماكن الساهرة التى كنا أحيانا نذهب إليها بملابسنا البسيطة التى كانت لاتليق بالسهرة!
أصبحنا مرهفى الحس.. أحيانا ينفجر ضغط مشاكلنا الخاصة والعامة بلقائنا مع مَنْ استمروا فى صداقتنا، فنجرح أو نسىء إلى بعضنا البعض.. وفى اليوم التالى للقائنا كل منا يطلب الآخر ويعتذر عن تصرف غير مقصود أو كلمة جارحة، ولأننا نعرف بعضنا من زمن فلا نغضب تماما من انفجار الضغط.. وربما سر حساسيتنا أننا لم ننجز كل الأشياء التى أردنا إنجازها، ولم تنجز لنا الحياة ما وعدتنا به!.. وأحيانا يعترينا شعور بالصدمة، فنتذكر كل الصدمات التى لقيناها من أحبابنا ومن عملنا، وأحيانا يعترينا القلق وتتجسم لنا كل الأشياء التى تهدد أمن نفوسنا وأبداننا، وأحيانا تلفنا الوحدة بردائها الردىء من المخاوف، حتى أحلامنا فى أحيان كثيرة كوابيس ليل.. وأحيانا نتساءل.. هل الأشياء الجميلة لا تأتى سوى مرة واحدة فى العمر؟! فرصة أن تحب وتكون محبوبا. صفقة مال. فرصة سفر. فرصة أن تكون سعيدا.. نعم.. عشنا أياما جميلة ولغرابة الحياة وتناقضها كنا نقول ومازال القول.. بأن الأيام الجميلة لم تأت بعد!!
∎ أغمض عينيك
هكذا قالوا: خذ نفسا عميقا.. شهيقا ببطء. تخيل نفسك سابحا على ظهرك فى بحر حتى وإن كنت لا تجيد العوم. تخيل أنك تنظر إلى سماء زرقاء فوق البحر. تخيل أن المياه تربت عليك بحنان والتوتر الذى يضغط على أعصابك يخرج من جسمك إلى البحر. قُم بعملية الزفير.. اخرج الهواء من رئتيك ببطء تخيل أن مشاكلك ذهبت عنك.. قالوا: بعد هذا التمرين تستطيع أن تفكر أفضل من تفكيرك من قبل.. قالوا: ابحث عن أغنية كنت تحبها فى زمن سابق. لابد أنك مسجلها أغمض عينيك وأنت تسمعها.. و.. فعلت.
«ضع رأسك على كتفى.. واهمس فى أذنى يا حبيبى».. تذكرت ذلك الزمن عندما تفتحت قلوبنا كما تتفتح زهور الشجر فى الربيع.. وغنينا الأغانى العاطفية المصرية والأجنبية واعتبرنا أننا نعيش فى أمان.. كنا نعتبر ذلك وكان حقيقة لم نفهم معنى أننا نعيش فى أمان إلا بعد أن فقدنا الأمان.
قالوا: إذا لم يساعدك تخيلك وأنت مغمض العينين على الخروج من حالة التوتر. الخوف. الزهق. أو.. أو.. قالوا: سنساعدك بطريقة أخرى.
∎ افتح عينيك
قالوا: ضغوط الحياة ومضايقاتها أصبحت كثيرة تشعر الفرد أنه يغرق.. أو.. أنه فى ربكة لا يعرف كيف يخرج منها وأن مشاكله الخاصة لا تساوى شيئا بالنسبة للمشاكل العامة ومضايقاته المحلية لا تساوى شيئا بالنسبة للمضايقات العالمية. مثل هذه الأفكار لا تأتى فقط للمثقفين النكديين الذين يقرأون ويشاهدون ويفكرون ويعلقون على كل شىء! افتح عينيك وفكر فى شىء تستطيع أن تفعله.. اعط نفسك راحة.. ستسأل كيف؟! اختر السرور.. طبعا ستضحك وتسألنا كيف؟! نقول لك من داخل نفسك.. من مشاعرك.
معظم الناس يعتقدون خطأ أن مسراتهم فى الأشياء التى يستمتعون بها.. نعم ممكن لفترة.. مثل شراء السلع.. البيوت، السيارات، ربما تبعا لما يجدونه فى الإعلانات المبهرة التى تلعب بالعقول.. مثل ستشعر بسعادة إذا استخدمت هذه السلعة.. إذا اشتريت شقة فى المنطقة الفلانية الجديدة.. بعض الناس يمتلكون الكثير من هذه المقتنيات التى تجلب لهم السرور، وكما قلنا ربما لفترة تجلب لهم هذا السرور ثم يختفى.. لأنهم لايتعاملون مع مشاعرهم فلايعرفون ما يبعث على سرورهم حقيقة.
قالوا، افتح عينيك.. الشعور بالبهجة والسرور شىء طبيعى وغريزى وصحى وضرورى.. ونادرا ما يحدث صدفة.. لتعمل على وجوده فهو يستحق عنايتنا على الأقل نعرف ما يبعث عليه فى نفوسنا ونجد الوقت له.. أشياء بسيطة يمكن أن تجلب السرور لصاحبها، معظم هذه الأشياء تكون فى المعانى فى التصرفات والمشاعر الداخلية.. اختر سرورك الداخلى أن يكون خيرا من الخير.. لأن بعض الناس مسراتهم الداخلية شريرة.. من الشر!!