هل يدرك المسئولون فى مصر أن «المياه» الآن هى من القضايا المصيرية والحساسة جدا مثل: «الأمن القومى، الأسلحة، الأسرار العسكرية وغيرها»، خاصة أن المياه تستخدم «كسلاح» منذ قديم الأزل؟! هل المسئولون فى مصر على وعى تام بالقيمة السياسية للمياه وتأثيرها على استقرار البلاد، واحتمال اشتعال الحروب والمعارك بسببها؟!.. هل قرأوا دراسة منظمة الصحة العالمية التى تؤكد فيها أن «الماء العذب» هو أندر الموارد على الإطلاق فى الطبيعة؟! هل يعلمون أنه بدون الماء لايتم أى تقدم سواء كان زراعيا أو صناعيا أو اجتماعيا؟! هل.. وهل وهل... وهل.... ولا حول ولا قوة إلا بالله. يقول الحق سبحانه وتعالى: «وجعلنا من الماء كل شىء حى» فكل ما هو حى على كوكب الأرض فيه جزء من الماء، وهو ما تؤكده الآية الكريمة بأن الماء هو الحياة وأنه لا حياة بدون ماء، وإذا كانت منظمة الصحة العالمية أكدت أن «الماء العذب» هو أندر المواد فى الطبيعة فهو تحصيل حاصل، لأن «الماء» كمعجزة إلهية سبق ذلك بكثير جدا ومنذ بدء الخليقة، وبالطبع لا أحد ينكر أن أكثر ما يخشاه الإنسان اليوم هو مشكلة «الماء العذب» فهى ترعبه وتخيفه، خاصة إذا علمنا أنه لا ينتفع به نحو «09٪» من سكان الأرض، فهناك الملايين والملايين من الأنفس تتطلع إلى كوب ماء عذب، والذى يكتسب هذه الأهمية الخاصة لأنه أساس الحياة.
يحدثنا التاريخ بأن الحضارات لم تنشأ إلا على ضفاف الأنهار مثل حضارة وادى النيل، بلاد الرافدين، الهند والصين، وحضارة سبأ، ولم يكن انهيار هذه الحضارات إلا بسبب المياه والزراعة، لأنه لا زراعة بغير ماء، وأن هناك علاقة حياة بين النهر والإنسان، فعلى شاطئيه نشأت حضارات البشرية الأولى، فمثلا على ضفاف نهر النيل نشأت الحضارة المصرية القديمة من زراعة للأرض وبناء للمصانع، وتطورت الكتابة وظهر ورق البردى وعلوم الرياضيات والفلك وقياس الزمن، ومن طمى نهر النيل صنع المصريون القدماء الطوب وبنوا بيوتهم، فالنهر هو وريد الحياة وشريانها بالنسبة للإنسانية لأنه هو الذى يوفر الغذاء والماء للشرب وللرى وللزراعة، ولهذا ليس غريبا أن تكون أعظم مدن العالم من القاهرة والخرطوم ولندن وباريس ونيويورك، وموسكو وبيونس أيرس كلها تقع على ضفاف الأنهار.
∎ الماء.. هو الحياة
يؤكد لنا العالم القدير «د.محمد فتحى عوض الله» فى دراسته العلمية الرائعة عن أهمية الماء للحياة والتى نشرها فى كتاب «الماء»، أنه إذا كانت المياه هى أساس الحياة فإنها ضرورية جدا للتنمية، ويكفى أنه لإنتاج لتر واحد من البترول يلزم «10 لترات» من الماء، ولإنتاج علبة خضر محفوظة يلزم «40 لترا» من الماء، ولإنتاج كيلوجرام واحد من الورق يلزم «100 لتر» من الماء، ولإنتاج كيلوجرام واحد من النسيج الصوفى يلزم «600 لتر» من الماء، ولإنتاج طن واحد من الأسمنت يلزم «3500 لتر» من الماء، ولإنتاج طن واحد من الصلب يلزم «20 ألف لتر» من الماء، وهكذا لا يمكن تصور الحياة والتنمية بدون الماء، ومعروف أن جسم الإنسان البالغ يحتوى من «58 - 66٪» من وزنه ماء، واحتياجاته الفسيولوجية فى منطقة معتدلة الحرارة هى «53 جراما من الماء» لكل «كيلوجرام واحد من وزنه»، أى حوالى «3 لترات يوميا»، فى حين أنها فى مكان شديد الحرارة كالصحارى مثلا تبلغ «51 لترا يوميا»، وهذه هى الاحتياجات الفسيولوجية فقط، غير الاحتياجات اليومية الأخرى كالطهى والغذاء والاغتسال وخلافه، والإنسان يموت من الجوع خلال «3 أسابيع»، بينما يموت من العطش خلال «3 أيام فقط»، كما أن الماء هو ثانى ضروريات الحياة بعد الهواء، وهو الذى يمنح السيولة «للدم» الذى هو شريان الحياة، وهو المكون الأساسى لمادة «البروتو بلازم» المسئولة عن العمليات الحيوية بخلايا الجسم، والماء ضرورى جدا لرى المزروعات، وللغذاء، ولصحة الإنسان، ولا سبيل لتكوين التربة الزراعية التى يستغلها الإنسان لزراعة غذائه ومحاصيله ونباتاته إلا عن طريق الماء.. وغير ذلك الكثير مما يؤكد أنه لا حياة بدون الماء.
∎ المياه..مشكلة البشرية فى القرن القادم
يحذر «د.محمود أبوزيد» الخبير الدولى فى بحوث المياه فى دراسته العلمية المهمة بعنوان «المياه.. مصدر للتوتر فى القرن 21»، من خطورة نقص المياه على حياة البشر، حيث تقدر كميات المياه العذبة بنحو «3٪» من جملة مياه العالم، منها «77.6» موجودة على هيئة جليد فى القطبين، و«12.8٪» فى المياه الجوفية، والباقى وقدره 0.6٪ يغطى نشاط سكان الكرة الأرضية البالغ عددهم أكثر من 6 مليارات نسمة من رى وزراعة وصناعة وشرب وغير ذلك، ويكتسب الماء العذب أهمية خاصة فى جميع دول العالم لأنه أساس الحياة، فهو مورد حيوى يرتكز عليه إنتاج الغذاء، ويشكل أهم عناصر البيئة، كما يلعب دورا رئيسيا فى التنمية الصناعية والاقتصادية بمختلف جوانبها.
أشارت لجنة هيئة الأممالمتحدة لتقييم «الموارد المائية العذبة» على مستوى العالم خلال العقد الحالى والقرن الواحد والعشرين، إلى انخفاض ملحوظ فى نصيب الفرد من المياه من حوالى «12900م3 فى السنة عام 1970 إلى 7600م3 فى السنة عام 1996»، أى أن نصيب الفرد قد تناقص بمعدلات خطيرة وصلت إلى 40٪ خلال 25 سنة، كما انخفض نصيب الفرد من المياه فى المنطقة العربية إلى استنزاف الخزانات المائية الجوفية بها، لكل هذا تعتبر مشكلة المياه فى منطقة الشرق الأوسط موضوعا خطيرا، لأن 80٪ من مساحتها تشكل مناطق جافة وقاحلة، وهى من أكثر المناطق اضطرابا فى العالم، لذلك تعتبر المياه من الأمور الحيوية، وإن 40٪ من سكان العالم أى ما يزيد على 2مليار نسمة يعانون من ظروف معيشية لا تتوافر فيها أبسط قواعد الصحة العامة بسبب نقص المياه والتلوث.
∎ ندرة المياه.. تعنى الموت
لقد زادت الاستخدامات المائية على مستوى العالم خلال القرن العشرين بمقدار «أربعة أمثال» ما كانت عليه من قبل، ومن المتوقع أن يقل نصيب الفرد فى الأجيال القادمة من المياه العذبة المتجددة على مستوى العالم ليصل إلى «ثلث» ما هو عليه الآن، فمع تضخم مشكلة الزيادة السكانية وقلة الموارد الغذائية، وهى مشكلات تؤرق العالم كله غنيه وفقيره، فقد تعددت استخدامات الماء فى التكنولوجيا الحديثة وذلك بتحويل مياه البحر إلى مياه عذبة، وأيضا استخدام الماء فى «الطاقة» وهو ما يؤكده الباحث «لاريرى» والذى كان يشغل مدير المركز القومى لاستغلال المحيطات فى أمريكا بقوله: «البحار والمحيطات هى المخزون المستقبلى للطاقة بعد نفاد مصادر الطاقة التقليدية الحالية، ولهذا يستخدم الماء فى مجال «توليد الطاقة» بالتكنولوجيات الحديثة بعد ما أثبته العلم من وجود طاقة كامنة وهائلة فى البحار والمحيطات، كاستخدام الكهرباء من «المد والجزر»، والبحث عن الكهرباء والطاقة الكامنة فى «أمواج البحر» واستخراج الطاقة من اختلاف درجات الحرارة فى المحيطات، ومن غاز الهيدروجين الذى يتوافر بكثرة فى الماء.. وغير ذلك الكثير».
فى دراسة على جانب كبير من الأهمية نشرتها مجلة «ساينس جورنال» العلمية الأمريكية، أكد العلماء أن استهلاك البشر من المياه العذبة فى القرن القادم سيصل إلى أقصى حدود الموارد المتاحة منها حاليا، وأن سكان الأرض يستهلكون فى الوقت الحاضر «54٪» من مصادر المياه العذبة المتجددة فى أغراض الزراعة والصناعة والرى وغيرها، ونتيجة للزيادة الكبيرة فى عدد السكان ستصل احتياجاتهم من المياه العذبة إلى 70٪ من جملة الموارد المتاحة بحلول عام 2025، وهو ما يؤكد حدوث فجوة كبيرة بين المتاح من الماء العذب وبين الطلب عليها، ويكفى أن نعرف أنه زاد استهلاك الفرد من المياه العذبة فى الفترة من عام 1950 إلى 1990 فقط بنسبة 50٪، وقد حذرت الدراسة من أن الموارد المائية وخاصة المياه العذبة ستصبح مشكلة البشرية فى القرن القادم وأبكر مما يتصورها العلماء والخبراء.. بعد كل هذا بالله عليكم ماذا نحن فى مصر فاعلون؟!