استقرار أسعار الدولار اليوم السبت    اليوم .. جهاز المنتخب يتابع مباريات الدوري    بورصة الذهب تنهي تعاملاتها الأسبوعية بخسائر تتجاوز 50 دولارًا | تقرير    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. السبت 27 أبريل    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف إسرائيلي على النصيرات وسط غزة    بعد ساعات من تغريدة العالم الهولندي.. سلسلة زلازل قوية تضرب تايوان    عضو بالكونجرس الأمريكي يشارك طلاب جامعة تكساس المظاهرت ضد الحرب في غزة (فيديو)    إسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت ومركبات مدرعة ودبابات "ليوبارد" إلى كييف    انخفاض أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل    اليوم، الاجتماع الفني لمباراة الزمالك ودريمز الغاني    حالة الطرق اليوم، تعرف على الحركة المرورية بشوارع القاهرة والجيزة    بعد قليل، بدء محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف عمرو أديب    بعد قليل.. الحكم في اتهام مرتضى منصور بسب عمرو أديب    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    اليوم.. الجنايات تنظر محاكمة متهمي "خليه المرج"    دينا فؤاد: أنا مش تحت أمر المخرج.. ومش هقدر أعمل أكتر مما يخدم الدراما بدون فجاجة    ميار الببلاوي تبكي متأثرة من هجوم أزهري عليها: خاض في عرضي    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    الرئيس العراقي يدين الهجوم على حقل كورمور للغاز ويدعو إلى اتخاذ إجراءات وقائية    تايوان: 12 طائرة حربية صينية عبرت مضيق الجزيرة    فنانة مصرية تفوز بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان بريكس السينمائي في روسيا    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    4 أيام متواصلة.. تعرف على عطلة شم النسيم وعيد العمال والإجازات الرسمية حتى نهاية 2024    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    تحذير دولي من خطورة الإصابة بالملاريا.. بلغت أعلى مستوياتها    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    «حماس» تتلقى ردا رسميا إسرائيليا حول مقترح الحركة لوقف النار بغزة    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    د. هشام عبدالحكم يكتب: جامعة وصحة ومحليات    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    محمد هلب: السيارات الكهربائية بمثابة مشروع قومى لمصر    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    حدث بالفن|شريهان تعتذر لبدرية طلبة وفنان يتخلى عن تشجيع النادي الأهلي لهذا السبب    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    2.4 مليار دولار.. صندوق النقد الدولي: شرائح قرض مصر في هذه المواعيد    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    تحرير 17 ألف مخالفة مرورية متنوعة على الطرق السريعة خلال 24 ساعة    وسام أبو علي يدخل تاريخ الأهلي الأفريقي في ليلة التأهل للنهائي    أرقام مميزة للأهلي بعد تأهله لنهائي دوري أبطال أفريقيا    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعترافات فتاة: تمردت على جيل المحجبات!

لم أعد أتمالك نفسى من الضحك كلما صادفتنى تلك المواقف التى تتكرر كثيرا معى منذ سنوات ليست بالقليلة، وكان بعضها يؤلمنى أحيانا، وبعضها الآخر يدهشنى، وبعضها الثالث يدفعنى إلى التأمل فيما يحدث فى مجتمعنا.

أستاذ الجامعة الذى انقلبت معاملته لى رأسا على عقب بعدما رأى والدتى «المحجبة»، وزميلاتى فى الدراسات العليا اللاتى لم ينقطع حثهن لى لارتداء الحجاب، فى نفس الوقت الذى لم يمللن فيه من سؤالى عن نوع الشامبو الذى أستخدمه، والكوافير الذى يقص لى شعرى.
تتداعى نفس المشاهد على ذاكرتى كلما ركبت عربة السيدات فى مترو الأنفاق، ويوزع طفل صغير أدعية وآيات قرآنية على الراكبات، ليأخذنها ويعطينه ما يجدن به، فينظر لى نظرة خاطفة، وتتراجع حركة يده فجأة عن أن يوزع إحدى الورقات على، باعتبار أنى أكيد مش مسلمة، لأنى مش محجبة، ولا أملك إلا أن أبتسم.

وأعود لبيتى وأنا أضحك عندما تصعد بعد الطفل الصغير سيدة فى الخمسينيات، تنظر بنفس النظرة الخاطفة، لتتجاوز الجالسات حولى، وتخصنى بورقة شبيهة، لكنها لأدعية يسوع، أضعها فى حقيبتى فى صمت.

مواقف كثيرة ساخرة ومضحكة.. مازالت تتكرر.. لكننى أتوقف عند تفاصيل بعضها فى السطور التالية.

سنوات طويلة كنت أعتقد فيها أن ارتداء الحجاب من عدمه، هو اختيارى، الذى لا يحق لأحد أن يتدخل فيه، لكن نفس السؤال كان يتكرر فى كل مرة، من نساء ومن رجال.. لا فرق.

إيه ده ؟.. هو أنت مسلمة؟.. طيب ليه مش محجبة؟

ياه.. كم كان يستغرق الرد عن هذا السؤال إجابة طويلة منى، وجدلا أكبر من السائلين المتطفلين، لسنوات طويلة منذ دخلت الجامعة فى التسعينيات، وانتقالى بعدها للبحث عن عمل، أو أخذ كورسات فى اللغات وغيرها.

لكن التجارب علمتنى فى النهاية ألا أنجر وراء الإجابة المطولة، أو التى تدخل فى تفاصيل الفقه الإسلامى، وأصبحت أرد دائما بإجابة اكتشفت أنها قادرة على إغلاق الحوار من دون تعب «ربنا يهدينى» وأن أتبعها فورا بفتح موضوع آخر مع المتطفلين.

∎ أنا من رقصت على السلالم

رشفت رشفة من فنجان القهوة، والتفتت إلىّ بعيون متسعة، كمن اكتشف نظرية علمية للتو، قائلة: منى.. أنت عاملة زى اللى رقصت على السلم.. لا منك اتحجبتى ولا منك متحررة لابسة قصير.. أنا مش عارفه إزاى هتتجوزى، والعرسان هيفهموكى إزاى!

ياه.. صديقة العمر التى حصلت على الماجستير وتدرس الدكتوراه، ترى أن مظهرى، لا يمكن أن يسمح لأحد أن يفهمنى؟ وهل أنا منفصلة عن مجتمعى إلى هذا الحد؟

لتكمل صديقتى نظريتها العلمية: «يا بنتى الرجالة نوعين، نوع بيحب الست المحتشمة، ونوع تانى بيحب الموزة اللونة، وأنت لا كده.. ولا كده».

- طيب مافيش نوع ثالث ياخدنى زى ما أنا كده؟

قلتها كمن يبحث عن مخرج من متاهة لا حل لها فردت صديقتى بعد فترة صمت وتأمل: «يمكن النوع الثالث ده يكون موجود، بس مش كتير، وممكن مانقابلهمش، أو نقابلهم متأخر بعد القطر ما يفوت، أو فى ظروف تخلى الحكاية ماتكملش..

فرددت دون تردد: أنا مؤمنة أن ربنا هايخلينى أقابل واحد فيهم فى الوقت المناسب.

وخلال حضورى لعيد ميلاد الابن الأول، لابنة خالتى وزميلة الدراسة فى نفس مراحل التعليم، شاء حظى أن أجلس بجوار والدة جارتها مى، وخلال فترات هدوء الموسيقى تجاذبنا الحديث حول السياسة والموسيقى وأحوال الناس وغيرها.

فإذا بوالدة مى، تمصمص شفتيها، وتقول لى بأسى، ياخسارة فيك حاجات حلوة كتير.. ولابسة طويل بس ياخسارة مش محجبة!

ووجدت نفسى فى تلك اللحظة أتقبل الأمر بابتسامة، ربما لم تستطع والدة مى أن تفسرها حتى الآن وذهبت لأحضر لها بعضا من حلوى عيد الميلاد، لكننى كنت أضحك من طريقة الناس فى التفكير.

وأعود لبيتى أكثر تمسكا بحقى فى اتخاذ قرار الحجاب دون ضغط من أحد أيا كان، خاصة أن أبى رحمه الله لم يطلب منى ارتداءه، وهو الذى حج بيت الله مرات عديدة، كما لم تطلب منى أمى المحجبة أن أفعل ذلك أبدا، كما لم يطلبا منى العكس أيضا.
∎ الحجاب والصحافة

لا أنكر أنى كنت معجبة به حقا، فهو وسيم ومدرس فى الجامعة فى التخصص الذى اخترته فى دراستى العليا «الآثار الإسلامية»، كما لاحظ أساتذته الأكبر منه أنه أيضا معجب بى، وسألونى إن كان صارحنى بشىء، فنفيت ذلك أكثر من مرة.

كان غريب الأطوار، فى أوقات كثيرة يعاملنى بلطف شديد، وفى أوقات أخرى بقسوة أشد، حتى جاء كان يوم الحفلة الختامية للمؤتمر السنوى للكلية .

واصطحبت أمى معى للحفل، وبمجرد وصولنا إذا بالمدرس الوسيم، يسير نحونا كمن رأى عزيزا غاب عنه لسنوات، ليرحب بوالدتى بكل أشكال وكلمات الترحاب، وإزيك يا ماما وعاملة إيه.

وكأن عقدة لسانه قد ذهبت إلى غير رجعة بعدها، فبعدها بيومين وجدته واقفا مع زميله على مقربة من المدرج الذى كنت أدرس فيه وبمجرد أن رآنى أستأذن من زميله، ومشى نحوى، وقال لى: ممكن ناكل حاجة فى دار الضيافة؟

فوافقت بابتسامة كمن عرفت باقى الحديث الذى انتظرته طويلا، وبالفعل بدأ حديثه على طريقة الأفلام الأبيض والأسود، «لما شفت والدتك قلبى انشرح، أنا معجب بيك، وبأخلاقك وحبك للآثار، وبطريقة لبسك واختيارك للألوان.. وهنا توقف فجأة كمن وقفت اللقمة فى حلقه.

ثم استجمع تركيزه مرة أخرى، وقال بس.. وتبعها فترة صمت قطعها مجىء المشروبات،

وأخيرا استكمل جملته، وقال : هو أنت مافكرتيش تتحجبى؟

وهنا اعتدلت فى جلستى.. ولم أنطق، لكنى سحبت العصير وأخذت منه رشفة، وقلت ده.. العصير حلو قوى وفريش، حتى لا أعلق على سؤاله.

فأخذ هو رشفة من كوبه وقال فعلا، لكنه بسؤال آخر بغباء منقطع النظير، لا يتناسب مع ما يفترض من حساسية أستاذ الجامعة، قائلا: هو أنت متمسكة بشغلك فى الصحافة؟

فلم أجد سوى أن أقول له بوضوح وبجملة مقفولة: أنا لا هاسيب الصحافة ولا هاتحجب إلا لو أنا قررت ده لوحدى فى يوم من الأيام مش عشان خاطر أى حد.

وانتهت الجلسة بسرعة، ولم يعد المدرس الكبير يتحدث إلى ثانية إلا داخل المحاضرة.

∎ الخروج من جنة الموضة

مازالت تسيطر على ذاكرتى أزياء فتيات الجامعة فى الثمانينيات، التى كنت أحلم بارتدائها وأنا طفلة، بشعورهن المنسدلة أو المرفوعة على شكل ذيل الحصان، وأحذيتهن ذات الكعب المنتهى بقطعة حديد، وفساتينهن الضيقة الخصر، ذات الطول المتوسط، المتميز عن قصير جيل السبعينيات، وعن طويل جيل التسعينيات فيما بعد.

ومرت السنوات وارتديت أزياءهن وطلبت من مصفف الشعر أن يصنع لى نفس تسريحاتهن، فى الوقت الذى كانت فيه ألوان وأشكال وربطات أغطية الرأس، «الحجاب» تزداد انتشارا فى أغلب المحلات.

كان أغلب جيلى فى الجامعة من المحجبات، وكثيرا ما حاولن إقناعى بمميزات الحجاب، الذى يوفر وقت تصفيف الشعر للمذاكرة، كما أنه يوفر مصروفات الكوافير وغيرها.

لم أكن أهتم بما يقلنه ولا بالرد عليه، لكن بمرور الوقت رأيت أن أمثالى يدفعن ثمن هذا التمرد على جيل المحجبات، فبعد أن ظهرت محلات ملابس خاصة بالمحجبات فى التسعينيات، تحول الأمر إلى أن كل المحلات أصبحت للمحجبات، وملابس غير المحجبات هى الاستثناء.

∎ الحجاب عين العقل

كنا فى عيد الفطر، الذى يجمع العائلة التى لا تجتمع إلا فى الأعياد، ووجدت نفسى أتدخل فى الحديث مع شباب العائلة، بعد أن تجمعت الفتيات فى حديث منفرد، ولم أنتبه أن خالتى كانت تراقبنى من بعيد، فإذا بها تأتى كمن أراد أن يلقى حجارة فى وجهى، قائلة: طيب ما أنت عاقلة أهوه.. أمال ربنا مش هاديك ليه، وما اتحجبتيش.

لا أنكر أن بعضا من هذه الجمل التى كانت تلقى فى وجهى، كانت تؤلمنى بالفعل، ليس لوصفى بالجنون، لكن لأن المجتمع لا يسمح لأحد بالتمرد على ما اختارته الأغلبية، ولا يحترم حق الجميع فى الاختيار.

لكن ما آلمنى حقا، هو ما سمعته عندما قال أخى الصغير لأمى أن زملاءه وأصدقاءها من الجيران، دائما يسألونه لماذا والدتك محجبة وأختاك غير محجبتين؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.